وسام رشيد الغزي
وضعت الأقدار دورة مجلس النواب العراقي الحالية أمام حزمة من المشاكل والمعضلات، جلها كانت نتيجة سوء إدارة الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 التي تبعت تخبطات النظام السابق، والتي أفضت واقعاً أقل ما يمكن أن يًقال عنه أنه مأساوي، وعلى كافة المستويات، أهمهما الخدمية، والتي تسببت بمعاناة المواطنين ولسنين طويلة مضت، مما ضاعف من حجم المسؤولية الوطنية، والأخلاقية إزاء عموم الشعب العراقي.
تَرِكة ثقيلة ورثها مجلس النواب بدورته الحالية، والرئاسة التي تمتلك روحاً مختلفة في التعاطي مع ما يستجد من أمور، وحماسة أقصت الأعراف السابقة، وتعاملت بمسؤولية أكبر، حيث قرارها الجريء بفتح ثاني أكبر ملف من ناحية الأهمية والتأثير في الأوضاع العامة، بمنظور ثابت إذ لا ينبغي تبرير الأخطاء، وتزيين المغانم، وإن سمحت بها الظروف لفترة من الزمن، فإن العقد الأخلاقي بين حُزم مكافحة الفساد لا استثناء فيه، ليكون سابقة بفتح ملفات أخرى لا تقل أهمية عن ملف الكهرباء.
لم تتحمل السلطات التي أدارة البلاد مهامها الحقيقية لسنوات مضت، على الرغم من انتخابها من الشعب، وفي ظرف استثنائي تمثل بوفرة مالية غير مسبوقة في الميزانيات السنوية، واستقرار نسبي بدء فعليا منذ عام 2008، وخاصة في المناطق الجنوبية التي لم تشهد أعمالاً إرهابية، وتخريبية، كما حدث في المناطق الوسطى والغربية وسهل نينوى، وكان من الأجدر أن تبدء فعلياً عمليات إعمار لجميع المرافق الحيوية، وتشييد البنى التحتية التي خلت منها جميع تلك المناطق.
معروف إن التحدي الأبرز الذي واجه جميع تلك الحكومات المتعاقبة، بعد الملف الأمني هو ملف الطاقة الكهربائية، فالعراق يشكو من نقص حاد في ساعات التجهيز للطاقة منذ عام 1991 بعد حرب الخليج التي دُمرت فيها أغلب محطات التوليد والنقل، ولم تتم إعادة إعمارها بشكل كامل لأسباب كثيرة، وأهمها الحصار الاقتصادي المفروض على العراق آنذاك، لكن السلطات بعد عام 2003 تخلفت عن أداء واجبها بهذا القطاع الحساس والضروري لحياة المواطنين، رغم رصد عشرات المليارات من الدولارات، وكل ما تحتاجه وزارة الكهرباء من أموال إضافية.
الطاقة الكهربائية أصبحت أحدى أهم المستلزمات الضرورية للبقاء على قيد الحياة (لبعض الشرائح والمرضى) في بلاد تصل درجة الحرارة فيه في فصل الصيف الى 48 درجة مئوية وربما أكثر، بَيد إن دور السلطات لم يكن يتعدى تخصيص الأموال فقط، دون مراجعتها، ومراقبة آليات صرفها، وتعاقدات الوزارات المعنية مع خططها، وطبيعة تلك الالتزامات المالية، والسقف الزمني لتنفيذ برامج توليد ونقل وتوزيع الطاقة، فضلاً عن إبعاد تلك العمليات عن المحاصصة الحزبية المعمول به في أغلب مؤسسات الدولة العراقية.
ورغم ما شهده مجلس النواب – بدوراته السابقة – من محاولات لتشديد الرقابة، ومسائلة بعض المعنيين بوزارة الكهرباء والنفط، الا إنها اصطدمت بالتحالفات والاتفاقات السياسية التي شكلت الوزارة، ولم يسمح الظرف السياسي والأمني، وطبيعة أداء الكتل البرلمانية آنذاك من الاستمرار بتلك المحاولات، ناهيك عن الإرتهان السياسي لبعض الهيئات الرئاسية للمجلس، وضعف الأداء، وعدم الرغبة في مواجهة الأخطاء الحكومية والتقصير بحزم وجدية التعامل مع الجهات التنفيذية، مما انعكس سلباً على واقع العملية السياسية بكافة تفصيلاتها.
لجنة التحقيق التي باشرت أعمالها فور تسميتها، لاقت ترحيباً واسعاً في الأوساط الشعبية، فضلاً عن الاهتمام الإعلامي الكبير، رغم عدم ثقة المواطنين الناجمة عن سلسلة الوعود لمسؤولي هذا الملف ولسنين طويلة، وهي مؤشرات عن رغبة في أن تكون هذه مجرد محطة، لخطوات قادمة لا تقل جرأة، وحماسة، لفتح المزيد من الملفات بقضايا تخص الهدر بالمال العام، وسوء التخطيط والإدارة، وتحديد مسؤولية التقصير، والقصاص من المتسببين بسرقة المال العام، رغبات كبيرة أيقظت آمالاً كانت قد تلاشت حتى وقت قريب من عمر العملية السياسية.