النهوة العشائرية.. السد المنيع ضد الزيجات المختلطة في العراق

0 576

 

هبه جبار
نيسان 2022

“كان طالبا جامعيا في السنة الأخيرة، تقدم لطلب يدي من أهلي أربعة مرات، وفي الأخيرة وافقوا وتم الزواج قبل عامين من الآن، إلى أن جاءت ليلة الزفاف ووصلنا خبر مصرعه بعدما قام مجموعة من الشباب بالإعتداء عليه وقتله”..!! هذا ما روته أسماء، 20 عاما، وهي ربة بيت من محافظة البصرة عن زوجها الذي راح ضحية النهوة العشائرية، لأنه من قبيلة مختلفة.

عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق، الدكتورة فاتن الحلفي تؤكد “أننا في مفوضية حقوق الإنسان طرحنا في مناسبات كثيرة هذا الأمر الذي يحتاج إلى معالجة لأنه يخالف القوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان التي تجرم مثل هكذا سلوك، لكننا لا ننسى أن مجتمعنا هو قبلي عشائري، لذا فإن التخلص من هذه التقاليد يواجه صعوبة كبيرة، إذا ما علمنا أن لا أحصائيات تُذكر لهذه الأفعال بسبب تكتم العوائل عن الخوض بالموضوع من الأساس”.

وربطا بالحماية القانونية تشير الحلفي إلى أنه “لم يفلح التطور الاجتماعي وانفتاحه في إنهاء النهوة، وما زالت المحاكم تروي قصص طلاق غريبة، وحالات انتحار شائعة وحكايات قتل بشعة، بسبب النهوة العشائرية التي لم يفلح القانون في الحد منها أو استئصالها من المجتمع حتى هذه الأيام، فهي فيروس متفش في المجتمعات العشائرية، وكبت لحرية المرأة واستلاب لحق الاختيار”.

أما الشيخ سلام السلطاني، وهو شيخ قبيلة آل السلطان يشير إلى أن “النهوة عرف عشائري قديم جداً يقضي بمنع الفتاة من الزواج برجل غريب عن العشيرة، ويُمكّن هذا العرف ابن العم أو العم من النهي على الفتاة بغية تزويجها بأحد أقاربها”، ويضيف “هذه التقاليد قد غادرها جزء من العشائر، ومنها قبيلتنا التي منعت وفق وثيقة منذ خمسة عشر عاما تقريبا التعاطي بالنهوة، لأنها تتعارض مع ديننا الحنيف، والمشكلة أن هذا النوع من التقاليد معمول به إلى الآن في المدن وليس في القرى والأرياف فحسب، وهذا قصور واضح في الوعي لدى أبناء المجتمع ويسيطر تماما على تفكيرهم ويمنعهم من التطور”.

الإختلاف الديني.. العقدة الخطيرة

يعد الإختلاف الديني والطائفي ابرز الأسباب التي تغذي النهوة وتمنع العراقيين والعراقيات من إختيار شركائهم وشريكاتهن بحرية.

كما حدث مع المهندسة سارة، 28 عاما، وهي موظفة في أحدى المؤسسات الرسمية، وتنتمي للمذهب الشيعي تروي لنا “نشأت في أسرة علمانية، ووالداي ليسا متدينين وليسا متعصبين طائفيا، ولدي أنا وأخوتي أصدقاءً من مختلف المذاهب والطوائف، لكن عندما يصل الأمر للزواج يصبح الأمر مختلفاً”.

وتضيف سارة ” صدمت عندما عرضت على أسرتي فكرة الزواج من رجل ينتمي إلى المذهب السني، فلم يسألا عن اسمه، أو عمله، أو أي شيء آخر يتعلق به، ورفضوه فقط لأنه لا ينتمي إلى مذهبنا”.

“لم تستسلم سارة لهذا الرفض، وأصرت على إتمام الزفاف، الذي حضره القليل من زملائهما الموظفين منذ عامين تقريبا، ومنذ ذلك الحين وإلى هذه اللحظة أسرتي ترفض لقائي وتعتبرني متمردة على قراراتهم، ما دعاهم إلى عزلي حتى من التواصل مع أخوتي” حسب قولها.

