التعليم العالي……… وقرارات مجلس الوزراء (3)

0 549

أ.د. عبد الرزاق عبد الجليل العيسى
وزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق

خامسا: قرار مجلس الوزراء رقم 199 لسنة 2018
ان الدور الاساسي لنمو وصلاح ورقي المجتمع ومؤسساته يعتمد على رصانة وسلامة انظمة وتطبيقات قطاعي التربية والتعليم الاولي والعالي بمختلف مستوياتهم وتخصصاتهم والأهتمام بهما سيكون انعكاسه على السلوك التربوي والثقافي لمختلف شرائح المجتمع.
يواجه التعليم العالي تحديات كثيرة وكبيرة جدا بعضها مرئيا ومحسوسا لجميع المثقفين والمتعلمين والبعض الاخر منها لا يبدو ملموساً وظاهراً لكثيرين منهم وحتى لبعض المهتمين بشؤونه. ان تأثيرهذه التحديات على جودة مخرجات التعليم العالي غير مباشر وغير واضح للعيان وسببه مجموعة من العوامل المرتبطة بالبيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فضلا عن مؤشرات النزاهة والاخلاص في جميع ادارات مؤسسات الدولة. لذا فان عملية اصلاح وتقويم منظومة التعليم العالي لا يمكن ان تتم بمعزل عن منظومة التربية والتعليم مجتمعة وقد تم العمل على وضع استراتيجية وطنية موحدة للتربية والتعليم العالي للأعوام 2011-2020 باعتبارهما قطاع واحد ومهم في عملية التنمية البشرية وباهدافها المتنوعة وبضمنها اقتصاديات المعرفة.
ان احد عناصر النجاح لمهمة التعليم العالي هي ضمان جودة مدخلاته من الطلبة والذين هم من نتائج مخرجات تشكيلات وزارة التربية في مراحلها المختلفة. اما اهم ما يؤثر على هذه الجودة فهو التدريسي (المعلم أوالمدرس) والمناهج الدراسية وتوفر المباني والمستلزمات الدراسية فضلا عن توفر البيئة المجتمعية الصالحة. ولكن المؤثر الأول والأساسي في قيادة العملية التعليمية والمسؤول عن نجاحها هو التدريسي، فالجيد منهم ذلك الشخص المتمكن والقادر على توفير بيئة تعليمية تفاعلية للطلبة يراعى فيها قدراتهم واستعداداتهم ويستثمر عقولهم على نحو سليم وبذلك فهوالاساس في بناء قدرات طلابه المتكاملة في جميع مجالات التربية والثقافة والعلوم المختلفة ويمثل العقل المبدع والمحرك الاساسي لانجاز المهمة بنجاح. ولذا تعتبرعملية اختيار الطلبة الراغبين للعمل كتدريسين وتأهيلهم من المهام الاساسية في الاعداد لإصلاح منظومة التربية والتعليم وقد سبق وان كتبت بالتفصيل عن اهمية هذه العملية في المقالة الموسومة ” اصلاح عملية التربية والتعليم …. والارادة الوطنية” وفي المقالة الثانية ” أعضــاء هيئــة التدريس … وتأثيــــرهم في التنميــة”.
لقد اصاب النظام التعليمي العراقي عدة إخفاقات أدت الى تراجعه ومنها الاتي:
اولا: غلق كليات التربية في بداية السبعينات من القرن الماضي واعادة فتحها بعد سنتين وحصر القبول فيها للمنتمين الى حزب البعث فقط بغض النظر عن مؤهلاتهم التربوية والعلمية والثقافية وهو خلاف ما يعمل به في بلدان العالم المتقدم. علما ان جامعة الدول العربية اقّرت اعتماد العمل بأجازة مهنة التعليم بمفهومها الذي يفيد بعدم السماح لممارسة مهنة التعليم إلا لمن يجتاز مجموعة من الاختبارات ضمن المحاور العلمية والنفسية والتربوية، والذي تم العمل بها في الكثير من الدول العربية.
