بمناسبة عيد الصحافة العراقية عيد الصحافة العراقية والذكاء الأصطناعي الإعلامي

0 114

بقلم
د. محمد عبد الهادي النويني
النجف الأشرف
١٥ حزيران ٢٠٢٣ م

اعتاد الصحفيون العراقيون الاحتفال بيوم الصحافة العراقية في الخامس عشر من حزيران من كل عام باعتبار ان هذا التأريخ هو ولادة اقدم جريدة عراقية وهي / الزوراء/ صدرت في مثل هذا التاريخ من عام ١٨٦٩ م .
ولتسليط الضوء على نشأة وتكوين الصحافة العراقية لابد من الوقوف عند هذا التاريخ والبحث في حيثيات هذا الوليد وفي هذا الظرف الذي مر به العراق آنذاك حيث السيطرة العثمانية على البلاد واستشراء الامية بين أبنائه وحالة الفقر والحرمان الموغلة في اطناب المجتمع العراقي .
وتبدأ قصة الصحافة العراقية مع تعيين الوالي مدحت باشا على العراق حيث جلب معه مطبعة من باريس وصارت تطبع فيها الجريدة، ثم أسس بعدها مدرسة صناعية في بغداد، وكان من بين أهدافها سد حاجة المطبعة إلى العمال الفنيين والمرتبين وكان الهدف الأساسي للجريدة هو إعادة الثقة المفتقدة ما بين المواطن والسلطة. ويشكل ظهور هذه الجريدة علامة تحول بارزة وانعطافه للتحول إلى الحياة الحضارية والتقدم الذي كان يتسارع في العالم وخصوصا في أوروبا .
وتعتبر الزوراء مصدرا تاريخيا هاما لتقييم الأوضاع السياسية والأجتماعية السائدة في العراق خلال تلك المدة ،ونشرت الزوراء البيانات الخاصة ، وهي حاوية لكل نوع من الأخبار والحوادث الداخلية والخارجية ، وتصدر كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع.
وخلال آواخر القرن التاسع عشر صدرت جريدة الموصل في مدينة الموصل في ٢٥ حزيران عام ١٨٨٥ م وتوقفت أكثر من مرة وبشكل نهائي عام ١٩٣٤ م اما الجريدة الثالثة التي صدرت في العراق فكانت جريدة بصرة والتي صدرت في ولاية البصرة في ٣١ / ١٢ /١٨٨٩ م . وهي لسـان حال الحكومة العثمانية حتى إعلان الدستور العثماني في عام ١٩٠٨ م ، أتيحت الحرية التي منحها الأنقلاب الدستوري في اصدار المطبوعات إذ ظهر العديد من الصحف والمجلات في بغداد وبقية المحافظات .
وطوت فترة الإحتلال البريطاني للعراق عام ١٩١٤ م ، مرحلة التأسيس الأولى للصحافة العراقية التي أنشأتها السلطات العثمانية وحكمتها بقوانينها وأنظمتها ووسمتها بسماتها وأنشأت بدلها صحافة خضعت لتوجيه السياسة البريطانية ومصالحها في المنطقة.
وبعد تأسيس الدولة العراقية عام ١٩٢١ م ،أشتهرت المطالبة بتأسيس الأحزاب وإصدار الصحف التي أصبحت لسان حال تلك الأحزاب وإصدار صحف خاصة لشخصيات عراقية حتّى نهاية الحكم الملكي عام ١٩٥٨ م .
إن موضوع قيام جمعية أو نقابة للصحفيين قد أثير في وقت مبكر من تأريخ العراق الحديث المعاصر وتكررت إثارته عدة مرات قبل نشوب الحرب العالمية الثانية عام ١٩٣٩ م ،حيث عبرت كثير من الحكومات في النظام الملكي في تلك الفترة عن إهتمامها بمثل هذه الفكرة دون أن تضعها موضع التنفيذ ، وربما كانت تلك الحكومات تهدف من ورائها إثارته لمسألة نقابة الصحفيين فرض قيود رسمية على النشاط الصحفي .
وبعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥ م ، دبّ النشاط في صفوف السياسيين والصحفيين لتشكيل الأحزاب والجمعيات ،فنجح الصحفيون في تأسيس أول تنظيم نقابي لهم ، أسموه ( جمعية الصحافة العراقية )، روادها إثنان من قادة الأحزاب الوطنية هما ( كامل الجادرجي ) من الحزب الوطني الديمقراطي وأصبح رئيساً للجمعية ، و ( سلمان الصفواني ) من حزب الإستقلال وأصبح سكرتيراً عاماً لها . إلا أن هذه الجمعية لم يكتب لها النجاح وتعطل عملها عام ١٩٥٢ م .
لم تشهد السنوات المتبقية من عمر النظام الملكي في العراق أية محاولة أخرى لصالح التنظيم النقابي للصحفيين . وهكذا بقي الحال على ماهو عليه حتّى مابعد عام ١٩٥٨ م وتغير نظام الحكم في العراق ، حيث خطا العراق خطوات كبيرة نحو تشكيل الأتحادات والنقابات المهنية ونتيجة التطورات السياسية والأقتصادية والأجتماعية والثقافية والصحفية ، وفتح الباب على مصراعيها لتأسيس النقابات والجمعيات والمنظمات المهنية بشكل لم يشهد العراق مثيلاً في السابق .
وذكر فائق بطي في كتابه ( الموسوعة الصحفية ) ، أن ٤٥ صحفياً أجتمعوا في نادي المحامين في بغداد ، وتدارسوا مشروع تأسيس نقابة للصحفيين ، وأتفقوا على أختيار لجنة تأسيسية ضمت ١١ صحفياً لإعداد الترتيبات الأولية للمشروع والحصول على الموافقات الرسمية وهم :
٠١ محمد مهدي الجواهري، صاحب صحيفة (الرأي العام) .
٠٢ يوسف إسماعيل البستاني من صحيفة (اتحاد الشعب) .
٠٣ عبد الله عباس، صاحب صحيفة (الأهالي) .
٠٤عبد المجيد الونداوي، رئيس تحرير صحيفة (الأهالي) .
٠٥صالح سليمان من صحيفة (صوت الأحرار) .
٠٦فائق بطي، صاحب صحيفة (البلاد) .
٠٧ موسى جعفر أسد، من صحيفة (الثورة) .
٠٨حمزة عبد الله من صحيفة (خه بات) الكردية .
٠٩ وصالح الحيدري، من صحيفة (خه بات) أيضاً .
٠١٠ حميد رشيد، صحفي محترف ٠١١ عبد الكريم الصفار، صحفي محترف ايضا.

