اللاجنسيات في العراق.. بين الزواج الإجباري والأوضاع النفسية الصعبة

0 536

هبه جبار
نيسان 2022

“أجبرت على الزواج تحت ضغط عائلي تارة، ونظرة المجتمع لي كامرأة قد نضجت تارة أخرى، ما جعلني أعيش الجحيم في العلاقة الزوجية، حيث أشعر أنني أتعرض للإغتصاب المتكرر تحت غطاء الزواج”..!!، هذا ما تمر به سارة بائعة الزهور في إحدى مدن كردستان، ذات الـ19 ربيعا وهي إحدى النساء اللاجنسيات في العراق، المتزوجة منذ عام واحد فقط.

أما آلاء ياسين – 30 عاما مؤسسة صفحة (اللاجنسية – Asexuality) في مواقع التواصل الإجتماعي تعرّف اللاجنسية بأنها: “إنعدام الإنجذاب الجنسي تجاه الآخرين، بمعنى عدم الرغبة في ممارسة الجنس”.
واصفة تكرار الأسئلة المتعلقة بالإرتباط في مجتمعاتنا بأنها “مزعجة جدا، ويمكن أن تصل لمستوى التنمر والتدخل في الشؤون الخاصة”، وتشير ياسين إلى أن هذه الإزعاجات والضغوطات قد “تؤدي في بعض الحالات إلى دفع اللاجنسي للإرتباط، وتنتهي العلاقة بزواج فاشل يسبب الضرر للجميع”.

وآلاء هي إحدى أشهر الناشطات العراقيات اللواتي يعملن للتوعية حول اللاجنسية، فقد ألفت (كتاب اللاجنسية) بطبعتين، وساهمت بإصدار (مجلة اللاجنسية) كما ألقت محاضرة تعريفية بالهوية اللاجنسية في مؤتمر تيداكس بغداد الثامن عام 2018.
أما عنها، فقد أكتشفت هوتيها اللاجنسية منذ سنوات مراهقتها الأولى، وشهدت عدم تقبل اللاجنسيين من خلال إطلاعها على قصص عديدة من مختلف بلدان العالم العربي، وهذا ما دفعها لأن تنشئ أول وسيلة تواصل على الفيسبوك والتي يتابعها اليوم أكثر من (46 ألف متابع). تهدف الصفحة بحسب آلاء لدعم أقرانها من اللاجنسيين وتعريف المجتمع بهم.

لا يوجد في العراق إحصائية رسمية وموثقة عن أعداد اللاجنسيين/ات، ويعزى هذا الأمر إلى أن النقاش في الأمور الجنسية في بيئتنا يعد من المحرمات التي لا يُسمح أن تظهر علانية بسبب هيمنة الموروث والعادات والتقاليد والتعاليم الدينية التي لا تسمح بالبوح بهذه التفصيلات بأي شكل من الأشكال.

إلا أن تقديرات عالم النفس الكندي (أنتوني بوغارت) عام 2004، تشير إلى أن عددهم في العراق يتجاوز الـ(400 ألف) ما بين رجل وإمرأة، وبيّن (بوغارت) بدراسته أن نسبة اللاجنسيين في أي بلد بأنها 1%، علما أن نسبة النساء هي ضعفي الرجال، وفقا للدراسة المعتمدة من قبل جامعة (ساو باولو) البرازيلية في عام 2010.

