صراخ الآباء يسكته عويل الأمهات… الحضانة من حق الأم

0 523

سامي العبودي

ينهض عند كل صباح ليقف متوارياً عن الانظار امام باب المدرسة، ليراقب عبد الامير ابنته من بعيد، حتى يطمئن على سلامتها، فهو لا يستطيع ان يكلمها او يلتقي بها علناً، فالجميع كان يضن انها يتيمة الأب، فالقانون لا يسمح له باصطحابها إنما فقط مشاهدتها في قاعة المحكمة.

“حوراء” ذات التسع سنوات، تلميدة في الصف الرابع الابتدائي وتسكن مع والدتها في منزل صغير بعد ان انفصل أبويها، وهي الان في حضانة امها التي تعتاش على “النفقات” الشهرية التي يسددها والد حوراء الى المحكمة في كل شهر.

وقد شهدت السنوات الاخيرة ارتفاعاً كبيراً بنسب الطلاق في العراق، وبحسب بيان صادر عن مجلس القضاء الاعلى فانه خلال شهر تشرين الثاني من العام 2020 بلغت حالات الطلاق في شهر واحد (8245) حالة وهي أعلى نسبة للطلاق في تاريخ العراق بحسب “مراقبين”.

ويعزو الباحث الاجتماعي “باسم الشرقي” ارتفاع نسب الطلاق في العراق الى عوامل عدة، من أهمها الزواج المبكر للقاصرين من كلا الجنسين وجهل المتزوجون الجدد بحقوق كل واحد منهم وواجباته تجاه الاخر فيما اشار الى ان الحالة الاقتصادية وتردي الوضع المالي للأفراد له دور كبير في الكثير من المشكلات والعقبات التي تعترض حياة المتزوجين.

يقول “عبد الامير محسن” والد حوراء، انفصلنا انا وزوجتي منذ خمسة سنوات حينها كان عمر “حوراء” أربع سنين، ولكون المادة (57) من قانون الأحوال الشخصية يقضي بأن تكون الحضانة من حق الأم، فانه ليس لي حق مشاهدتها إلا من خلال جلسات محددة في داخل بناية المحكمة لثلاث مرات في الشهر والتي لا تتجاوز ساعتين كما انه لا يحق لي اصطحابها او الخروج معها.

وتنص فقرات ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ (57) من ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺭﻗﻢ (188) ﻟﺴﻨﺔ “1959” ﻭﺗﻌﺪﻳﻼﺗﻪ:

ان ﺍﻷﻡ ﺃﺣﻖ ﺑﺤﻀﺎﻧﺔ ﺍﻟﻮﻟﺪ ﻭﺗﺮﺑﻴﺘﻪ، ﺣﺎﻝ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﺔ ﻭﺑﻌﺪ ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ، ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﻀﺮﺭ ﺍﻟﻤﺤﻀﻮﻥ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ، كما ﻳﺸﺘﺮﻁ ﺍﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺤﺎﺿﻨﺔ ﺑﺎﻟﻐﺔ ﻋﺎﻗﻠﺔ ﺃﻣﻴﻨﺔ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﺤﻀﻮﻥ ﻭﺻﻴﺎﻧﺘﻪ، ﻭﻻ ﺗﺴﻘﻂ ﺣﻀﺎﻧﺔ ﺍﻷﻡ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﺑﺰﻭﺍﺟﻬﺎ وتستمر حضانة الام ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ الصغير ﺍﻟﻌﺎﺷﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﻭﻟﻠﻤﺤﻜﻤﺔ ﺃﻥ ﺗﺄﺫﻥ ﺑﺘﻤﺪﻳﺪ ﺣﻀﺎﻧته، ﺣﺘﻰ ﺇﻛﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮﺓ، ﺇﺫﺍ ﺛﺒﺖ ﻟﻬﺎ ﺃﻥ ﻣﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺗﻘﻀﻲ ﺑﺬﻟﻚ، ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺒﻴﺖ ﺇﻻ ﻋﻨﺪ ﺣﺎﺿﻨﺘﻪ، فإذا ﺃﺗﻢ ﺍﻟﻤﺤﻀﻮﻥ ﺍﻟﺨﺎﻣﺴﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ، ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺣﻖ ﺍﻹﺧﺘﻴﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻹﻗﺎﻣﺔ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻳﺸﺎء ﻣﻦ ﺃﺑﻮﻳﻪ، ﺃﻭ ﺃﺣﺪ ﺃﻗﺎﺭﺑﻪ ﻟﺤﻴﻦ ﺇﻛﻤﺎﻟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻋﺸﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺇﺫﺍ ﺁﻧﺴﺖ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺮﺷﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﺧﺘﻴﺎﺭ.

وبحسب القانون فإن المادة (57) سمحت ﻟﻠﺤﺎﺿﻨﺔ “الأم” ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﻬﻴﺖ ﺣﻀﺎﻧﺘﻬﺎ ﺑﺤﻜﻢ قضائي، ﺃﻥ ﺗﻄﻠﺐ ﺇﺳﺘﺮﺩﺍﺩ ﺍﻟﻤﺤﻀﻮﻥ ﻣﻤﻦ ﺣﻜﻢ ﻟﻪ ﺑﺈﺳﺘﻼﻡ ﺍﻟﻤﺤﻀﻮﻥ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﺫﺍ ﺛﺒﺖ ﺗﻀﺮﺭ ﺍﻟﻤﺤﻀﻮﻥ ﺧﻼﻝ ﻣﺪﺓ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻣﻌﻪ، كما انه في حال زواج الام من اجنبي فضلا عن عراقي الجنسية ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻷﻡ ﻣﺤﺘﻔﻈﺔ ﺑﺒﻘﻴﺔ ﺷﺮﻭﻁ ﺍﻟﺤﻀﺎﻧﺔ بشرط ﺃﻥ ﺗﻘﺘﻨﻊ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺑﻌﺪﻡ ﺗﻀﺮﺭ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﻣﻦ ﺑﻘﺎﺋﻪ ﻣﻊ ﺍﻷﻡ وﺃﻥ ﻳﺘﻌﻬﺪ ﺯﻭﺝ ﺍﻷﻡ ﺣﺎﻝ ﻋﻘﺪ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻹﺿﺮﺍﺭ ﺑﻪ.

ويرى الباحث الاجتماعي “باسم الشرقي:

ان ارتفاع نسب الطلاق في الاونة الاخيرة تمثل احدى اهم المشكلات الكبيرة التي تعصف بالمجتمع العراقي ككل مما يدعوا الى تضافر جميع الجهود لاتخاذ خطوات حقيقية وجهد حكومي ومجتمعي والعمل على الحد من هذه الظاهرة كون المتضرر الوحيد والضحية الاولى هو الطفل.

واستطرد الشرقي قائلا: انه في إحدى الدول الاسيوية ارتفعت نسبة الطلاق فيها إلى 32% مما دعا تلك الدولة وهي (ماليزيا) العمل على إعداد مناهج تربوية خاصة بالأسرة وفتح معاهد خاصة للمقبلين على الزواج لكلا الجنسين وإدخالهم في برامج تثقيفية من اجل تعليمهم بطرق التعامل بين المتزوجين وكذلك تعريفهم بحقوق وواجبات كل واحد منهم وتأهيلهم نفسيا لمرحلة الزواج ولا يحق لهم الزواج إلا بعد حصولهم على شهادة اجتياز جميع الاختبارات التأهيلية، مما أدى إلى انخفاض نسب الطلاق إلى 70% فكان التحرك الحكومي تجاه ارتفاع نسب الطلاق مفيد جداً وهذا ما نفتقر إليه اليوم في العراق.

هاشم البياتي، أمين عام منظمة الإحسان، إحدى منظمات المجتمع المدني يبين وجهة نظره قائلا: إننا بحاجه الى زرع الثقة والتفاؤل وزرع الامل داخل الاسرة العراقية من خلال ايجاد قوانين انسانية لتعزيز هذا الشعور وهي مسؤولية تقع على عاتق الجميع فيجب على المشرع العراقي ومجلس النواب والحكومة ومنظمات المجتمع المدني ايجاد طرق واليات حديثة للحفاظ على النسيج الاجتماعي كون الاسرة هي اللبنة الاولى في بناء المجتمع وان سلامة الاسرة عنصر اساس في سلامة المجتمع ككل.

مرصد الحريات للدفاع عن المرأة المعنفة، يؤكد أن “70% من حالات الطلاق كانت من سن 15 عاماً إلى 30 عاماً، فيما بلغت 30% باقي الأعمار”، مشيراً إلى أن “الزواج المبكر ومواقع التواصل الاجتماعي والظروف الاقتصادية في البلاد تعد من أبرز أسباب حالات الطلاق في العراق”مبيناً ان الإحصائية الاخيرة لحالات الطلاق سجلت ارقاماً قياسية، فالعراق حافظ وللسنوات بين 2007 وحتى نهاية 2016، على نسب الطلاق سنوياً بين 45 – 55 ألف حالة، لكن النسبة ازدادت بنحو ملحوظ وبمعدل 50%، لنكون أمام 145 ألف حالة خلال سنتين فقط.فيما رجح المرصد ارتفاع معدلات الطلاق في البلاد منذ عام 2004 إلى مليون حالة بحلول 2020، “نظراً لارتفاعها المستمر”، على حد قوله.