وفي عام 1959 تم تشكيل أول نقابة للصحفيين بشكل رسمي تولى مهامها الشاعر محمد مهدي الجواهري كأول نقيب للصحفيين العراقيين .
واليوم وفي هذه المناسبة التي نخلد فيها ذكرى تأسيس الصحافة العراقية ، ما نود الإشارة إليه هو التقدم التكنلوجي وما يسمى :
(( الذكاء الاصطناعي )) ، مع فزع عام وتساؤلات حول تأثيرها على البشرية والمجتمع والقوى العاملة ،وما إذا ستقلص تلك التكنولوجيا الوظائف المتاحة في سوق العمل في إطار ديستوبيا مستقبلية تحتل فيها الآلات والروبوت محل الإنسان في ثورة تكنولوجيا تنقلب ضد البشرية .
تلك الخواطر والخيالات العلمية ظهرت من جديد مع تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي خلال الأعوام الماضية وتقديم عدة منصات دردشة مع الذكاء الاصطناعي والذي يمكنه كتابة مقالات وأوراق دراسية وروبوت للدردشة .
منذ أن أخترع الإنسان الحاسوب وهو في بحث مستمر لتعزيز اختراعه هذا ، بحيث يصل إلى مستوى إدارة معظم المهام التي تتطلب ذكاءً بشرياً ذا مشاعر وأحاسيس في الوقت نفسه، أو هكذا الهدف. المحاولات البشرية جادة وحثيثة منذ الخمسينيات لتقوم الآلة بعمل الإنسان، والواقع الحالي يفيد بأن التقنية تتسارع وتيرتها بشكل مذهل ، بحيث لا يمكنك توقع ما يمكن أن يحدث بعد عامين أو ثلاثة ، حتى أصبحت عبارة “المستقبل البعيد” التي كنا نطلقها على فترة خمسين إلى مئة عام أو أكثر ، صارت تعني سنوات قليلة معدودة ، وظهر مصطلح “الذكاء الاصطناعي” وصار متداولا بكثرة في السنوات الأخيرة ،للدلالة على مستقبل تقني قريب قادم .

مالذكاء الاصطناعي ؟

قبل أن نخوض في موضوعنا هذا ، نجد أهمية التعريف بهذا المصطلح أو هذا المجال بشكل مبسط حتى نكون على بيّنة من الأمر ونحن نخوضه ، فالذكاء الاصطناعي علم يهتم بصناعة آلات أو روبوتات مرتبطة بأنظمة حواسيب ، تقوم بتصرفات يعتبرها الإنسان تصرفات ذكية ، أو تمتلك الخصائص المرتبطة بالذكاء ، واتخاذ القرار وأداء بعض المهام التي تتطلب التفكير والفهم والسمع والتكلم والحركة بدلاً من الإنسان .
هناك أنواع عدة من الذكاء الاصطناعي ، منه المحدود الذي يهتم بنظام أو مجال واحد فقط كالألعاب مثلا ، وذكاء اصطناعي عام يقترب ليكون من مستوى ذكاء الإنسان ، بحيث يمكنه القيام بأعمال ومهام فكرية يقوم بها الإنسان نفسه ، أما النوع الثالث فهو ذكاء خارق ، يفوق الذكاء البشري .
ولن نتحدث عن مجالات الذكاء الاصطناعي في كل مجالات الحياة لأنها متعددة ومتشعبة ، لكن الحديث يقتصر على مجال واحد هو الإعلام بشكل عام.

