التيار الصدري في البرزخ السياسي وآثاره تعقيد المشهد الحاكم

0 235

 

فرهاد علاء الدين

أعلن زعيم التيار الصدري في كلمة متلفزة يوم 15 تموز 2021 انسحابه من الانتخابات بقوله “نعلمكم بأنني لن أشترك في هذه الانتخابات” مشيراً إلى حل عمل الهيئة السياسية والذي سيغيب دورها القيادي وتحكمها بالقرار لأكبر كتلة سياسية. كانت الهيئة السياسية مسؤولة بشكل مباشر عن توجيه المسؤولين الصدريين في الحكومة وإدارة الشؤون اليومية للكتلة النيابية الصدرية في مجلس النواب وإعطاء التوجيهات بالحضور أو المقاطعة والتصويت على القرارات والتشريعات البرلمانية. قرار الصدر يعني كذلك تعطيل الماكنة الانتخابية للتيار وتوقف عجلة النشاط الانتخابي الصدري بالكامل. كما أن غياب الكتلة الصدرية في البرلمان يعني شلل مجلس النواب فمن الصعب تحقيق النصاب لأي جلسة أو قرار من دون وجود نواب التيار الصدري.

توالت الدعوات السياسية من قادة وزعماء الكتل والأحزاب مناشدين الصدر العدول عن قراره في الانسحاب، ويعتقد المراقبون بأن غياب التيار الصدري عن المشهد الانتخابي سوف يعقد المشهد السياسي أكثر ويضع العملية السياسية أمام خيارات صعبة منها المضي بالانتخابات من دونهم وازدياد احتمال عودة الجماهير الصدرية للشارع كمعارضة للعملية السياسية برمتها.

أهمية التيار الصدري في العملية السياسية

من الواضح أن التيار الصدري لديه حضور قوي في الساحة السياسية والجماهيرية، حيث يمتلك كتلة متماسكة ومنضبطة هي الأكبر في مجلس النواب، بالإضافة إلى قاعدة جماهيرية واسعة ومؤثرة على الشارع.

عدم مشاركة التيار في العملية الانتخابية معناه فقدان كتلة كبيرة وحليف أكبر للكتل السياسية الأخرى فأكثرية القوى السياسية تعول بشكل مباشر على التحالف مع الصدر للتصدي للمنافسين السياسيين وتشكيل تحالف كبير يضمن تشكيل الحكومة، خاصة وأن التيار الصدري لم يكن طامحاً برئاسة الوزراء في الماضي مما جعله موضع اهتمام وانجذاب القوى الأخرى للتحالف معه بدافع اغتنام فرصة الظفر بمواقع رئاسية أمام زهد التيار ازاء تلك المواقع.

لقد كانت بصمات التيار الصدري واضحة ومؤثرة في تشكيل الحكومات الأربع الماضية، وكانت أولاها في حسم انتخاب نوري المالكي لدورة ثانية، أعقبها اختيار حيدر العبادي كبديل له عقب انتخابات 2014، ومن بعدها تحالفه الثنائي مع كتلة الفتح لتكليف عادل عبدالمهدي في تشكيل حكومته عام 2018، في حين وقف التيار وراء تنصيب مصطفى الكاظمي كرئيس لمجلس الوزراء في أيار 2020. لذلك فمن المؤكد أن الميزان السياسي الشيعي سيختل بغياب التيار في تشكيل أي حكومة قادمة.

التصعيد المضاد للتيار الصدر

أطلق مقتدى الصدر تصريحه الشهير في 22 تشرين الثاني 2020 عندما قال “إن بقيت وبقيت الحياة.. سأتابع الأحداث عن كثب وبدقة، فإن وجدت أن الانتخابات ستسفر عن أغلبية (صدرية) في مجلس النواب وأنهم سيحصلون على رئاسة الوزراء وبالتالي سأتمكن بمعونتهم وكما تعاهدنا سوية من إكمال مشروع الإصلاح من الداخل، سأقرر خوضكم للانتخابات”، وتلاه تصريح المتحدث باسمه صلاح العبيدي في 29 كانون الأول 2020 بأن “هناك نية وطموح للحصول على 100 مقعد في الانتخابات المقبلة لمسك زمام الأمور”.

بعد هذين التصريحين، أصبح التيار الصدري هدفاً واضحاً لبعض للمنافسين والذين أخذوا هذه التصريحات على محمل الجد وكثفوا من نيران إعلامهم الخفي والمعلن ضد التيار، حتى بلغت الهجمة استهداف رموز التيار وفي مقدمتهم زعيم التيار وقيادات الخط الأول والوزارات الصدرية في الحكومة مثل وزارتي الصحة والكهرباء والبنك المركزي.

