ذكرى استشهاد الصدر دمعة في مقلة التاريخ

14

ذكرى استشهاد الصدر
دمعة في مقلة التاريخ

صباح زنكتة
في زوايا الذاكرة العراقية، هناك ألم لا يخبو، وجراح لا تندمل مهما مرّت عليها السنون، وبين تلك الجراح النازفة يقف مشهد استشهاد المفكر الإسلامي الكبير السيد محمد باقر الصدر كعلامة فارقة في مسيرة العراق وكأن هذا الوطن قد كتب عليه أن يفقد أنواره على مذابح الاستبداد.

ما أشد الألم حين يكون الفكر الطاهر ضحية السيف الغادر، حين يسقط المفكر الحر تحت نير طغمة الطغيان لا لذنب اقترفه فقط لأنه حمل مشعل الوعي في زمن الظلام الدامس .

لقد كان السيد الصدر أكثر من مجرّد عالم دين فقد كان مشروع نهضة، وروح أمة ترفض الخنوع والخضوع رغم بطش الجبابرة، وقد حمل همّ الإنسان المقهور على كتفيه، وصاغ بآلام قلبه نبض المستضعفين الذين طحنهم استبداد الطغمة البعثية الحاكمة آنذاك.
كم هو قاسٍ ذلك المشهد حين يعلو صوت الجلاد فوق صوت العقل، وحين تصير الكلمات الطاهرة سببًا في اقتلاع حياة صاحبها حين ىفع الجهل رفع بندقية الصيد ليقتنص حمامات السلام ويفجر الرؤوس المعبأ بالعلم .

زُجَّ في غياهب السجون المظلمة، ومورس عليه شتى صنوف التعذيب النفسي والجسدي والألفاظ القاسية الجارحة، في محاولة يائسة لإخماد صوته وكسر إرادته لكنهم جهلهم الذي سيطر على عقولهم منعهم من أن يدركوا ان العظماء لا يُكسرون حتى ولو كانت أجسادهم تهوى تحت سياط الطغيان وتتمزق تحت انياب وحشية فتاكة.

لقد وقف في وجه آلة القمع البعثية لا مرتجفًا ولا متخاذلًا ولا خائفا ولا وجلا ، بل صامدًا صلدا صلْبًا كالجبل العظيم والطود الشامخ ، متحديًا غطرسة السلطة التي كانت تخشى من صوته أكثر مما تخشى من جيوش مدججة بأحدث الاسلحة .

لقد حمل الصدر على كاهله آمال الملايين من أبناء شعبه الذين كانوا يتطلعون إلى فجر الحرية والانعتاق من قبضة الطغاة وربقة السجان.

رأى في الظلم الذي يطبق على صدور الناس نارًا لا تطفئها إلا كلمة الحق، وكان مستعدًا لأن يدفع حياته ثمنًا لتلك الكلمة.

عندما امتدت أيادي البطش لتغتال جسده الطاهر، كان ذلك الإعلان الأكثر فظاعة عن إفلاس السلطة آنذاك، خنقوا صوته، ولم يخمدوا رسالته، بل صار استشهاده وقودًا لثورة الوعي، ونقطة تحول في مسار مقاومة الاستبداد.

رحل السيد محمد باقر الصدر جسدًا، لكنه بقي في وجدان الأمة رمزًا خالدًا للتضحية والإباء. وبقيت ذكراه شاهدة على بشاعة تلك المرحلة الدامية من تاريخ العراق، وعلى ظلم نظام لم يعرف للإنسانية طريقًا. سيظل صوته يصدح في ضمير الزمن، مذكّرًا الأجيال بأن هناك من دفع أغلى الأثمان ليحيا الوطن حرًا كريمًا.

التعليقات مغلقة ، لكن٪ strackbacks٪ s و pingbacks مفتوحة.