” الذكاء الاصطناعي الإعلامي ”

الإعلام بشكل عام قد يكون من المجالات التي سيكتسحها الذكاء الاصطناعي اكتساحا وينطلق فيها بلا حدود ، الأمر الذي جعل كبريات المؤسسات الإعلامية العالمية ، وخاصة بعد أزمة كورونا الفائتة ، تسارع خطاها لتفعيل فكرة احتضان التقنيات المتقدمة كالذكاء الاصطناعي من أجل الإبقاء على الصنعة الإعلامية ، في زمن باتت فيه التقنية تختلط وتنافس مجالات عمل بشرية كثيرة ، وليس صناعة الإعلام فقط .
إن صحافة الذكاء الاصطناعي لا شك بأنها ستخلق ثورة في صناعة الإعلام ، سواء الرزين المعتدل والصادق ، أو الإعلام الكاذب والتافه ، حيث لن تكون هناك حدود جغرافية ولا قانونية، ولا أي قيود من تلك التي تضعها الحكومات أو الجهات المسؤولة في كل دولة على حرية الرأي ونقل الخبر والمعلومة ، بل سيكون المتلقي أو المتفاعل مع المواد الإعلامية هو الحكم ، وهو من يقرر صلاحية أي مادة إعلامية من عدمها ، من بعد أن تتراكم عنده الخبرة الكافية بعد حين من الدهر لن يطول ، يستطيع عبرها الفصل واتخاذ القرار .
لكن هناك مخاوف لدى بعض العاملين في الإعلام من أن الذكاء الاصطناعي سيعمل على إلغاء بعض الوظائف التي يشغلها البشر حاليا . وهذا تخوف مشروع ، بل هو ما سيحصل دون شك ، ولكن لن يتم تسريح العاملين بالسهولة التي يتوقعها البعض المتشائم ، وإنما يتم توجيههم نحو القيام بالمهام التي لا يزال فيها البشر متفوقين على الذكاء الاصطناعي وبرمجياته وتطبيقاته ، أو ما نسميها بالصحافة العميقة ، من مثل المهام المتعلقة بالحوارات الإنسانية أو الصحافة الاستقصائية ، التي لم تظهر بعد تطبيقات وأنظمة قادرة على تنفيذها حتى الآن ، ولذا لن يكون من الحكمة عند أرباب المال أو أصحاب المؤسسات الإعلامية تسريح العاملين من أجل توفير دنانير معدودة ، فالبشر رغم التطور التقني في الإعلام ، لابد أن يكونوا في صناعة الإعلام هم المحاور التي ستدور تلك الروبوتات الذكية حولها .
إذن صحافة الذكاء الاصطناعي ثورة إعلامية جديدة متوافقة تماما مع التقنيات الحديثة للثورة المعلوماتية والصناعية ، هذا الذكاء بدا للجميع أن تأثيره كبير على الإعلام والصحافة ، من بعد أن اجتاحت الرقمنة كثيرا من المجالات الحيوية ، ومن هنا نجد أن صحافة الذكاء الاصطناعي في تنام كبير في عالم الصحافة والإعلام ، وستؤدي إلى إحداث تغيير جذري في عالم الإعلام ، وهذا التغيير سيؤثر بالضرورة على المنتجين ، وكذلك المستهلكين الذين هم عموم القراء ومتابعي الوسائل الإعلامية ، وكلما تسارعت خطى المؤسسات الإعلامية نحو الرقمنة أولا ، ومن ثم احتواء تقنيات الذكاء الاصطناعي وبرمجياته وتطبيقاته ، والعمل على تطويعها من أجل تعزيز العمل الإعلامي وتطويره ثانيا ، كانت فرص بقائها في ميدان التنافس كبيرة .

هل هناك إيجابيات للذكاء الاصطناعي وأهميته في الإعلام؟

يمكن لتقنية الذكاء الاصطناعي أن تقدم الكثير من التسهيلات المختلفة في مجال الإعلام والصحافة على حد سواء ، وبفضل هذه التسهيلات والإيجابيات أزدهر مفهوم ” صحافة الذكاء الاصطناعي ” وهي الصحافة التي تعتمد في عملها بشكل كامل على إستخدام تقانة الذكاء الاصطناعي والمهام والفوائد التي يقدمها ، ومن أبرز الإيجابيات والمميزات التي يمكن أن يقدمها الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام هي :
٠١ دعم المهام الصحفية الروتينية.
٠٢ تقديم الإشعارات والتنبيهات حول الأحداث .
٠٣ إمكانية عمل جدولة آلية للمحتوى .
٠٤ إمكانية توليد القصص الإخبارية تلقائياً .
٠٥ تنفيذ مهام معقدة .
٠٦ تقوم بالبحث عن الأخبار وتدقيقها بشكل تلقائي .
٠٧ يمكنها أن تقوم بضبط وتنسيق الأخبار وفق أنماط معينة يحددها الكتاب المتخصصين .
٠٨ يمكنها أن تقوم بنشر ومشاركة محتوى الصحفية بشكل روتيني .
٠٩ تقوم بتدقيق الأخطاء المطبعية والإملائية في المنشورات .
وغيرها المزيد …..

نعمل جميعاً من أجل الأرتقاء بالإعلام .

اترك رد