نسبة المشاركة في انتخابات عام 2018 – كما يبدو من النتائج شبه النهائية – لا تتجاوز ألـ 45% ، وربّما تزيد قليلاً في اللحظات الآتية ، وهذه النسبة الضئيلة دستورية مقبولة ، وهكذا لو قيست هذه النتائج بنتائج الانتخابات في الدولة الاوربية والآسيوية والإسلامية ذات الديمقراطيات الراسخة ، فمثلا نسب نتائج الانتخابات في أمريكا لم تتجاوز ألـ 55% تقريبا , أما لو قيست إلى انتخابات عام 2010 وعام 2015 فإنّ هناك تراجعا واضحا يصل إلى 15% ، وربما 20% وربّما اكثر من هذا ، وهذا الأمر بحاجة إلى تأمّلٍٍ ووقفةٍ طويلة وبحاجة إلى تسليط الضوء عليها، بالرغم من وجود المحفّزات المذهبية والنصر الذي حققه الشيعة على الدواعش ، فما السر في التراجع ؟
أوّلاً : أسباب هبوط نسبة الانتخابات
(أ). السبب الأوّل هو انتهاء المحركات الاساسية أعني موت الأحلام التي كان يتأمّل الناخب أن تتحقق والتي كانت تحرّك الجمهور العراقيّ ، التي كان يحلم أن تحققها الحكومات التي ينتخبها ، فالمكوّن الكردي – مثلا – لم تعد الشعارات القومية لديه محركةً في ظلّ الاخفاقات التي عاشها من استحالة قيام الدّولة الكردية ، ونفس الكلام ينطبق على المكوّن الشيعيّ والسنيّ فانّ اليقين بموت أحلامهم شيء واضح للعيان.
(ب). إنّ حجم الفساد ، وطغيان الحزبية والأسرية ، والاهتمام بالمصالح الشخصية ، يرافقها الإخفاقات المتكرر في ثلاث تجارب انتخابية ماضية كلّ ذلك ألقى بظلاله سلباً على الناخب العراقي .
(ج). هناك طبعا محرّكات أخرى خارجية أيديولوجية استغلت الجيوش الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي .
(د). فهم الجمهور العراقي أنّ المقصود من بيان المرجعية الذي جاء فيه : « إنّ المشاركة في هذه الانتخابات حقّ لكلّ مواطن تتوفّر فيه الشروط القانونية ، وليس هناك ما يُلزمه بممارسة هذا الحقّ »، هو أنّ المواطن مخيّرٌ في ممارسة هذا الحقّ، وليس في البيان ما يشعر الوجوب ولا الندب ، وهذا الكلام حقّ والفهم حقّ ، غير أنّه ربّما فات الناس الالتفات إلى بقية كلامه ، إذْ قال: «…. نعم ينبغي أنْ يلتفت إلى أنّ تخلّيه عن ممارسة حقّه الانتخابي يمنح فرصةً إضافية للآخرين في فوز منتخبيهم بالمقاعد البرلمانية ، وقد يكونون بعيدين جدّاً عن تطلّعاته لأهله ووطنه ، ويبقى قرار المشاركة متروكاً للمكلف وحده وهو مسؤول عنه على كلّ تقدير ، فينبغي أن يتّخذه عن وعيٍ تامٍّ وحرصٍٍ بالغٍٍ على مصالح البلد ومستقبل أبنائه…».
وفي ظلّ تراكم السلبيات التي تعمّقت لدى المواطن العراقيّ ، والإحباط وأحاديث النهب السلب والتي سرت بها الركبان وسمع بها الأصم ورآها حتى الأعمى، كان الفهم سلبيا .
فالمواطن العادي فهم أنّ مقصود المرجعية الدعوة إلى المقاطعة ؛ لانّ الخطبة كانت في سياق ذكر معانات فقيه يتألم ويتحسر ، وهو يستحضر فساد القوم فقال :
«… إنّ الاخفاقات التي رافقت التجارب الانتخابية الماضية ـ من سوء استغلال السلطة من قبل كثيرٍ ممّن انتُخبوا أو تسنّموا المناصب العليا في الحكومة ، ومساهمتهم في نشر الفساد ، وتضييع المال العام بصورة غير مسبوقة ، وتمييز أنفسهم برواتب ومخصصات كبيرة ، وفشلهم في أداء واجباتهم في خدمة الشعب وتوفير الحياة الكريمة لأبنائه… ولو بدرجات متفاوتة …».
مضافا إلى ما قاله من حركة تاريخ الانبياء والمصلحين وكيف أخفقت تجاربهم أمام المفسدين في إشارةٍ قد فهمها الجمهور إلى وصول المرجعية حدّ اليأس من هؤلاء كما يئس المصلحون من أممهم {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا *فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا} [سورة نوح 71 : 5 ، 6].
(هـ). إنّ الخطاب والدعاية الانتخابيّة كان دون المستوى المطلوب ، ولا يتجاوز وجوده على الورق من شعارات لا تنسجم ولا تحرّك الناخبين نحو الصناديق ، ولا تلبّي الطّموح ، بل انشغل البعض منهم في الحديث عن التحالفات والحكومة وآخرين في كيل التّهم للآخرين .
حيدر جليل