ثانيا: اقرار تبعيث التعليم حيث تم ابعاد مجموعة من التدريسين، بادعاء الشك بولائهم للحزب وقياداته ضمن تقييم البعثيين والمسندة بتقاريرهم الى الجهات الامنية، ومنعهم ممارسة التدريس واحالتهم الى وظائف ادارية وهذا مما سبب ابعاد الكثير من التربويين وذوي الخبرة العلمية العالية والسلوك التربوي الراقي والنزاهة الوطنية.
ثالثا: تفشي الكثير من حالات واشكال الفساد المهني خلال فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي الذي اقترن مع فترة الحروب والحصار الاقتصادي وضعف رواتب التدريسيين. وقد استمر هذا الحال لغاية التغيير في عام 2003 حيث اعتمدت الكثير من الخطط والممارسات الهادفة لتقويم وتأهيل قطاع التربية والتعليم ومن ضمنها إرسال بعض الملاكات التدريسية والادارية في وزارة التربية الى خارج العراق لحضور دورات تدريبية وكذلك العمل على تغيير المناهج الدراسية وتجديد طباعة الكتب المدرسية وتأهيل أو بناء المدارس.
ولكن الكثير من هذه الممارسات رافقتها مؤشرات سلبية وادرجت معظمها ضمن ملفات الفساد المالي والاداري، يضاف لها ملف عشوائية تعيينات الملاكات التدريسية الجديدة وكذلك عدم اعتماد الضوابط لاختيار المؤهلين والمتميزين او الاوائل من الخريجين على اسس لتحسين الاداء. كما إن اناطة ادارة وزارة التربية الى جهة حكومية تابعة الى حزب معين ووزارة التعليم العالي الى جهة تتبع حزب آخر أدى الى عدم وجود التفاهم بين الوزارتين في إبداء الرأي الجاد وإتخاذ القرار الحاسم في الكثير من القضايا والامور المشتركة فضلا عن غياب التخطيط والعمل المثمر في الوزارتين وفي باقي مؤسسات الدولة.

ومن أجل أزالة تلك الأخفاقات التي ذكرناه أعلاه فقد باشرنا بطرح الكثير من الرؤى والمقترحات والتي كتبنا عنها في هذه المقالة وما سبقها من مقالاتنا وقد تم طرحها للمناقشة في هيئة الرأي واعتمدت بعضها ولكن بقي البعض الاخر منها يحتاج الى قرارات وارادة سياسية ومن هذه المقترحات هو التالي:
1- ابعاد المؤسسات التربوية والتعليمية عن التجاذبات السياسية او محاولة تسيسها ولا مانع من الانتماء الحزبي لأي من منتسبيها بشرط ان لا يثقف او يتحدث عن انتمائه في اروقة المؤسسة التعليمية التي يعمل فيها او يستخدم مركز انتمائه لمصالح خاصة.
2- ابعاد ومنع الحديث عن كل ما يثير عناصر الاختلاف والفرقة ونقد الاخرين في اروقة المؤسسات التربوية والتعليمية والاكاديمية واعتماد هذا الوقت للبرامج والنشاطات اللاصفية، الرياضية والثقافية وللمبادرات العلمية لتحفيز التميز والابتكار.
3- اختيار القيادات في وزارتي التربية والتعليم العالي من النخب العلمية والتربوية المثقفة من منتسبي تشكيلاتها وممن تميزت انجازاتهم العلمية والعملية الايجابية ولهم الخبرة الاكيدة والقدرة على التخطيط ورسم السياسات وتشخيص الاهداف واتخاذ القرارات والخطوات ضمن الاستراتيجيات المرسومة والمقّرة والمصادق عليها من قبل جميع الاطراف المعنية والمستفيدة من تلك الاستراتيجية.