بالرغم من محاولة التيار الصدري النأي بنفسه عن هذه المؤسسات والادعاء بأنه ليس معنياً بتعيين الوزراء، إلا أن الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي وبالأخص تويتر وفيسبوك كانت شديدة وقاسية، واشتدت الحملة بشكل شخصي على مقتدى الصدر بعد فاجعة الحريق الدامي في مستشفى الحسين بالناصرية ليلة الاثنين 13 تموز 2021 والذي أودى بحياة اكثر من 92 مدنياً، وهذا الحريق جاء بعد حريق مماثل في مستشفى ابن الخطيب في بغداد في 27 نيسان 2021 وراح ضحيته 82 مدنياً. حمل الكثيرون التيار الصدري وزعيمه مسؤولية ما آلت إليه أوضاع القطاع الصحي من تدهور وسوء خدمات، برغم أن الصدر من جانبه ألقى باللائمة على الفساد المستشري في مؤسسات الدولة وغياب الإصلاح.

مع اقتراب الصيف اللاهب ودرجات الحرارة العالية، تعرضت أبراج نقل الضغط العالي التابعة لوزارة الكهرباء إلى تدمير ممنهج، إذ تم تفجير قرابة 135 برجاً خلال أسبوع مما أدى إلى انهيار الشبكة الكهربائية وحرمان الكثير من مدن وسط وجنوب العراق من الكهرباء في ظل موجة حر لاهبة مما زاد من معاناة المدنيين والذين بدورهم صبوا جام غضبهم على التيار الصدري والوزارة بوصفها تابعة للتيار مما دفع وزير الكهرباء لتقديم استقالته.

اعتبر التيار الصدري هذه الحملات سياسية ومدبرة وبرغم تصدي قيادات التيار في الدفاع والنأي به عن مسؤولية ما جرى إلا أنها لم تفلح بالوقوف أمام المد الهائل من الموجات الإعلامية، وخصوصاً وأن التيار الصدري يعتبر الأضعف في ميدان الإعلام الحزبي مقارنة ببقية الأحزاب، إذ لا يمتلكون قنوات ومواقع إعلامية بارزة ومؤثرة، ونشاطهم الإعلامي يتركز بحسابات زعيم التيار والمقربين منه مثل صفحة محمد صالح العراقي في الفيسبوك وتويتر وكذلك الحال مع ممثليه من أعضاء مجلس النواب والهيئة السياسية والذين لا يمتلكون وسائل دفاع وإيصال وجهة نظر التيار بين نخب ومجاميع الواتساب الفعالة مثل المركز الخبري والرأي عراقي وغيرهما.

رجل في الحكومة وأخرى في المعارضة

تعود التيار على اللعب في ساحتي الحكومة والمعارضة في آن واحد، إذ كانوا يشاركون في تشكيل الحكومة ويستلمون المناصب لمدة عام أو عامين، لينقلبوا عليها ويسحبوا الوزراء ويعلنوا المعارضة، كما حصل في حكومة المالكي الأولى بعد عام من تشكيلها في عام 2006، إذ انسحب وزراء التيار في عام 2007 وكذلك في حكومة المالكي الثانية في 2010 انسحب وزراء التيار في عام 2013. ولعب التيار دوراً أساسياً في إنهاء حكومة المالكي وتنصيب حيدر العبادي كرئيس للوزراء في 2014 لكنه انسحب معلناً معارضته التي بلغت حد تطويق ومحاصرة واقتحام المنطقة الخضراء ومقر مجلس النواب في عام 2016.

قاد التيار تشكيل حكومة عادل عبدالمهدي في 2018 وحجز أربع وزارات رئيسية في الحكومة واشترط على رئيس مجلس الوزراء اختيار وزراء تكنوقراط وعين قيادي صدري كأمين عام للأمانة العامة لمجلس الوزراء ووكالة بعض الوزارات، ومع ذلك نزل التيار في أكتوبر 2019 وشارك في التظاهرات ضد الحكومة في حينها وساهم بشكل فعال في دفعها لتقديم استقالتها.

كما قاد التيار الحملة في تشكيل الحكومة الجديدة وكان له دور كبير في تنصيب مصطفى الكاظمي على رأس الحكومة الحالية مع نفس الاشتراط بالحصول على أربع وزارات هي الصحة والكهرباء والمالية والموارد المائية. وقال زعيم التيار الصدري في بيانه يوم 15 تموز “أعلن سحب يدي من كل المنتمين لهذه الحكومة الحالية واللاحقة وإن كانوا يدعون الانتماء إلينا آل الصدر”.