إغتصاب شرعي.. وأمومة إجبارية

أجبرت أم إيفان – 25 عاماً التي تحمل شهادة الثالث متوسط على الزواج في سن العشرين رغماً عنها، وعن هذه التجربة تقول: “تزوجت رغم أنني أخبرت أهلي أن لا رغبة لي مطلقاً بالزواج ومعاشرة أي رجل، فأنا ومنذ مراهقتي لا أشعر بأي إنجذاب للرجل، وعند بحثي عن هذا الأمر في مواقع الأنترنت فهمت ما تعنيه الهوية اللاجنسية وأيقنت بأنني سليمة، وبسبب كل ذلك أتهمت من قبل أهلي بأنني مثلية وتم تعنيفي عدة مرات، فأنا بالتالي امرأة ويتم التعامل معنا كأننا درجة ثانية، لأن هذا الأمر لو حدث مع رجل فبوسعه أن يرفض الزواج. وأيضا بسبب خوفه أهلي من أقاويل الناس، خاصة وأن قريتي تتزوج النساء فيها بعمر مبكر، إلى أن وافقت على الزواج حتى أتخلص من هذا العذاب”. وتضيف: “في بداية زواجي كنت امنع زوجي من التقرب لي، وهذا الأمر خلق عذابا إضافيا، ففي بداية الأمر أحسست بأنه يشكك بشرفي، وبعد أن سمحت له بالتقرب مني – وكانت لحظة إغتصاب بكل ما تعنيه الكلمة – أشاع عني بأنني قد تعرضت للختان في صغري، وذلك بسبب برودي الجنسي معه”.
وتصف (أم إيفان) وضعها الآن بـ”الصعب”، “خاصة بعد إنجابي لطفلين، فما ذنبهما وإنني قد ولدتهما من دون رغبتي، لكنني أتعايش مع الوضع رغما عني، وخوفا من أقاويل أهلي وزوجي والمجتمع هنا” بحسب قولها.

المحامية هيلين، 33 سنة، وهي فضلت عدم ذكر اسمها الحقيقي لأنها تخفي توجهها الجنسي، تقول: “عملي في المحاكم أتاح لي أن ألتقي بنساء يتعرضن للتعنيف وحالات طلاق بسبب هويتها اللاجنسية، وأقوم مباشرة بتقديم المساعدة لهن من خلال الترافع عنهن أمام القضاء وبشكل تطوعي ومجاني، لأنني لاجنسية أيضا، وأشعر بمدى القسوة والصعوبة التي يعشن بها هؤلاء النسوة، ومؤمنة بأن لا أحد يشعر بهن، لذلك أقدم قصارى جهدي لإنقاذهن مما يتعرضن له من سوء فهم ومعاملة”.
وتضيف: “أنا متزوجة منذ عامين، وقد أجبرت على فعل ذلك، فلا الأب أو الأم أو الأخوة يتفهمون ما أشعر به، وأسئلة المجتمع الدائمة والقاسية بأنني قد تقدم السن بي ويجب عليّ الزواج، هو ما دفعني لقبول الزواج على مضض، وأعاني من تقرب زوجي لي، فأنا في أغلب الأحيان أتحجج بأنني مريضة، وطوال العامين أنا أتناول حبوب منع الحمل، وسأستمر على ذلك، حتى لا يصبح لدي طفل لا أستطيع التعاطي معه، فأنا لا أريد أن يظلم أحداً مثلما ظلمت أنا”.

اللاجنسية.. ليست مرضا

وعند سؤالنا عن هل هنالك أسباب عضوية أو صحية أو نفسية عند اللاجنسيين، أجابتنا الدكتورة بشرى العزاوي وهي أخصائية بالأمراض النسائية: “أغلب الناس لديهم خلط بين حالات البرود الجنسي الناتجة عن أسباب معينة، وبين ميول اللاجنسية الطبيعي، فحالات البرود الجنسي سببها اعراض مرضية ناتجة عن خلل هرموني أو عضوي، وبعضها بسبب تعاطي عقاقير معينة، وبعضها بسبب حالات إكتئاب أو صدمة نفسية تسبب للشخص نوع من عدم الرغبة بالجنس”. وتضيف: “في كتاب الدليل الإحصائي والتشخيصي للإضطرابات النفسية الذي طرحته الجمعية الأمريكية للطب النفسي، يستثني الباحثون الأفراد الذين يعرفون أنفسهم بـ(اللاجنسيين) من أي إضطراب عقلي أو نفسي أو هرموني، ويوضح الكتاب ايضا أن أي إجبار لهؤلاء في الإرتباط وممارسة الجنس قد يؤدي إلى أعراض خطيرة تصيب صحة الجسد وتزيد المشاكل النفسية، وهنا يتوضح لنا أن اللاجنسية ليست نوعا من فوبيا العلاقات والجنس والزواج”.

