هبه جبار الماجد
يناير 2023
استطاعت العديد من النساء على مر التاريخ أن يكون لهن دورا بارزا في مجتمعاتهن، من خلال تصديهن للعديد من المسؤوليات الحساسة والمهمة، وقد طُرِزَ الماضي والحاضر بأسماء الآلاف من المبدعات اللواتي حققن طموح الابداع والنجاح ليكون تأثيرهن أكثر شمولا، كما قيل قديما: “أن تُربى رجلاً، فأنتَ تُعلم رَجلا.. وأن تُعلمَ امرَأة، أنتَ تُعلم جيلاً كامِلا”. فالتواجد المميز والمكثف للمرأة في جميع مجالات الحياة صنع صورة ذات معنى عميق، فيُعد ولوّجَها الى مُعترك العمل بكل انواعه طموحا أخذ بالتنامي لدى شرائح نسائية عديدة تمتلك التنوير والثقافة، فإننا بحاجة كبيرة للإيمان بالتجدد الذي تتميز به المرأة، فضلا عن استثمار الطاقات الكبيرة الموجودة لديهن إلى أبعد حد؛ فنجد النساء قد مضّين قدماً في الركب الحضاري ليعتليَّن منصات النجاح ويثبتّن للعالم ما يمكن أن يقدموه لخدمة المجتمع، وتبيان أهميتهن وجدارتهن وبراعة قيادتهن لأي مهمة تناط بهن.
قيادة المحاربين
ولا يحمل الانسان، أي انسان رجلاً كان أم امرأة، صفة (القيادة) من لا شيء، فلابد من أن تتوافر به مجموعة من الصفات والمميزات التي تجعله مختلفا عن الآخرين في إمكاناته العلمية وتكوينه العقلي وقدراته الإبداعية والفكرية. وهذا ما تتميز به (بان القبطان) المرأة البغدادية، التي تشغل منصب مدير عام الأفراد في وزارة الدفاع العراقية، والتي أصبحت أول مدير عام امرأة في تاريخ الوزارة، والتي يشهد لها الجميع بالمهنية العالية والحنكة الإدارية والنجاح بالعمل بروح الفريق الواحد لمواجهة تحديات العمل ومعضلاته التي سخرت اسلوبها الإيجابي لحلحلته بطرق غاية بالذكاء لم يسبقها به أحد.
وتشير (القبطان) إلى أنها تتعامل بشكل مباشر مع المحاربين من الجيش العراقي، وتدير شؤونهم والموظفين المدنيين في الوزارة، وتؤكد أن أهم ما تعمل عليه هو وصول هذه المديرية إلى أعلى درجات الشفافية والنزاهة والسرعة في انجاز المعاملات واستحصال الحقوق القانونية لمنتسبي وزارة الدفاع.
ولتميز (القبطان) وجه ثانٍ، فهي تشغل منصب عضو مجلس نقابة الصحفيين العراقيين، بعد فوزها ولدورة ثانية في الانتخابات النقابية الأخيرة، وتعمل كمسؤولة لشؤون الصحفيات التي تركز في مهمتها هذه على رعاية وحماية المرأة العاملة في الصحافة والإعلام بجميع المؤسسات الرسمية والخاصة، من خلال دعمهن ورفع الغبن والحيف عنهن، ومنع الدخيلات من غير المتخصصات والارتقاء بالعمل عن طريق إبراز الكوادر النسوية الرصينة، فضلا عن مطالباتها وتوصياتها الدائمة والعملية بتشريع القوانين الناجعة لحماية المرأة الصحفية من جميع أشكال التهميش والعنف.
(بان القبطان) التي تردد مقولة: “كانت المرأة بالأمس عمياء تسير في نور النهار، فأصبحت مبصرة تسير في ظلمة الليل“، تعمل جاهدة لإثبات أن المرأة العراقية ناجحة في القيادة رغم ما تواجهه في الميدان كونها امرأة.
