محمد عبد الجبار الشبوط
يمارس انصار المحاصصة والناطقون باسم “المكونات” خديعة بحق الناس حين يتحدثون عن “الدولة”. وجوهر الخديعة ان مشروع المكون يتناقض جوهريا مع مشروع الدولة. الدولة تتالف من شعب وارض وحكومة ذات سيادة. ومشروع المكون يلغي العنصر الاول، اي الشعب، ويستبدله بالمكون. يمكن ان نقول ان المكون ينشيء كيانا او سلطة، لكنه لا ينشيء دولة. فالدولة تحتاج الى شعب مؤلف من مواطنين، فيما يغيب مفهوم الشعب ومفهوم المواطن عن مشروع “دولة” المكون. المكون لا يتعامل مع المواطن، انما يتجاوزه، و يلغيه، ويسحق فكرة المواطنة. لا توجد دولة اذا لم يوجد مواطن، والمواطن غائب مغيب مسحوق في سلطة المكون و “دولة” المكونات.
لم يبن نظام البعث بقيادة صدام حسين دولة، انما بنى سلطة ساحقة مخيفة مرعبة قمعية فرض من خلالها هيمنته على اجهزة السلطة والمجتمع. فلما سقط، سقطت معه الاجهزة وتبخرت، لتاتي الاحزاب الموصوفة باسماء مكوناتها الى السلطة. وكما كشف محمود المشهداني ما كنا نعرفه مسبقا انشغلت هذه الاحزاب بتقاسم السلطة على اساس مكوناتي في المستوى الاول، ثم انشغل اصحاب كل مكون بتقاسم السلطة فيما بينهم على اساس حزبي، في المستوى الثاني. وهكذا اقيمت سلطات طائفية او عرقية على النمط اللبناني باسلوب المحاصصة. وعبثا اطلق متحدثو الاحزاب المكوناتية دعوات بالغاء المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية، لانهم ما يلبثون ان ينسوا هذه الدعوات حين نصل الى مرحلة تقاسم الوزارات. وهكذا بقي البلد يئن من وطأة المحاصصة التي كانت السبب في الفساد وسوء الاداء. وحتى دعوات حكومة الاغلبية وما يقابلها اي المعارضة البرلمانية سرعان ما تتلاشى وتصبح رمادا تذروه الرياح.
“دولة” المكونات لا تنسجم مع ديمقراطية الاغلبية، حيث يتالف الحكم من حكومة اغلبية سياسية ومعارضة برلمانية، فتلجأ المكونات الى التوافقية وحكومة المحاصصة التي يشترك فيها الكل. ونتيجة ذلك حكومة اقل تماسكا واقل قدرة على الانتاج و الفعل والقرار. وحين تغيب المعارضة تغيب معها المحاسبة والمسؤولية والمراقبة.
كتب رئيس الوزراء العراقي الجديد عادل عبد المهدي في منهاج حكومته ان هدفه هو “استكمال بناء الدولة الاتحادية الواحدة ونظامها الجمهوري النيابي الديمقراطي”. ولكن يبقى هذا الهدف معلقا في الهواء ما دام نظام العملية السياسية يسير وفق مؤشرات المحاصصة والاستحقاق الانتخابي. المنهاج لا يقولها صريحة انه سيعمل على مغادرة نظام المحاصصة. لا يقول المنهاج انه يعمل من اجل الخروج من “دولة” المكونات الى دولة المواطن الامر الذي يجعل عبارة استكمال بناء الدولة عبارة فارغة جوفاء من اي مفهوم سياسي. وكما قلنا لا يمكن الحديث عن استكمال بناء دولة دون الاقرار بمكونها الاول وهو الشعب، ودون العودة الى المواطنين. وبالتالي فان شعار استكمال بناء الدولة يبقى فارغا من اي مضمون اذا لم يسنده القول بالعودة الى مبدا المواطنة بوصفه اساس بناء الدولة، والتخلي عن مفهوم المكون في بناء السلطة.
وتكتسب الدعوة الى بناء الدولة مصداقيتها اذا حددت مكان الاقلاع صوب الدولة. والمكان المقصود هو المدرسة. ففي الصف الاول ابتدائي تولد الدولة وتزرع بذراتها الاولى. وهذا يتطلب الاهتمام البالغ بالمنظومة التربوية وهذا ما لم نلحظه من حكومات المكونات السابقة والحالية في منهاجها المعلن. ويتطلب هذا ان تعلن الحكومة عن منهاج تربوي كامل يستوعب كامل الفترة التي يقضيها الطفل في المدرسة، اي ١٢ سنة، ويهدف الى تنشئة المواطن الصالح الفعال الحضاري الذي يتفهم روح العصر ويتمتع بالمهارات التي يتطلبها المستوى الحضاري العالمي الراهن.