بقلم محمد الكعبي
بعد اسقاط النظام السياسي العراقي عام 2003م ، من قبل الولايات المتحدة الامريكية ودخول قواتها العراق، تم تعيين السفير الامريكي ( (Paul Bremerحاكما مدنيا عليه، فقام بحل المؤسسة العسكرية والامنية وأغلب المؤسسات الحكومية، وأغلق جميع المعامل والمصانع بشكل تام، ثم قام بإنشاء وتأسيس وبناء مؤسسات جديدة لا تلبي طموحات الشعب العراقي، وابقى على جميع المعامل والمصانع الانتاجية مغلقة، وسمح الحاكم المدني للشركات الأمنية الاجنبية بالعمل داخل العراق بحجة الحماية والتي كانت مهمتها قتل العلماء والرموز والشخصيات البارزة والمثقفة والكفاءات العراقية وادخال البلد في صراع طائفي وعرقي، من خلال قيامها بعمليات القتل والتفجير والاغتيال، وقد ساهمت هذه الشركات بمساندة ودعم العمليات الارهابية لغرض أدخال البلاد في صراع داخلي بين ابنائه، وقد نجحت بشكل كبير في مشروعها التدميري، فضلا عن استعداد بعض الجهلة والمتعصبين والسياسيين الذين يقتاتون على الازمات، وكان الدعم الاقليمي واضحاً والذي يغذي طرفي النزاع من أجل تدمير العراق، وأسس الاحتلال لنظام المحاصصة والطبقية وروّج لثقافة الفساد السياسي والاداري والمالي والذي استشرى في مفاصل الدولة ونخر مؤسساتها، وسن قوانين لا تصب في مصلحة العراق وشعبه، وقام الاحتلال بتدمير البنى التحتية بالكامل ودمر الصناعة والتجارة والزراعة وغيرها، وساهم في عرقلة أي مشروع بناء أو اصلاح.
إن اعادة بناء دولة بعد انهيارها بالكامل تعد عملية صعبة للغاية وتحتاج إلى مقدمات ووقت وظروف موضوعية وواقعية ورجال دولة حقيقيون يملكون رؤية مستقبلية منبثقة من استراتيجية منضبطة المعايير ممكنة التحقق، وشعب يتفاعل مع المتغيرات بعقلانية ولا ينجر خلف الشعارات الا بعد التحقق والتحليل ويحاسب المسؤول أياً كان على المنجز الواقعي وليس الاعلامي، ورغم سعة الوقت للفاعل السياسي العراقي الا انه لم يستطع أن ينهض بمسؤولياته لأسباب داخلية وخارجية.
الداخلية: قلة الكفاءة والخبرة وعدم تبني مشروع وطني سليم وغياب النية الصادقة والجادة لبناء الدولة، وعدم وجود قيادات تعي حجم المسؤولية لقصورها الذاتي وضعفها المفاهيمي وتخبطها السياسي وعدم ثقتها بنفسها وانشغالها بتوافه الامور وبتصفية الخصوم واهتمامها في تثبيت مراكزها ومواقعها السياسية، نعم توجد بعض الشخصيات والاحزاب الوطنية لكنها غير فاعلة بشكل كبير وهذا بسبب حجم الخلل البنيوي الذي تركه الاحتلال وتحكم احزاب وشخصيات منحرفة والتي وجدت متنفس لها في الساحة العراقية، وكثرة الاحزاب وضعف القوانين والصراعات الداخلية السياسية والقبلية، وتعاطي بعض الاحزاب والتيارات مع الخارج من اجل الدعم المالي والسياسي مما جعلها تشكل جبهات متباينة في ما بينها نتيجة تباين مصالح الدول بعيداً عن المصالح العليا للبلد.