أما الدكتورة (تالا خليل) فهي تقدم وجها آخرا لقيادة المحاربين، فهذه الصيدلانية التي تعلمت في دراستها ما تحتاجه لخلط الأدوية وإنتاج المفيد منها لخدمة البشر، تعلمت من الحياة صناعة ادوية من نوع آخر، أدوية الروح، والتي هي ربما لا تقل أهمية عن الأدوية التقليدية، فسخرت (تالا) كل ما تملك من جهد ووقت ومال لإيجاد أدوية جديدة لأرواح من أسمتهم (المحاربين)، ذوي الهمم الطيبة وأصحاب القدرات والأرواح الخاصة، لتجد في عزهم ونجاحهم وسعادتهم عزا ونجاحا وسعادة لها من خلال تأسيس (اكاديمية المحاربين) في البصرة، التي تعد أول مؤسسة مجانية لرعاية ومساعدة ذوي الهمم والاحتياجات الخاصة.
تشير (تالا) إلى أن فكرة المشروع جاءت بعد ان تعرضت لصدمة في مقر عملها في مستشفى متخصصة للأطفال محاربي السرطان، بعد طلب إحدى الأمهات بأن تقنع أبنها الذي يتعالج في المستشفى أن يتناول طعامه وعلاجه، وبعد محاولات عديدة ومن دون استجابة، أبلغتني الأم أن طفلها فاقد لحاسة السمع، تكمل (تالا) بأنها عندما عادت إلى منزلها لم تترك التفكير بهذا الطفل، وتنامت لديها تساؤلات عديدة، ما الذي يحلم به هذا الطفل؟ وما الذي يخيفه؟ كيف يخبرنا أنه يتأذى من جرعة العلاج الكيمياوي؟.. إلخ، هذه التساؤلات كانت الحافز لها عام 2018 بأن تنشأ مؤسسة متخصصة تعنى بذوي الهمم والاحتياجات الخاصة، إيمانا منها بحقهم في الحياة.
تؤكد (تالا) أن المهمة لم تكن سهلة، فصعوبة البحث عن هؤلاء الأطفال، وصعوبة التعامل معهم من قبلي وقبل فريقي المساعد، إلا أن شعوري بمسؤولية أن أكون سببا في مساعدته ووقوفه امام المرآة ليبدأ بحب شكله وذاته هي كانت الحافز الأكبر لدي، فهؤلاء الأطفال ليس ذنبهم انهم ولدوا بشكل مختلف، فمنهم من لا يسمع ولا يتكلم، ومنهم على كرسي متحرك، لكن ذنبنا نحن الذين لم نوفر لهم كل احتياجاتهم في جميع مرافق الحياة العامة، ولم نعلم أطفالنا أنهم لا يختلفون عنا بشيء حتى يتم التنمر عليهم أو الخشية منهم.
المحاربون اليوم تعلموا اللغة الإنكليزية والكيمياء والرياضيات وتفوقوا بها، ومنهم من اصبح رساما وموسيقيا بارعا، هكذا تضيف (تالا)، رغم أن أغلب الناس في بداية مشروعي قالت لي أنكِ مجنونة، إلا أنني استطعت بعد ثلاثة سنوات أن أدعو هؤلاء الناس لرؤية ابطالي المحاربين ونتاجاتهم المذهلة؛ بل أنني استطعت إخراجهم لأن يراهم العالم أجمع بعد مرافقتهم للاعبي المنتخبين العراقي والعماني في نهائي كاس الخليج الأخير، وتصفيق آلاف الجماهير لهم، وشاهد الجميع جمالهم وحيويتهم وانضباطهم، فضلا عن دموعهم التي انسكبت عند سماعهم للنشيد الوطني، لتصل رسالة أن هؤلاء الأبطال لا يختلفون عنا بشيء أبدا.