4- ضرورة اقرار دمج وزارتي التربية والتعليم العالي وتشكيل مجلس التربية والتعليم العالي ليكون المسؤول عن اعداد الخطط والاستراتيجيات للتشكيل الجديد، واتخاذ القرارات المهمة ومتابعة تنفيذها وكما هو معمول به في الكثير من دول العالم.
لقد فتحت آفاق الحوار والتعاون مع وزارة التربية في الايام الاولى بعد استلامنا ادارة وزارة التعليم العالي لمناقشة الكثير من المحاور المشتركة التي نتجت عنها بعض القرارات الايجابية للوزارتين. ولكن حصل عدم التوافق بين الوزارتين بشأن مقترحنا لالغاء نظام “تنويع التعليم” الذي تأكدنا من سلبيات اعتماده وتطبيقه في جميع مدارس العراق، وذلك من خلال اجراء دراسة معمقة لهذا النظام خلال فترة عملنا كمستشار للوزارة.
لقد كان على وزارة التربية ان تعّد دراسة تكشف عن اسباب ضعف معظم كوادرها من التدريسيين ليتم الاخذ بها في مؤسسات وزارة التعليم العالي ومعالجتها من خلال تطوير برامج اعدادهم في تشكيلات الوزارة. ان احد مؤشرات وزارة التعليم العالي عن سبب هذا التدني في الأداء هو ضعف الأمكانات العلمية والثقافية لدى تلك الكوادر والمقترنة مع ضعف معدلاتهم في الامتحانات الوزارية للمرحلة الاعدادية والذي أجبرهم للتقديم على الكليات التربوية والكليات الاخرى التي تستقبل تلك المعدلات الواطئة إضافةً الى أن خريجيها لا يتم شمولهم في آلية التعيين المركزي.
حصل نقاش في الامانة العامة لمجلس الوزراء بشأن كيفية اختيار آلية معينة لاعداد كادر متميز في حقل العلوم الادارية والاقتصادية والمالية والقانونية للنهوض باداء دوائر الموارد البشرية في مختلف مؤسسات الدولة. وأقترحنا بالبدء بدراسة آلية شمول تدريسي وزارة التربية من معلمين ومدرسين في برنامج القبول المركزي، والتي كانت ضمن اهدافنا واستراتيجياتنا ونعتبرها الخطوة الاولى والمهمة للنهوض بقطاع التربية والتعليم وقد حصلنا على الموافقة المبدئية.
تم اعداد الدراسة لاعتمادها ضمن برامج القبول المركزي اسميناه “قناة النخبة” وذلك بالسماح لخريجي الاعداديات من ذوي المعدل 90% وأعلى للتقديم الى الدراسة في مختلف الجامعات وضمن التخصصات المتفق عليها والمشار إليها أدناه وبواقع 1000 مقعد دراسي وذلك سيعتبر تجربة للعام الدراسي 2018/2019 وسوف يتم زيادتهم للسنوات اللاحقة في حال نجاحها، ووزعت المقاعد كما يلي:
50% للتخصصات التربوية
25% لتخصص القانون
25% للتخصصات الادارية والاقتصادية والمالية
كذلك تم اقرار ما يلي:
1- عدم الاعتماد على معدل الطالب المتقدم للدراسة ضمن نظام قناة النخبة كمعيار وحيد للقبول وانما يجب ان يخضع لمقابلة شخصية لتقييم لياقته فضلا عن الاختبارات في المعلومات العامة ومهارته في اللغتين العربية والانكليزية.
2- يمنح الطالب المقبول مكافأة مالية قدرها 150الف دينار خلال فترة دراسته، وتقطع في حالة رسوبه في اي مرحلة من دراسته، ويعين عند تخرجه في احد دوائر الدولة ضمن تخصصه اذا كان تسلسله ضمن الربع الاول.
3- قسمت اعداد المقاعد لقبول الطلبة على جميع الجامعات حسب النسبة السكانية لمحافظتها.