المجتمع والقانون.. العقدة الكبرى

ورغم تاكيد الأطباء في العالم لما أخبرتنا به الدكتورة بشرى، إلا أن نظرة المجتمع لللاجنسيين/ات ما زالت قاصرة، إذ تشير الباحثة النفسية والإجتماعية الدكتورة ندى العابدي بأن: “اللاجنسية لم تظهر حديثا وانما تسمت حديثا فهي موجودة منذ الازل، لكن اكتشافها كان في عام 1994 على يد فريق بحثي من المملكة المتحدة قاموا بجمع بيانات حول ديموغرافية اللاجنسية، وهي ليست خيارا شخصيا، فالشخص اللاجنسي يولد هكذا ولا يختار أن يكون على هذا النحو”، وتضيف الدكتورة العابدي: “هم ببساطة أشخاص سليمين من الناحية النفسية، إلا أن ليس لديهم أي نزعة أو انجذاب جنسي لأي جنس، وأن اللاجنسيين يعتمدون في أساس علاقتهم وحياتهم بشكل عام على العاطفة والمحبة، لذا فإن لديهم احتياجات عاطفية مثل أي شخص آخر، وفي المجتمع قد نجد اللاجنسيين في أي جنس أو جندر أو عمر أو عرق، فهم أناس طبيعيون تماماً مثلنا، لكن ببساطة هم لا يحتاجون الجنس في حياتهم، وإذا ما تم إجبارهم على الزواج والإنجاب فهي اللحظة التي تطلق رصاصة الرحمة عليهم، وتصبح الإضطرابات هي سلوكهم المعتاد، وبالتالي يكون تأثيرهم سلبي على البيئة والمجتمع”.

وعن الإجبار على الزواج تشير هناء أدورد، رئيسة جمعية الأمل العراقية المدافعة عن حقوق المرأة في العراق، إلى أننا “نحتاج في العراق إلى العديد من القوانين التي تحفظ الحقوق والكرامة والخصوصية أسوة بالدول الأخرى، ونحتاج الى تفعيل قانون عدم الإكراه على الزواج الذي للأسف غير معمول به وكذلك حماية اللاجنسيين وأي شخص يتأخر في الزواج من العنف والتنمر الاسري، فقانون الأحوال الشخصية العراقي الساري ينص على أنه لا يحق لأي من الأقارب أو الأغيار اكراه أي شخص ذكراً كان أم أنثى على الزواج دون رضاه ويعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلا”. وتضيف أدورد: “وبغض النظر عن التنمر المستمر للشخص الذي يرفض الزواج، إلا أننا نلاحظ أن بعض العوائل يصل تعاملها للضرب والتشكيك بالاخلاق إذا أستمرت الفتاة برفض الخاطبين، وهنا تصبح القوانين هي الحامي الأكبر للأنسانية بكل تنوعاتها”.

التعايش والقبول.. هو الحل

“المسألة ليست أن يحس بنا الآخرين، لكننا نريد منهم أن يتقبلونا فقط، ولا يجبرونا على الإرتباط، فاللاجنسي إنسان سليم نفسياً وعضويا” تتمنى آلاء.. أما هيلين فتقترح على المجتمع الشرقي عند معرفته بهوية اللاجنسي “ألا يحاولوا إصلاح الأمر”، أو “إقناعهم بأنهم مخطؤون/ات وأنها أزمة وستمر”، وتقول “لا ترغموه/ا على الزواج، فهنا أنتم تنهون حياته/ا، وسيكون العمر القادم سلبيا عليهم وعلى المجتمع ككل”.

 

نيسان 2022

اترك رد