سجاد ال راضي
عندما تختلف الموازين وتنهار ثوابت الاخلاق بسبب الموجات الانحرافية المخططة بخبث عبر الفضاء الرقمي الذي بات منصة يعتليها كل من هب ودب، طلبا للشهرة والنجومية بشكل محسوب او غير محسوب، تتحول أدوات الثقافة والمعرفة والعلم الى أسلحة فتاكة تدمر المنظومة الأخلاقية وتلتهم امان المجتمع وسلامته وتحول الأمعات الى ضحايا يلصقونهم لصقا بحرية التعبير عن الراي!
ومن الملاحظ في الآونة الأخيرة بروز نماذج منحرفة تمتهن التسقيط والسب والشتم والتعرض الى الرموز الاجتماعية والسياسية، لا بل ان هذه النماذج الضالة تعدت خطوط حرية التعبير، لتنال من قامات الفكر والفلسفة والدين وقادة الامة السلامية ومؤسسي الحركات الفكرية التي اثرت عالمنا العربي والإسلامي بالتراث العلمي والثقافي والفلسفي والديني. وفي هذا الصدد قال رئيس تجمع السند الوطني احمد الاسدي:”ان الإساءة للشهيدين الصدرين والمرجعيات العليا وقادة الأمة، إساءة للإسلام وحركته”.
ووصف بعض أساتذة الجامعات الذين استطلعنا آرائهم اليوم حول هذه الإساءة ومن يرتكبها، ان هؤلاء يعون جيدا عبر ما يفعلونه انهم يؤسسون لخطوط نقدية تستقطب اتباعهم من المتأثرين بموجات الالحاد الرقمية، فبات التظاهر بالكفر والالحاد والنيل من الرموز الدينية (موجة او Trend) كما يسمونه وفق مفاهيمهم، ووسائل لرفع نسب المشاهدات والمشاركات والتعليقات والأعجابات، ليمهدوا من خلالها لانفسهم طريق الهجرة عبر تسويق التهديدات والتنمر والمظلومية التي تردهم كردود أفعال عكسية، الى المنظمات الدولية، والكثير منهم يلجا الى ترتيب عمليات استهداف مسلحة مزيفة لتكتمل متطلبات ملفات اللجوء الإنساني والهجرة.
وكما فعل المتنبي عندما قيل له ان فلان هجاك، فأجاب: “هذا صعلوك يريدني ان أرد عليه فيدخل التاريخ”، (فالوشاح) الذي اساء للصدرين قدس سرهما، وغيره ممن سبقوه والذين سيلحقون به ويقلدونه أسلوبا ومنهجا، انما يريدون دخول التاريخ سيما وان الرد المبالغ به سيتولاه مجتمع شبكات التواصل الاجتماعي فيحولون كلماته الرخيصة الى قضية راي عام وبهذا يتحقق الهدف الذي يصبو اليه.
وفي سياق الموجات السلوكية لشبكات التواصل الاجتماعي، يصف أندرو برزيبيلسكي أستاذ تحليل الخطاب عبر شبكات التواصل الاجتماعي والأستاذ المتمرس في جامعة أكسفورد: “ان الصدى الرقمي غير من قوانين الفيزياء في معادلة الفعل ورد الفعل، والصوت وصداه، فأصبح الصدى في الفضاء الرقمي وتحديدا شبكات التواصل الاجتماعي يعادل ألف ضعف قوة الفعل نفسه”. وهذا فعليا ما يحصل اليوم فإزاء أي تغريدة لتافه ما، تسيء لرمز من الرموز العالمية سواء كان مقدسا او ما دونه، تجد ردود الأفعال حولها تنتشر بسرعة الضوء وتأخذ طريقها الى سلوكيات الافراد سلبا وايجابا.
وقد انتقد اغلب القادة السياسيين العراقيين اليوم هذا التصرف المسيء بحق ال الصدر، ومن بينهم هادي العامري رئيس تحالف الفتح الذي اعلن رفضه التام للإساءة للصدر واصفا المسيئين بالأقلام المأجورة. في وقت رفع فيه الممثل القانوني للتيار الصدري دعوة قضائية ضد الوشاح وصدر على ضوئها امر القاء قبض بحقه.
ان الخطر الفعلي لمثل هذه السلوكيات هو تأسيس موجة تجهيل ساندة لموجة الالحاد التي نراها اليوم، تقوم على مضامين خطاب الكراهية الذي لطالما صمت اذاننا به المنظمات الدولية وادبيات المعايير الدولية المطالبة بحقوق الانسان، فهل يعقل ان نقف متفرجين على أمواج بث الكراهية ومضامينها من خلال النيل من الثقافات الاجتماعية على تنوعها ومحاولة غسل ادمغة الشباب والمراهقين من مستخدمي هذه الشبكات الاجتماعية وجرهم الى سوق الابتذال والسب والشتم؟
ان حرية التعبير عن الراي مصانة ان كانت مسؤولة وفي اطر الاحترام والنبل في المواجهة والانتقاد، لكن المؤسف ان عدالة المشغلين لهذه الشبكات منقوصة تنال من جهة وتترك أمثال هؤلاء يعيثون كراهية وخرابا في شبكاتهم.
ومما لا شك فيه ان تنظيم هذا المجتمع محليا عبر تحديث منظومة القوانين والتشريعات الوطنية لتلائم حدود حرية التعبير عن الراي وتحفظ الحقوق، بات اليوم مطلبا أساسيا لا غنى عنه، كذلك تفعيل أدوار الرقابة المجتمعية والهيئات الوطنية المختصة لوضع مدونات سلوك استخدام المجتمع الرقمي ومجتمع المعلومات بما يحفظ قدسية الرموز الدينية والثقافات المحلية ورجالات الفكر والعلم والثقافة. يقف اليوم المجتمع العراقي متفرجا على ممارسات غاية في الخطورة على مستقبل الأجيال يقودها افراد وجماعات مشبوهين او ماجورين يرمون الى خلق الفوضى الرقمية فيتم ترجمتها الى فوضى واقعية، وفي مدار هذه الاجندات والمتغيرات يبرز السؤال الأهم: كيف سنواجه تنمر الملحدين الرقمي؟
المقال السابق