من الحرم الجامعي الى ارصفة البطالة..كورونا تنهي احلام الشباب

0 290

سامي العبودي

مشاريع كبيرة تنتظره بعد التخرج…فطموحه لا يحده شيء، فلم يتصور في يوم ما، ان احلامه التي نسجها في مخيلته وثمرة جهده لثمانية عشر عاماً في الدراسة ستتحطم على ارصفة الشوارع ويسرقها المتسكعون في جوف الليل امام عينيه.

حسنين كاظم ذو السبعة وعشرون عاما من سكنة محافظة النجف الاشرف تخرج من جامعة الكوفة كلية الادارة والاقتصاد قسم المحاسبة في العام 2018 ليجد نفسه في اخر المطاف “جليساً في المنزل” حبيساً بين جدرانه التي سأمها وسأمته فأحلامه التي كانت تنتظر التخرج لتحقيقها تبخرت وذهبت ادراج الرياح كما يتبخر الماء من ابريق الشاي الذي امامه وهو يروي قصته.

وبحسب دائرة الاحصاء في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، فان الكليات والجامعات العراقية (الحكومية والأهلية) تخرج اكثر من 180 الف طالب جامعي سنوياً، ليلتحقوا بركب الخريجين العاطلين عن العمل الذين تتضاعف اعدادهم في كل عام بشكل كبير، ولم تعد مؤسّسات الدولة تتمكن من استيعابهم ضمن اختصاصاتهم الجامعية، ليشكلوا نسبة 17% من البطالة في العراق التي تجاوزت 32% من عدد السكان القادرين على العمل بحسب إحصائيات لمنظمات دولية ومحلية.

يقول ألأكاديمي جبار محمد السعدي، ان البطالة تمثل ابرز المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية التي واجهت مختلف الاقتصاديات في العالم، مبيناً ان ارتفاع معدل البطالة وخصوصاً في السن المحصورة بين (15 – 59) سنة وهذا يعني أن أغلبية العاطلين هم من الشباب ويحملون شهادات جامعية بل تخطت ذلك لتشمل حتى الحاملين للشهادات العليا.

ويضيف السعدي قائلا: ان موضوع مكافحة البطالة من مهام الدولة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ، ولكن من حيث الواقع العملي اصبحت البطالة في العراق تشكل ارقام مخيفة ضربت كل شرائح المجتمع رغم الموارد الاقتصادية الهائلة في العراق والتي تستدعي الى وضع خطة استراتيجية وطنية شاملة تشترك فيها كل الجهات الفاعلة في المجتمع العراقي بما فيها السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وكذلك الاوقاف الدينية والعتبات المقدسة ومؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية الحكومية والدول الصديقة لغرض استيعاب هذه الطاقات من اجل التنمية الاقتصادية الشاملة.

يقول حسنين: انه بعد تخرجي طرقت ابواب المؤسسات الحكومية بحثاً عن وظيفة تلائم تخصصي ولكن لم اجد جواباً لغاية اللحظة، مبينا انه قدم اوراقه للكثير من مؤسسات الدولة التي اعلنت عن حاجتها الى محاسبين ومنها دائرة الخزينة العامة التابعة لوزارة المالية وهيئة التقاعد العامة التابعة لوزارة المالية ايضاً ودائرة العمل والضمان الاجتماعي التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومديرية صحة النجف التابعة لوزارة الصحة ومديرية كهرباء النجف بصفة اجير يومي.

وبحسب دائرة الاحصاء في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي فقد ارتفع عدد الجامعات الحكومية في العراق إلى نحو 35 جامعة، كما ارتفع معدل الجامعات والكليات الاهلية إلى 73 جامعة، والتي يتخرج منها نحو 180 ألف طالب سنوياً، مبينة ان هذا العديد الكبير من الخريجين من مختلف الاختصاصات هو فوق مستوى استيعاب مؤسّسات الدولة وسوق العمل، وبالتالي يضافون الى قائمة العاطلين عن العمل.

وفي الشهر التاسع من العام 2019 نظم آلاف الخريجين تظاهرات في العاصمة بغداد للمطالبة بتوفير فرص العمل وكانت الشرارة الاولى للاحتجاجات الكبيرة التي شهدها العراق في تشرين من العام 2020 كان الخريجون العاطلون عن العمل يشكلون رأس الحربة فيها.

بعد ان يأس حسنين من الجهات الحكومية توجه الى العمل في شركات القطاع الخاص ولكنه لم يجدها إلا عبارة عن شركات احتكاريه تستغل حاجة الشباب الى العمل فتقوم باستغلالهم بأبشع الطرق ” على حد قوله”، فضلا عن قلة الاجور وكثرة ساعات العمل التي تصل الى ١٢ساعة عمل في اليوم، بالإضافة الى عقود الاحتكار مثل اجبار العاملين في القطاع الخاص على توقيع تعهد بعدم ترك العمل وخلاف ذلك يتحمل العامل شروط جزائية تصل الى مبالغ كبيرة جدا وبالمقابل فان الشركات غير ملزمة بأي شيء اذا ارادت انهاء خدمات العاملين لديها.

ويرى علاء سلمان، ناشط في مجال حقوق الانسان، ان العاملين في القطاع الخاص يواجهون الكثير من العوائق ومنها عدم وجود أي ضمانات لدى العاملين مع وجود ضغط وحجم عمل كبير لا يتناسب مع حجم الأجر المقدم من قبل القطاع الخاص، مبيناً ان الكثير من الحقوق تهدر في القطاع الخاص لعدم وجود رقابه مباشرة من قبل الحكومة أدى إلى استغلال كبير وواضح للعاملين في القطاع الخاص.

