المؤسسات العلمية والثقافية ودورها في تطور الفكر في مدينة النجف محاضرة للبروفيسور الحكيم تستضيفها مؤسسة كاشف الغطاء العامة
علي الحلو/ الإعلام
أقام مركز الإمام محمد الباقر(ع) بالتعاون مع مؤسسة كاشف الغطاء العامة ندوة فكرية تخصصية بعنوان (المؤسسات العلمية والثقافية ودورها في تطور الفكر في مدينة النجف)، وذلك على قاعة مؤسسة كاشف الغطاء العامة في النجف الأشرف، يوم الاثنين 28 محرم الحرام 1440هـ، الموافق 8 تشرين الأول 2018م.
حضر الندوة الأمين العام لمؤسسة كاشف الغطاء العامة سماحة الدكتور الشيخ عباس كاشف الغطاء، وعدد من طلبة الحوزة العلمية بجانب عدد من الأكاديميين والمثقفين، حيث حاضر خلالها الأستاذ الدكتور حسن عيسى الحكيم، في محاضرة تطرق خلالها الى جملة من الأمور التي تخص المؤسسات والجمعيات العلمية والثقافية في مدينة النجف في النصف الأول من القرن العشرين، مشيراً في نبذة تاريخية الى أهم تلك المؤسسات منها جمعية (إخوان الصفا) قائلاً “تعد هذه الجمعية البداية الأولى لهذه المؤسسات، تأسست في عام 1912م، وقد كان العراق واقعا تحت سيطرة الحكم العثماني الذي كان على وشك الانهيار، وفي الوقت ذاته، يحاول الاستعمار البريطاني الهيمنة على العالم الإسلامي، وكانت الحرب العالمية الأولى على الأبواب، وفي هذه الظروف العصيبة تأسست في النجف الأشرف جمعية اسمها(إخوان الصفا)،وكان الهدف من تأسيس هذه الجمعية هو التجديد، فكانت هذه الجمعية تشتري الصحف الصادرة من سوريا ولبنان ومصر وتوزعها الى الناس مجانا، لبثّ المعارف والثقافة العامة بين أوساط الناس، لما تحويه الصحف – خصوصا في تلك الفترة– من علوم ومعارف وأخبار تربط الإنسان بعالمه الخارجي، وتدفعه إلى التجديد والتطوير.
كذلك تحدث الدكتور الحكيم عن (جمعية الشبيبة العامليّة)، فهي قد تشعبت من جمعية (إخوان الصفا) من الطلبة اللبنانيين في حوزة النجف الأشرف العلمية، وكان تواصل الطلبة اللبنانيين مع حوزة النجف وثيقا جدا، ولو قرأنا ما كتبته مجلة (العرفان) التي تصدر بصيدا، لعرفنا حجم التواصل العلمي والثقافي بين النجف ولبنان، مشيراً إلى أنه قد ناصرت هاتان المؤسستان حركة المرجع الآخوند الخراساني صاحب الفكرة التجديدية الدستورية، المعروفة باسم (المشروطة).
وقد برز في هذه الفترة مجموعة من العلماء الناشطين في حركة الفكر التجديدي، كالشيخ علي الشرقي، والشيخ محمد رضا الشبيبي، والشيخ صالح الجعفري، وكانوا يمتازون بالحكمة والشجاعة.
وجاءت جمعية (مكافحة الفقر) في ظروف الحرب العالمية الأولى، وفي ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية المضنية التي مرت بالبلاد، فقد أُسست جمعية (مكافحة الفقر) وكان غرضها – على الرغم من قلة مواردها المالية – دعم الفقراء والمحتاجين، وتقديم المساعدات، خصوصا للكتّاب الذين ليس لديهم القدرة على طبع كتبهم، وكذلك طباعة الدواوين الشعرية.
وفي سنة 1919م، كان العراق مستعمرا من قبل بريطانيا، تأسست في النجف الأشرف جمعية باسم (جمعية الهيأة العلميّة)، وكانت تتعاون مع جمعية في تركيا، اسمها (جمعية الاتحاد والترقي)، وكانت تنادي بضرورة أن يكون للمجتمع الإسلامي دستور. وتبنّت هذه الجمعية وغيرها ثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني، بمعنى أن الحوزة العلمية في النجف الأشرف في ذلك الوقت لها اتجاهان: اتجاه علمي ثقافي، واتجاه سياسي، وهذه الجمعية، أي جمعية (الهيأة العلميّة)، سعت في تأسيس المدارس الأهلية، لعدم قدرة الدولة – آنذاك – على تأسيس المدارس الحكومية، سيما بعد ثورة العشرين، ومجيء الحكم الملكي، فكانت مدينة النجف هي المدينة التي كافحت الأمية، في ظل ظروف صعبة جدا، وكان الهدف الرئيسي لهذه الجمعية هو نشر اللغة العربية، باعتبارها لغة القرآن الكريم، والحديث الشريف، وكان لهذه الجمعية اهتمام كبير في إحياء المناسبات الدينية، وتوثيق الترابط الاجتماعي مع الناس، من خلال مساعدة الفقراء ومعالجة المرضى، بالإضافة الى نشاطها العلمي والثقافي.