قلوب الإبداع الرحيمة
إن وجـود المرأة في الحيـاة يمنحها لونا وطعمـا تسهم في زيادة رونقهـا وبهجتهـا، وتذليل مصاعبها والتخفيف من آلامها، فالنساء شريك للرجال في تقديم المنفعة للمجتمع وإعمار هذه الأرض، لما تمتلكه من مقوّمات استثنائية تميزها عن الآخرين، ولأجل ذلك صاغ الكُتّاب عنها أجمل التعابير، وتغنى بها أمراء الشعر، ورسم الفنانون في جمالها أروع اللوحات.
ولما تمتلكه المرأة من حب وعاطفة ورحمة لجميع الكائنات، تألقت الطبيبة البيطرية الدكتورة (إسراء الفرهاد) بجميع هذه الصفات الدالة على الذات الإنسانية الحقيقية، إذ قامت بعد تخرجها بإنشاء وإدارةعيادة بيطرية لعلاج الحيوانات بكل أنواعها، فضلا عن تخصيص مكان لإيواء الحيوانات المشردة إلى أن يتم تبنيها. وتؤكد (الفرهاد) أن هذا المشروع هو الأول من نوعه في محافظة النجف الشرف، ورغم ما تعرضت له من مضايقات وسخرية تجاه عملي، إلا أنني قاومت وكنت أوضح للناس بأن الحيوانات تشبهنا كثيرا في كل شيء، وفضلا عما تفرضه آدميتنا للتعاطي معها، فإن جميع الأديان السماوية أوصت بالتعامل بالرفق مع هذه الكائنات.
وتوضح (الفرهاد) سبب دراستها للطب، بأنها في عمر الثمان سنوات كان اخيها مصابا بمرض نادر أفقدهالنطق إلى أن توفى بسببه، ومن حينها قطعت وعدا له بأنها عندما تكبر ستكون طبيبة، لتعالج جميع من يصاب بمثل هذا المرض الذي لا يسمح له بالنطق والتعبير عمايشعر به من ألم، وهذا ما دعاها لدراسة الطب البيطري لمعالجة الحيوانات التي ينطبق عليها هذا الأمر، فهي أرواح تشبهننا وكائنات جميلة وضعيفة تتألم وتحس إلا أنها لا تستطيع أن تقول لنا ما الذي يؤلمها.
وإكمالا لمشاعر الحب والعاطفة والرحمة التي تمتاز بها المرأة، تنبري (آلاء الطاهر) لرعاية الانسان، واي انسان، فهي تعد من أبرز الناشطات في مساعدة الايتام وأبناء الشهداء المتعففين، وما اسماها من رسالة لا تقدر على حملها إلا من تكون ممتلئة بالخير والعطاء والإيثار والشعور بالآخر.
تتبنى (الطاهر) الأيتام بشكل يختلف عن جميع المشاريع والمؤسسات التقليدية، فهي تشتغل على الجانب الثقافي والإعلامي، والذي تعد متفردة ورائدة فيه، من خلال تطوير مهاراتهم واكسابهم خبرات، فضلا عن إيجاد حلول لمشكلات اليتيم الاجتماعية، من خلال تأسيس مشروعها (مركز ثقافة وإعلام اليتيم) الذي استطاعت من خلاله – وفي فترة قياسية – أن تمنح هؤلاء المحرومين معارفا تمكنهم من بناء ثقة استثنائية بالنفس، ومن ثم يكون لهم وجودا مهما ومؤثرا داخل المجتمع.
و(الطاهر) الملهمة والمؤثرة لدى النساء في كربلاء، لما تمتلك من مهارات قيادية كونها مدربة دولية معتمدة وبارعة في التنمية البشرية والإعلام وتمكين المرأة إبداعيا، لها تاريخ فني وثقافي وصحفي غاية بالروعة؛ فهي كاتبة لسيناريوهات سينمائية ومؤلفة ومخرجة مسرحية، وتعد أول من أدخل المسرح النسوي لمهرجان ربيع الشهادة العالمي الذي يقام في محافظة كربلاء المقدسة، فضلا عن عملها الصحفي والإعلامي، محررة ومعدة ومقدمة في العديد من المؤسسات المرئية والمسموعة والمقروءة، كذلك تميزها الكبير بالأدب من خلال كتابتها للقصة القصيرة، التي حصلت مؤلفاتها القصصية على جوائز مهمة ومنحها عضوية المنتدى العربي لكتّاب القصة القصيرة جدا. وتعد (الطاهر) الرائدة في مدينتها بهذا التخصص الأدبي، ما دعاها لاستثمار هذا الأمر وتقديم الدورات لتعليم كتابة القصة القصيرة وآلياتها.