جدير بالذكر بان التيار لم يعلن معارضته للحكومة الحالية بعد وإنما أعلن سحب يده منها.

انسحاب التيار وتأجيل الانتخابات

لعل السؤال الأكثر رواجاً الآن داخل أروقة السياسة العراقية يتمثل بمدى إمكانية اجراء الانتخابات من عدمه، وهذا السؤال ينسحب إلى كل القيادات والزعماء السياسيين والدبلوماسيين والمهتمين بالشأن العراقي، مما يثير شكوك ومخاوف الكثير من المراقبين حول إمكانية اجراء الانتخابات في تشرين أول القادم خاصة بعد اعلان مقتدى الصدر انسحابه من المشاركة.

إن عدم مشاركة التيار الصدري يعني فقدان أصوات شريحة مهمة داخل البيت الشيعي وجمهور انتخابي واسع يناهز المليون ناخب، مضافاً إليه جمهور التيار المدني وقوى تشرين الشبابية فضلاً على الحزب الشيوعي العراقي الذي أعلن أمس عدم مشاركته وكذلك عزوف واضح لعموم الناخبين ممن يشعرون باليأس من إمكانية أي تحول أو تغيير عبر الانتخابات، سيضع العراق أمام انتخابات فاقدة للشرعية الجماهيرية بسبب قلة نسبة مشاركة الناخبين وسط هذا العزوف الكبير، مما يعني أن أي حكومة منبثقة عبر هذه الانتخابات لن تمثل الأغلبية العظمى من الشعب.

رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أبلغ الكتل الشيعية في اجتماع هذا الأسبوع بأنه لا انتخابات من دون مشاركة التيار الصدري، وهذا الرأي قد لا يكون مقبولاً من قبل بعض الأحزاب، إلا أنه هو الرأي الأرجح حيث أن غياب التيار الصدري يحدث خللاً كبيراً وفراغاً أكبر في الساحة السياسية الشيعية إذ هيمن التيار الصدري على القرار الشيعي منذ 2010 وازدادت هذه الهيمنة مع كل انتخابات، حيث ازدادت اعداد مقاعدهم من 32 إلى ٤٤ ومن ثم إلى 54 إلى جانب تزايد تأثيرهم السياسي تباعاً.

الصدر في بيانه المذكور تمنى “لهذه الانتخابات النجاح ووصول كل الصالحين وأنْ تبعد الفاسدين” وهذا يعني بأنه مع اجراء الانتخابات ولهذا السبب يتمنى لها النجاح، ويرى مراقبون بان تعيين كل من رئيس الهيئة السياسية نصار الربيعي ونائبه محمد الموصلي كمستشارين لديه يعني بأنه سيكون هناك استمرارية لعمل الهيئة بشكل غير مباشر. وفي نفس الوقت، لم يطلب التيار ولا المرشحين عن التيار من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الانسحاب، وهذا يعني بان القرار النهائي لانسحاب التيار الصدري لم يصدر بعد.

مراقبون يعتقدون بان التيار الصدري لن يتمكن من خوض الانتخابات من دون إشارة دعم واضحة من زعيمه مقتدى الصدر الذي اعلن الانسحاب برغم اقتراب موعد الانتخابات. والذي يمتلك دون غيره قرار المشاركة من عدمها، ولعل الطريق لحسم الامر هو بدء حملة تطهير من قبل زعيم التيار تطال مفاصل الفساد المتهم به التيار من قبل المنافسين السياسيين ومحاسبة من يستغل اسم التيار لمصالحه الشخصية، ومثل هذه الحملة قد تكون رداً مناسباً على الاتهامات التي طالت التيار الصدري وباباً مرضياً من أبواب عودة التيار إلى المشهد السياسي.

إن المصلحة العليا للبلد تتطلب من التيار الصدري وزعيمه مراجعة موضوعية ومسؤولة لقرار ستكون له آثاره الواضحة، كون العراق أمام مشهد سياسي معقد للغاية والتحديات التي تحدق به لا يستهان بها، وان أي شلل يطال الدور التشريعي داخل البرلمان سيضيف أزمة جديدة لأزمات السلطات الحاكمة. وكذلك الحال سينسحب إلى صعوبة تشكيل حكومة تمثل كامل الطيف العراقي

اترك رد