الخارجية : الاحتلال الامريكي وسياسته التدميرية في البلد والذي سعى جاهدا الى تعطيل كل شيء وتخريب كل ما هو صالح سياسياً وامنياً واقتصادياً وثقافياً، فضلا عن الصراع الدولي حول العراق وجعله أرض لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية ولأسباب جغرافية ودينية واقتصادية وهذا يحتاج إلى تفصيل نتركه لقادم الايام أن شاء الله.
إن الارهاب والمحاصصة والفساد والمخلفات البعثية والاضطراب المجتمعي وانقسامه وفقدان الثقة بين الشعب والطبقة السياسية، وعدم معرفة الفاعل السياسي ماذا يريد، وكثرة الاحزاب وتعددها وعدم وجود قانون يضبط عملها، وتعدد القيادات والزعامات والصراع من أجل السلطة والاستقواء السياسي والامبراطوريات الاقتصادية والعسكرية الخارجة عن سيطرة الحكومة، والسلاح المنفلت وتسخير الاعلام الفئوي والحزبي مع فقدان الرقابة والمهنية، وضعف المؤسسات الأمنية و التعليمية والدينية، والتوافقات السياسية بعيدا عن مصلحة الوطن والمواطن، وسوء التخطيط والادارة وفقدان الاستقرار السياسي والذي أنتج ضعف الأمن وتراجع الاقتصاد، كلها عوامل أفقدت الدولة هيبتها واضاعت سيادتها وافشلت مشروع بنائها، وهذا نتيجة طبيعية لكل بلد يمر بتجربة العراق برغم ما يملك من موارد بشرية وطبيعية عملاقة فلم تسعفه بسبب ما تقدم، ليبقى يعيش صراع ليس فيه منتصر الا الاجنبي.
يجب انهاء الاحتلال و منع الخارج من التدخل في الشأن الداخلي والعمل على تقليل الاحزاب أو دمجها فيما بينها، وسن القوانين التي تحد من استقوائها وتحجيم دورها ومراقبة مصادرها المالية ونشاطها الثقافي والمجتمعي جميعاً، وهذا لا يتحقق الا ببرلمان نزيه منبثق من ارادة الشعب, متصالح مع نفسه ومع شعبه ويمارس عمله بإخلاص ومهنية، وحكومة قوية وأمينة وجادة، وشعب متحرك متفاعل وعلى مستوى من المسؤولية، أن إنقاذ البلد مسؤولية تضامنية مشتركة ليمكن النهوض بها بعقلية الفرد أو القائد الضرورة أو الحزب الاوحد.
نصيحتي:
على جميع اصدقائي وقرائي في العالم أن يستفيدوا من التجربة العراقية، وليعلموا إن أي تغيير يأتي من الخارج فإنه لا يصب في مصلحة الوطن، ويجب أن يكون التغيير من الداخل وعلى يد ابنائه وبالطرق السلمية، وأن لا يسمحوا لأي شخص أو جهة أن تصادر ارادتهم مهما كان عنوانها، وينبغي تنظيم الامور وتحديد الاهداف المركزية والانسجام التام والوضوح والصدق وبناء الثقة، وأن يكون العمل جماعي وفق رؤية واضحة مدروسة وبخط متوازي من كل الاتجاهات والمستويات، والاستعانة بالكوادر الوطنية وأهل الخبرة والاختصاص والكفاءات وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني والهيئات والمؤسسات الوطنية، مع الحفاظ على الاولويات ووحدة الهدف، ويجب التنسيق التام والاعتماد على المصادر المالية الداخلية النظيفة، ولابد من وجود قيادة مركزية موحدة مؤمنة تكون ممثلة عن الشعب، ويجب تشكيل لجان تراقب وتقيم وترصد كل صغيرة وكبيرة.
إن كل ما ذكرت في مقالي هذا نابع من معاناة حقيقية وتجربة عشتها انا والملايين من ابناء بلدي واكتوينا بنارها، و (السعيد من وعظ بغيره، والشقي من اتعظ به غيره).