محنة العراق باحزابه

0 187

محمد عبد الجبار الشبوط
لا احمل عقدةً من الاحزاب، بل انخرطت في العمل الحزبي في وقت مبكر من حياتي. ولم اتركه الا عام ١٩٩٠ حين بلغت الاربعين من عمري. ومازلت اؤمن بان الاحزاب ضرورية لبناء حياة سياسية سليمة بالمنظور الديمقراطي. ولا اتفق مع المواطنين الذين اصبحوا يمقتون الاحزاب. نعم لست مع احتكار العمل السياسي من قبل حزب واحد، ولست مع الكثرة المفرطة في عدد الاحزاب. ولست مع الاحزاب الشخصية او الموسمية او المجهرية. كما اني لست مع الاحزاب المغلقة عرقيا او طائفيا او دينيا. انا مع احزاب وطنية عابرة للتخوم العرقية والدينية والطائفية، ديمقراطية، قليلة العدد، تحمل رؤية حضارية حديثة للدولة، وبرنامجا سياسيا عمليا لتحسين حياة المواطنين والحفاظ على حقوقهم.
الاحزاب في الدولة الديمقراطية احزاب انتخابية تتنافس على خدمة الناس او رعاية مصالح الناس وفق الرؤية التي تؤمن بها وتسعى الى الحصول على اصواتهم على هذا الاساس.
والاختلاف بين هذه الاحزاب انما يقع في رؤية الطريقة الافضل لرعاية مصالح الناس. ولا اتصور ان هناك عددا كبيرا جدا من هذه الرؤى. في بريطانيا، على سبيل المثال، توجد ثلاث رؤى فيما يتعلق بالموقف من الاتحاد الاوروبي: الانسحاب باتفاق او بدونه (رأي رئيس الوزراء وحزب Brexit ) الانسحاب باتفاق جيد (حزب العمال)، البقاء (حزب الديمقراطين الليبراليين).
وعادة يكون هناك عدد محدود من الرؤى، ولهذا يكون عدد الاحزاب قليلا نسبيا. وكلما ارتقت المجتمعات في السلم الحضاري كلما قل عدد احزابها. والحالة النموذجية ان يكون هناك حزبان رئيسيان: يحزب يحكم واخر يراقب (او يعارض).
لكننا لا نجد هذا عندنا في العراق. عدد الاحزاب عندنا فاق كل التطورات السياسية الاكاديمية. ولا تتميز هذه الاحزاب عن بعضها البعض بالرؤى والبرامج، ان وجدت. بل انها تتشابه حتى في اسمائها. الكثير منها يحمل كلمات الاسلامي او المدني او الديمقراطي او العراقي. إنْ هي الا اسماء لا تتعلق برؤى سياسية ولا برامج عملية.
وفوق هذا فبالامكان قول ما يلي حول الاحزاب العراقية:
اولا، انها في الجوهر غير ديمقراطية لا في حياتها الداخلية، ولا في فكرها السياسي، ولا في ممارستها العملية.
ثانيا، انها احزاب سلطة وليست احزاب دولة بمعنى انها تسعى للفوز بحصة في السلطة دون ان يكون في راس اهتماماتها بناء الدولة.
ثالثا، انها احزاب فئوية مغلقة لا تقبل في صفوفها من لا ينطبق عليه وصفها الفئوي. لا يوجد عربي في حزب كردي، وبالعكس. ولا سني في حزب شيعي وبالعكس. ولا مسيحي في حزب اسلامي وبالعكس. نعم توجد بعض الاحزاب غير مغلقة، بهذا المعنى او ذاك، لكنها احزاب صغيرة جدا، مجهرية، لا تحدثا فرقا ملموسا في مجرى الحياة السياسية.
رابعا، انها، للاسباب المذكورة اعلاه، احزاب صغيرة بالقياس الى عدد نوابها في البرلمان. ولم يستطع اي حزب ان يحقق لوحده اغلبية برلمانية تمكنه من تولي السلطة لوحده. وكان هذا من اسباب تعذر تشكيل حكومة قوية وبروز معارضة قوية.
لا يعني هذا ان نلغي الحزبية، فهذا ليس هو رد الفعل السليم ازاء هذه الظاهرة. انما المطلوب فعل ايجابي يكون بالامكان معه تشكيل حزب وطني كبير يحمل مشروعا واضحا لبناء الدولة وبرنامجا عمليا لرعاية مصالح الناس. ولا احسن من ان يكون الهدف المركزي لهذا الحزب الكبير هو بناء الدولة الحضارية الحديثة في العراق.

اترك رد