وتؤكد (الطاهر) رسالتها التي تطمح ان تضعها المرأة نصب عينها دائما، بأن تستمر بالنضال في سبيل كل ما تؤمن به، وتكون جريئة للاستمرار بالحلم، والأهم في كل ذلك ألا تتخلى أبدا عن الأمل.
المرأة الحديدية
النساء في مجتمعاتنا الشرقية تعمل دائما على إثبات نفسها من خلال تقديم جهود مضاعفة، وذلك لتمثيل المرأة بأفضل صورة، خاصة وأن هذا المجتمع لا يمنح المرأة الفرصة الكافية للتثقيف واكتساب الوعي، إلا أنها استطاعت بقدراتها الخلاقة والاستثنائية كسر العقلية القائمة على مبدا إلغاء كينونتها، وجعل الجميع يؤمن بأنها لا تقل درجة عن الرجل، بل تتفوق عليه في كثير من الأحيان من حيث الإمكانات والقدرات العقلية والإنسانية والإبداعية، فكما يقال: “المرأة تدرك في دقيقة،ما لا يدركه الرجل في حياته كلها“، بل وحتى القدرات الجسدية التي تؤهلها لتكون قائدة متفوقة بين صفوف الرجال.
هذا ما دأبت عليه (هناء كريم) والتي يطلق عليها زملائها لقب (المرأة الحديدية)، التي تعمل في تصليح وصيانة المكائن الثقيلة والمضخات منذ 40 عاما، إذ بدأت في هذه الحرفة منذ أن كان عمرها 13 ربيعا، إلى أن أصبحت مسؤولة عن المحطة التي يعمل فيها العشرات من الرجال الذين يؤمنون بقدراتها وكفاءتها العالية، ولم تلمس أي مشاكل أو معوقات من أي أحد طيلة سنوات خدمتها، ورغم أن هذه المهنة شاقة للغاية إلا أن (هناء) تجد في تأدية واجبها متعة كبيرة كونها تضمن توفير مياه الشرب لملايين العراقيين، وتعدها خدمة للفقير والمريض والمعوق والمتضرر والايتام وغيرهم من فئاتوشرائح المجتمع كافة.
وتشير (هناء) إلى أن القوة الجسمانية التي تملكها، فضلا عن الخبرة التي اكتسبتها طول خدمتها، جعلتها متميزة عن الجميع، فأي عطل أو خلل – مهما كان تعقيده – فإنها تستطيع إصلاحه وبفترة قياسية جدا وبمهارة تضاهي الشركات المتخصصة.
تلك هي حواء، نون نسوة مبدعة وخلاقة، وتاء تأنيث صامدة، تتميز بكل المجالات، وتضفي الحب والعاطفة والسعادة أينما تكون، ففضلا عن جهودها الكبيرة التي تقدمها للمجتمع، فهي (الأم) التي تهيئ اطفالها للحياة وتسهر من أجل راحتهم وسعادتهم، وهي (الزوجة) التي توفر عشاً مليئا بالضوء لزوجها وتعينه من أجل بناء مستقبل أفضل، وهي (الأخت) التي تنشر الحب والألفة داخل الأسرة وهي (الأبنة) التي تشيع في منازلنا الحب والطاعة والحنان. تلك هي حواء، واحة جميلة تزدهر حولها الحياة ليستمر الكون، ولتبقى ذات قدرة ودور كبير في بناء نفسها والمجتمع، ومساهمتها الفاعلة في بناء أجيال عظيمة.
(أنجزت المادة بدعم وتمويل من التعاون الألماني mict)