محمد عبد الجبار الشبوط
ادرك، كما يدرك غيري، صعوبة الحاضرالذي يعيش فيه المواطن العراقي، وادرك حجم المعاناة التي تثقل كاهل هذا المواطن من الفقر والبطالة وتدني الخدمات وخاصة على صعيد الكهرباء والصحة والتعليم، والروتين الحكومي والمعاملة غير المنصفة التي تتعرض لها المرأة وغير ذلك.
في ذروة هذه المعاناة، اتحدث عن #الدولةالحضاريةالحديثة وكانها حلم وردي يطوف على مخيلة الشعراء الحالمين المفصولين عن الواقع. فاتلقى ردود فعل مختلفة من مواطنين اتعبتهم المعاناة واقعدهم الفقر عن التفكير خارج الضيق الذي يعانون منه. فيقول لي قائل منهم كيف تريد منا ان نفكر بالدولة الحضارية ونخن لا نملك قوت يومنا، او كيف نفكر بها ونحن نعاني من حر الصيف حيث لا كهرباء ولاهواء بارد ولا ماء صالح للشرب. وفي احسن الاحوال يرفع احدهم صوته واصبعه ويقول لي: لماذا لم تطرح هذه الفكرة يوم كنت مديرا عاما ثم رئيسا لشبكة الاعلام العراقي؟!
بغض النظر عن كل هذه الاقوال، ولكل منها جواب شافٍ، اقول ان طرحي لفكرة الدولة الحضارية الحديثة والافكار الاخرى المتعلقة بها (المركب الحضاري، القيم الحضارية، الانسان الفعال، الحزب الحضاري، النظام التربوي الحديث، الانتخاب الفردي، الثورة الناعمة) انما يستهدف تحقيق هدف عاجل لكنه في منتهى الاهمية والخطورة وهو تحرير المواطن العراقي من قيود الحاضر واسره، فكريا ونفسيا، وفتح عينيه وقلبه وعقله على المستقبل الذي يحمل عنوان الدولة الحضارية الحديثة. ان الانشداد الى الحاضر يعيق عن العمل، بينما الانشداد نحو المستقبل يدفع الى العمل.
كل انسان يعمل على شاكلته، والمحتوى الداخلي للانسان هو الذي يبني شاكلته. فاذا كان هذا المحتوى من صنع الحاضر (وربما الماضي ايضا) كان سلوك الانسان على شاكلة هذا الحاضر البائس التعيس. اما اذا كان هذا المحتوى من صنع المستقبل الذي ترسمه له فكرة الدولة الحضارية الحديثة، فان سلوك الانسان سيكون على شاكلة هذه الصورة المستقبلية الزاهرة. ان الصورة المستقبلية التي يؤمن بها الانسان هي التي تشكل محتواه الداخلي وهي التي تحرره من قيود الحاضر وتطلق طاقاته وامكانياته صوب المستقبل في حركة حضارية جبارة مبدعة.
فالعراقي المؤمن بالدولة الحضارية الحديثة لن يخسر سوى معاناته اذا قرر الرحيل نحو المستقبل.