وقد برز خلال هذه الفترة الأستاذ جعفر الخليلي، والأستاذ محمد شرارة، والشيخ محمد حسن الصوري، والأستاذ عبد الرزاق محيي الدين، والشيخ صالح الجعفري، والسيد محمد صالح بحر العلوم.
وقد تبنت جريدة(الهاتف)، للأستاذ جعفر الخليلي، فكرة التواصل مع أخبار العالم ومواكبة ما يشهده العالم من تطورات.
في سنة 1932 تأسست جمعية (الرابطة الأدبية) وكانت نقطة تحوّل على صعيد النشاط المؤسساتي في مدينة النجف ، وكان الكاتب المصري المعروف الدكتور زكي مبارك قد قدم الى النجف الأشرف وتبنّته جمعية (الرابطة الأدبية)، وحضر مجالس الرابطة، وكتب هناك كتابه المشهور (ليلى المريضة في العراق).
وكان لهذه الجمعية أمسية أدبية علمية في ليالي الجمع، بالإضافة إلى إحيائها للمناسبات الدينية، كالمولد والمبعث النبويين، ويوم الغدير، وفي يوم استشهاد أمير المؤمنين(ع)، وكان لها نشاط متميز اسمه (أسبوع الإمام)، تقام فيه الأنشطة العلمية والأدبية في ذكرى مرور أسبوع على شهادة أمير المؤمنين(ع)، حتى سمّيت هذه الرابطة بـ (سوق عكاظ).
ومن أعلام هذه الرابطة: السيد عبد الوهاب الصافي، والشيخ محمد علي اليعقوبي، والأستاذ عبد الرزاق محيي الدين، والسيد محمود الحبوبي، والأستاذ محمد علي البلاغي، بالإضافة الى استضافتهم للشخصيات العلمية والأدبية.
ولا ننسى المشاركات الرائعة للشيخ محمد رضا الشبيبي، والسيد محمد جمال الهاشمي، والشيخ علي الشرقي، والأستاذ محمد مهدي الجواهري، والشيخ عبد المنعم الفرطوسي.
وكانت هذه الجمعية تستقبل الوفود، وكان من جملة الوفود التي استقبلتها وفد من مصر، فحيّوا الوفد شعرا:
إنْ صافحتْكُم هُنا أيدي أحبَّتِكُم ** فإنَّما صافحَتْ مِصْرًا هُنا النَّجَفُ
وقد ألقى السيد محمد صالح بحر العلوم قصيدة في وفد من الكشافة تحت عنوان(شباب النجف). وكانت الوفود تذهب أحيانا الى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والشيخ محمد رضا كاشف الغطاء.
ومن مناسباتهم الأدبية الشعرية ما عرف بـ (معركة الخميس)؛ فكان الشاعر يبتدئ المجلس ببيت من الشعر، ثم يضيف إليه شخص آخر بيتا آخر، وهكذا حتى تكتمل قصيدة طويلة عصماء.
ومن الجمعيات التي تأسست آنذاك جمعية (منتدى النشر) وقد تبنّت الفكر التجديدي الإصلاحي، وكان من أهدافها التجديد في المدرسة النجفية، وأنشأت معهدا للخطابة، ومن أعلام هذه الجمعية: الشيخ عبد الهادي حموزي، والشيخ محمد رضا المظفر، والشيخ محمد جواد قسام، والسيد محمد علي الحكيم، والسيد هادي فياض.
وكانت جمعية (منتدى النشر) تسند من قبل شخصيات تجارية نجفية، كالحاج عبد المحسن شلاش، والسيد حسن زيني، ورؤوف شلاش، ورشاد عجينة، وعبد الغني مرزة، والسيد هاشم الصراف.
وكان لهذه الجمعية منافسات علمية وأدبية راقية مع جمعية (الرابطة الأدبية)، ولن ننسى لقاء الكاتب المصري الأستاذ أحمد أمين، صاحب المؤلفات المشهورة (فجر الإسلام) و(ضحى الإسلام) وغيرها، مع الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء الذي عاتبه ونبهه على أخطائه في هذه المؤلفات وتجنيه على الشيعة في كتبه، فقدم الى الشيخ كاشف الغطاء اعتذاره، وقال إنه لم يكن مطلعا بصورة جيدة على مصادرنا.
هذا وتبع المحاضرة عدد من المداخلات والمشاركات من قبل الحاضرين تركزت بمجملها حول المؤسسات الثقافية والعلمية التي احتوتها النجف الاشرف.