كذلك لم يقف الدين عقبة أمام علاقة الحب التي جمعت عماد، 35 عاما، المنتمي للديانة الصابئية المندائية، وشذى، 30 عاما، التي تنتمي للإسلام، فقد قررا قبل أربعة أعوام أن يتزوجا سرا، ولم يعرف الأهل والأقارب بهذا الزواج إلا بعد ثلاثة أعوام عندما رُزقا بطفل. تقول شذى “بعد أن أبلغت والدتي بزواجي من عماد طردتني، واسمعتني تنمرا ضد طفي، واصفة إياه بأنه غير شرعي، وألقت عليّ اللوم الفظيع بأنني سأكون سببا في عدم زواج شقيقاتي لأن السمعة السيئة قد طالتهن بعد خروجي عن العرف والدين حسب وصفها”.

وعن مواجهة الشباب – الذين يرغبون في الزواج من مذهب أو طائفة أخرى – القيود والمشاكل التي يختلقها الأهل والمجتمع والطائفة، يقول الشيخ عامر البياتي، الناظق الرسمي باسم دار الإفتاء العراقي “في العراق هنالك العديد من المذاهب والطوائف ومنها من ترفض الزواج المختلط إن لم تكن تحرمه، فيما الشباب معلقون بين الحب ومحظورات الطائفة، وهذا ما يجعل المسؤولية على المنبر الديني أن يكثف التوعية للمجتمع بهذا الصدد”.

ويستشهد البياتي بقوله تعالى في الآية 13 من سورة الحجرات (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، ويردف قائلا “الدين الإسلامي يحث الناس على الإختلاط والتعارف والتزاوج، فهذا يعد من الأمور الصحية التي توطد العلاقات بعدما توسعت الفجوة الإجتماعية بين المذاهب”.

المجتمع يمنع والقانون يتحفظ

“أجاز القانون العراقي للمسلم الذكر الزواج من معتنقة الدين الآخر، حيث يسجل هذا الزواج رسميا طبقاً للبطاقة الوطنية في سجلات الأحوال المدنية، لكنه يمنع الأنثى المسلمة من الزواج بأتباع الديانات الأخرى، فيما يسمح للمرأة المسيحية بالزواج من غير المسيحي وفقا للمعتقد والقانون، ولكن الايزيديين يمنعون زواج الانثى بأي شخص من دين آخر، وهنالك اختلافات في ما يتعلق بكل دين كالصابئة واليهود”. وذلك بحسب الناشط الحقوقي والصحفي نصير لازم، ويضيف “هذه المواد المدرجة في نص القانون العراقي تحتوي على تمييز جندري واضح، يجب أن يوضع بالحسبان لتلافيه، فضلا عن أننا نعيش ألفية ثالثة ومجتمعا غير مغلق كما السابق، وأن الزواج المختلط حالة صحية لأي مجتمع يرجو التقدم والسلام، لذا فعلى فقهاء القانون مراجعة هذه النصوص التي تخالف مواد الدستور المؤكدة على التعايش والترابط وإلغاء التمييز الجندري وردم الهوة التي تخلقها التشريعات المساهمة في توسيع الفرقة بين أفراد المجتمع المتنوع”.

وتستغرب استاذة علم الإجتماع بجامعة بغداد الدكتورة غفران العماري من تحفظ بعض المجتمعات العراقية على الزيجات المختلطة، وتصفه بأنه “يُسهم في تعريفك بثقافة أخرى وأوساط جديدة لم تكن مألوفة لديك، وسيحظى أطفالك في الزواج المُختلط بفرص صحية جيدة من حيث الجينات والابتعاد عن الأمراض التي تنشأ من زواج الدوائر الضيقة والمتقاربة”.

ورغم تحديات المجتمع والقانون، مازال العديد من العراقيين والعراقيات يتبعون قلبهم في إختيار شركائهم/ن.

“الله محبة، فهو الذي خلق فينا العواطف والمشاعر وتقبل الآخر، وزوجي غاية بالإنسانية والحب في التعامل معي، وارجو أن تنظروا لزواجنا بعينكم الواعية، وأن لا تتكرر معاناتي لدى شقيقاتي في حال إخترن شخصا مختلفا عن مذهبنا وديننا وعشيرتنا” تتمنى شذى.. أما سارة فتقترح على أهلها والمجتمع “أن تنظروا للشخص نفسه دون ربطه بمرجعيات دينية أو مذهبية التصقت به بسبب الولادة”، وتقول “لا تخلقوا عقبات ورثتموها تقف عائقا أمام رجل وامرأة متحابين ومتفقين على خلق عائلة صالحة”.

(بتمويل من التعاون الألماني)
نيسان 2022

اترك رد