وسام رشيد الغزي
عَبّر قرار السيد رئيس مجلس النواب العراقي الخاص بتشكيل لجنة تحقيق عالية المستوى حول ملف الكهرباء في المدة 2006 – 2020 عن هواجس مُلحة تُراود المواطن العراقي وتساؤل مشروع ينبغي الإجابة عنه منذ سنين طويلة وهو: أين ذهبت الأموال المخصصة لقطاع الكهرباء.
وبالنظر لقرار تشكيل هذه اللجنة وأهمية الملف، وارتباطه بمعاناة الشعب العراقي من جهة، ودرجة التمثيل بداخل قرار التشكيل من جهةً أخرى، حيث تكوّنت من سبعة رؤساء لجان دائمة في البرلمان، وبرئاسة النائب الأول لرئيس مجلس النواب، فإنها ستكون لجنة (فوق العادة) لا سيما وأنها انبثقت من إرادة تلتمس إجابات ضرورية لجمهور يتظاهر بشكل يومي للتعبير عن غضبه مما آلت اليه هذه القصة التي لا تنتهي على الرغم من تخصيص الحكومات المتعاقبة عشرات المليارات من الدولارات من موازناتها السنوية لهذا الملف دون جدوى.
الجرأة في قرار لجنة التحقيق أهم بكثير من مضمون القرار نفسه، لأنها ستكون نقطة انطلاق لملفات أخرى تستوجب لجان مماثلة للوقوف على التجاوزات الإدارية والمالية، التي أدت الى تعطيل البناء وشلل قطاعات الدولة، وتجريف البنى التحتية، كالزراعة والصناعة وباقي القطاعات الخدمية مثل الصحة والبلدية ناهيك عن جملة من الملفات الأمنية التي أثرت بشكل مباشر على مسارات العملية السياسية وما نتج عنها من مآسي دفع المواطن البسيط ثمناً لسوء إدارتها، واستغلالها لغير الصالح العام.
تحريك المياه الراكدة، وكسر الجمود في كثير من قضايا الفساد وسوء الإدارة يُعد خطوة مهمة واستثنائية؛ فالتحقيق بأثر رجعي ومنذ أربعة عشر عاماً – كما ورد في قرار تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية – يجسد رغبة جامحة للمواطن العراقي الذي يتطلع الى محاسبة المتجاوزين على أموال الشعب منذ بداية العملية السياسية بعد التغيير عام 2003 والى الأن، كون هذا التجاوز والهدر ارتبط بأرقام كبيرة و خيالية، كما هو واضح في التخصيصات التي وضعت لقطاع الكهرباء.
لقد تجاوز ملف تجهيز المواطن بالطاقة الكهربائية ومنذ عقود من الزمن منطق الواقعية والجدية، فقد تناوبت على إدارة الوزارة كتل وأحزاب عديدة تمثل مختلف الوان وطيف الشعب العراقي، وبتخصيصات مالية ضخمة، وتركيز إعلامي كبير وبكَم هائل من التصريحات المتفائلة والواعدة، حتى إنها تحولت مادة لسخرية المواطنين في حينها، إذ كلما تصاعدت تلك التصريحات بقرب انتهاء الأزمة زادت معاناة المواطنين نتيجة الفشل في تقديم الخدمة.
والأغرب في وزارة الكهرباء إن كل طاقم جديد يتولى الوزارة يلعن ويتهم بالتقصير الكادر الذي سبقه بإدارتها، ويشرع بتحديث سلسلة الإجراءات المُتبعة في تنفيذ خطط التطوير، وغالباً ما تكون نسف النسبة المتحققة سلفاً من تلك الخطط والبدء من جديد، ضمن سياق عمل روتيني يرتكز لمصالح الاقتصاديات والشركات المرتبطة بالأحزاب وممثليها ضمن الكوادر المتقدمة لموظفي الوزارة، والمرتبطين معها في الوزارات الأخرى ذات العلاقة.
ولا يمكن لنا أن نتغافل عن تبعات تلك السياسات على المواطن العراقي الذي يئن من قلة ساعات التجهيز في الطاقة الكهربائية، وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف القائظ في العراق لا سيما في هذا العام، حيث يكتسب خصوصية بسبب انتشار جائحة كورونا، ولك أن تتخيل حجم الألم لعائلة مصابة بهذا الفايروس القاتل معزولة منزلياً وبغياب التيار الكهربائي، وهو نموذج بسيط لمعاناة تنسحب على جميع مفاصل الحياة، والتي تسببت في خسائر كبيرة نفسية ومادية كان بالإمكان تجاوزها.