الخبير القانوني علاء الحلفي يقول:

ان المشرع العراقي يعمل على تحقيق مبدأ العدالة بين المطلقين فيما يخص حضانة الطفل وأجور النقة إلا انه ليس بمقدوره التحرك إلا ضمن اطر قانونية محددة ولا يمكنه الخروج عنها، فالقضاة هم ملتزمون بالعمل ضمن أطر قانونية لا تعطيهم إلا مساحة ضيقة للتحرك، فعلى سبيل المثال نجد ان المادة (28) من قانون الأحوال الشخصية تتحدث عن امكانية صعود ونزول النفقات طبقا للحالة المادية للرجل فهي تنظر من ناحية صعود مبالغ النفقات المدفوعة للأطفال شهريا ويسكت عن نزولها في حال تعسر الحالة الاقتصادية للأب كما هو الحال خلال فترة ظهور فيروس كورونا وتعطل الحياة الاقتصادية وظروف الحجر المنزلي ومنع التجوال وهذا الامر قد عصف بكل الدول في العالم فلم يأخذ المشرع بهذا الحال وبقي مقدار النفقات على عهدها السابق مما تسبب بتعرض الكثيرين الى دخول “الحبس” لعدم تمكنهم من دفع مبالغ النفقات الشهرية وهنا يجب ان يكون للمشرع العراقي موقفاً ايجابيا لتحقيق العدالة.

وخلال الفترة الاخيرة من تفشي فيروس كورونا شهد العراق اتساعا في ظاهرة العنف الأسري، إذ وثقت وزارة الداخلية العراقية أكثر من خمسة آلاف حالة عنف أسري في البلاد خلال النصف الأول من العام 2020.وأكد المتحدث باسم الوزارة، اللواء سعد معن، إنه خلال العام 2020 تم تسجيل اكثر من 5 آلاف و292 حالة عنف أسري في العاصمة بغداد وبقية محافظات البلاد خلال النصف الأول من العام الماضي.مبيناً : انه من بين الحالات الموثقة سجلت 3 آلاف و637 حالة اعتداء من الزوج على زوجته، فيما تم رصد 453 حالة اعتداء من الزوجة على زوجها.

من جهتها أبدت دار الإفتاء العراقية رأيها من خلال بيان لها خاطبت فيه الجهات الحكومية المختصة حول ضرورة إعادة النظر في المادة (57) المختصة بأحكام الحضانة حيث جاء فيه: “تعرضت المادة (57) إلى ثلاث تعديلات في السنوات 1978و 1986 و 1987 من قبل مجلس قيادة الثورة المنحل ادت الى مضاعفة سن حضانة الأم من 7 سنوات الى 10 سنوات قابلة للتمديد الروتيني إلى 15 سنة، يبقى فيها المحضون في عهدة الأم حتى لو تزوجت، وليس للأب سوى الإنفاق حيث لا يسمح القانون العراقي بمتابعة الأب لأطفاله وإنما يشاهدهم في المحاكم لساعتين مرة واحدة لكل أسبوعين، ولذلك ولوجود تحريض مادي احتوته مواد اخرى معدلة في قانون الاحوال الشخصية تحت مسمى (مكتسبات المرأة ) ازدادت حالات الطلاق في المجتمع العراقي.كما تظهره احصائيات رسمية تابعة لمجلس القضاء الاعلى العراقي حيث تضاعفت بمقدار 256% بين سنتي 2004 و2018 ويستمر التصاعد بشكل مطرد الامر الذي لاحظه العديد من المتخصصين والحقوقيين، مبيناً ان أحكام المادة (57) تسري على العراقي المسلم فقط اما غير المسلم فيسري عليه بيان المحاكم رقم (6) لسنة 1917 وقانون الاحوال الشخصية للأجانب رقم (78) لسنة 1931 بموجب لوائحهم الخاصة وفق دياناتهم ومعتقداتهم، مشيراً إلى ان الاحوال الشخصية في العراق كانت قبل سنة 1959 وبعد تأسيس الدولة العراقية تدار من قبل المحاكم الشرعية التي تعتمد المذهب الشخصي للمسلمين المتداعين وفقاً لفتاوى ومقررات كل مذهب.

وفي هذا السياق، بادرت عدد من المؤسسات المجتمعية والحقوقية إلى إطلاق حملة شعبية للمطالبة بإنقاذ الطفولة من النتائج الوخيمة جراء التفكك الأسري حيث يقدر أعداد أطفال الشقاق في العراق بمليوني طفل معرضين إلى شتى أشكال التعسف والتعنيف الجسدي والنفسي وجعلهم عرضة إلى الاستقطاب من قبل الجريمة والإرهاب.

هذا العمل من نتاجات مشروع ( التربية الإعلامية ) الذي تم تنفيذه بواسطة (MICT) الألمانية سنة 2021.

اترك رد