يسترسل حسنين كلامه المملوء بالحسرة والألم والدمعة تكاد ان تفر من عينيه قائلا: قدمت اوراقي لأكثر من 65 شركة من القطاع الخاص وأجريت اكثر من 38 مقابلة مع هذه الشركات ولكنني اكتشفت ان المحسوبية و”الواسطة” في القطاع الخاص موجودة اكثر مما هي في القطاع العام، حيث عملت في مركز لبيع الحوم المجمدة وكان صاحب العمل يطلب دوام يومي طول السنة بدون اجازات وساعات العمل تصل الى ١٢ ساعة عمل او اكثر مقابل اجر ٣٥٠ الف دينار للشهر الواحد مما دعاني الى ترك العمل، ثم عملت في احدى الشركات في النجف وإذا بهم اثناء المقابلة يقولون ان الوظيفة هي مساعد مسؤول مستودعات وفترة العمل تصل الى ١١ساعة في اليوم، فباشرت العمل في صباح اليوم الثاني واصبت بالدهشة حينما اكتشفت ان طبيعة عملي هو عامل تحميل وتفريغ للبضائع “حمال” مما ادى بي الى ترك العمل في اليوم الأول”.

ويرى الدكتور محمد الكرعاوي استاذ جامعي في كلية الإدارة والاقتصاد : ان مشكلة البطالة تكمن في تأثيرها السلبي على جميع مفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، فلا يقتصر تأثيرها على العمال وحدهم بل يشمل فئات عديدة من الناس من خلال ارتباطهم بعملية الإنتاج ، أضافه إلى الهدر الكبير من الطاقات البشرية التي ستعطل، وما يمكن أن يحدث من أزمات أخلاقية وتربوية إزاء ذلك.

حسنين، قد رهن داره الصغيرة التي يسكنها مع عائلته الى احد المصارف الحكومية من اجل الحصول على قرض مالي مقداره (10) مليون دينار عراقي لينشئ مشروعه الخاص، محل صغير لبيع وصيانة الهواتف النقالة وأجهزة الحاسوب (الكومبيوتر)، يقول حسنين: ان المشروع سار بشكل سليم وكنت اشعر بالسعادة ، إلا ان الامور لم تسير بصورة صحيحة شأني شأن الكثيرين المتضررين من جائحة كورونا، فقد عصفت جائحة كورونا ببلدان العالم اجمع ومنها مدينتي النجف الاشرف التي كانت سباقة في ظهور اول حالات الاصابة فيها دون غيرها من المدن العراقية.

وواجه العالم منذ الربع الأخير من عام 2019 أزمة صحية تمثلت باكتشاف فيروس كورونا لأول مرة في الصين لينتقل بعد ذلك كالنار في الهشيم الى أغلب دول العالم ليصبح فايروس عابر للقارات، مما جعل من دول العالم التي اصابتها الجائحة ان تتخذ جملة من الإجراءات الاحترازية في محاولة منها للتقليل من حدة الآثار السلبية لانتشار الفيروس ومنها إجراءات التباعد الاجتماعي وإيقاف كلي وجزئي للأنشطة الاقتصادية لتتحول الجائحة الى أخطر أزمة إنسانية وصحية واقتصادية واجتماعية انعكست على مجمل أوضاع الاقتصاد العالمي.

“حسنين” يؤكد ان جائة كورنا وما ترتب عليها من حظر للتجوال تسببت بخسائر كبيرة له، حيث تم غلق المشروع ليتكبد خسائر تصل الى اكثر من ٨ ملاين دينار عراقي منها مبالغ استئجار المحل وتكاليف اجور الكهرباء والماء وغيرها من التكاليف الاخرى.

وفي هذا السياق اشارت تقارير منظمة العمل الدولية، الى إن للجائحة تأثيرات بعيدة المدى في سوق العمل، فضلاً عن المخاوف بشأن صحة العمال، حيث انعكست سلباً على جميع القطاعات ، إذ انه من مجموع (2) مليار عامل يواجه (1.6) مليار تهديداً مباشراً لمصادر عيشهم، وقد انعكس ذلك الى زيادة هائلة في الفقر مما دفع برنامج الأغذية العالمية من التحذير الى ان الجائحة هي جائحة “الجوع”.

ينقل حسنين اجهزته وبقايا احلامه الى داره المرهون الى المصرف ليتخذ لنفسه من غرفة المخزن الصغيرة الواقعة في سطح داره ورشة للعمل لصيانة الاجهزة التي يتم تزويده بها من خلال معارفه والتي لايستطيع من خلالها ان يسدد دفعات القرض الى المصرف وهو مطالب بتسديدها شهرياً.

يختتم حسنين كلامه قائلا: اجهدت نفسي وأهلي في مسيرتي الدراسية على امل ان اجد مستقبلاً مشرقاً امارس فيه خبرتي العلمية وأعيش حياتي بشكل طبيعي اسوة بأقراني، الا انني اليوم اصبحت مهددا انا وأفراد عائلتي للعيش على ارصفة الشوارع، فلا دار تأوينا بعد اليوم ان حجز المصرف على دارنا الصغيرة التي نسكن فيها.

اترك رد