أقّر المقترح في مجلس الوزراء بتأريخ 15/5/2018 وصدر القرار برقم (199) لسنة 2018 ونصه الاتي:
بناء على ما عرضته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بموجب كتابها ذي العدد: م.و. 1/632 والمؤرخ في 24/4/2018.
قرر مجلس الوزراء بجلسته الاعتيادية التاسعة عشر المنعقدة بتأريخ 15/5/2018 اعتماد خطة الموارد البشرية في حقل العلوم الادارية والاقتصادية والمالية والقانونية الواردة في كتاب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المذكور انفاّ بحسب الاتي:
1- قبول الطلبة من ذوي المعدلات التي لا تقل عن (90%) من خريجي الدراسة الاعدادية/الفرع العلمي (تطبيقي/احيائي) في كليات الادارة والاقتصاد ضمن إختصاصات ادارة الاعمال، الاحصاء، الادارة العامة، الادارة الصناعية، المحاسبة، الاقتصاد، العلوم المالية والمصرفية).
2- قبول الطلبة من ذوي المعدلات التي لا تقل عن (90%) من خريجي الدراسة الاعدادية الفرعين العلمي (تطبيقي، احيائي) والادبي في كليات:
أ- القانون
ب- التربية الاساسية باختصاصاتها كافة ضمن خطة (1000) مقعد وفق تنوع التعليم وعلى النحو الآتي:
النسبة الفرع التخصص ت
70%
30% علمي ( تطبيقي، احيائي)
ادبي القانون 1
100% علمي ( تطبيقي، احيائي ) كلية الادارة والاقتصاد 2
70%
30% علمي ( تطبيقي، احيائي)
ادبي تربية وتربية اساسية 3

3- فتح الدراسات العليا في الاختصصات النادرة مثل (ادارة المستشفيات، ادارة التأمين، الصيرفة الالكترونية).
4- تخصيص نسبة من المقاعد في الدراسات العليا لحملة شهادة البكلوريوس في الاختصصات الطبية والهندسية للحصول على شهادة الدبلوم العالي المهني.
5- منح الطلبة المقبولين ضمن البرنامج مكافأة طوال مدة دراستهم لا تقل عن (150000) دينار، فقط مائة وخمسون الف دينار شهرياّ، على ان يجري التعاقد معهم على وفق الخطة آنفاّ بعد اعتماد تعهد من قبلهم بهذا الشأن.
الأمين العام لمجلس الوزراء وكالة
24/5/2018
( انتهى القرار)
اعّدت الوزارة تعليمات بشأن آلية القبول والتقديم بإستخدام نظام قناة النخبة وآلية احتساب درجة المقابلة للطلبة المتقدمين لكليتي التربية والتربية الاساسية وكماهي مدرجة ادناه:
30% للمعلومات العامة
30% للشخصية واللياقة والهندام
20% للقابلية على القراءة والكتابة للغة العربية
20% للقابلية على القراءة والكتابة للغة الانكليزية.
تعتبر تقييمات المقابلة هي المؤشر الأساسي للسماح للطالب بالمنافسة والقبول ضمن قناة النخبة.
ومن هنا فإنني أؤكد على أن هذا القرار سيساهم في تشخيص نخبة مختارة من الطلبة ليتم اعدادهم وتأهيلهم تربويا وعلميا ومهنيا وبعد تخرجهم يتم اختيار المتميز منهم ليعين تدريسي، معلم او مدرس حسب شهادته، ضمن ملاك وزارة التربية . ان الاستراتيجية التي وضعت للقرار للاعوام 2018-2027 وبزيادة سنوية لعدد المقاعد بواقع100% ليصبح ملاك المؤسسات التربوية فضلا عن باقي مؤسسات الدولة من النخبة المتميزة وعندها ممكن ان يحقق جزء من هدف اقتصاديات المعرفة.

اترك رد