نوري حمدان
قبل اكثر من عشر سنوات اجريت مقابلة صحافية مع وزير الموارد المائية الاسبق عبد اللطيف رشيد، وكان من بين المحاور الرئيسة، المفاوضات مع تركيا بشأن المياه، وتحدثنا عن كيفية تنظيم الاطلاقات المائية التي ترد الى العراق من تركيا، كشف الوزير في وقتها مشاكل كثيرة وكبيرة لم تكن انية بل قديمة حديثة، والوزارة مستمرة في التفاهم مع الجانب التركي وهم يؤكدون تعاونهم مع العراق.
حكمت فرحان احد خبراء وزارة الموارد المائية، وتربطني به علاقة شخصية، جلست معه قبل مقابلة الوزير بهدف التحضير للمقابلة، قلت له اريد ان افتح ملف الدول المتشاطئة مع العراق وبالأخص تركيا، قال: ان تركيا لم ولن تلتزم باية معاهدة دولية ولم توقع اية اتفاق مع العراق، وعاد فرحان بذاكرته الى السبعينات وحدثني عن مقال نشره في مجلة الثقافة الجديدة تحدث فيه عن ازمة المياه مع تركيا، المقال عمل ضجة في اعلام حزب البعث ليس للتهديد في شح المياه، بل لماذا لم يتمكن اعلام البعث من الوصول الى مثل هكذا معلومات (الأنا فوق المصلحة الوطنية)، وقال لي حكمت فرحان ايضا، وهو يعمل في وزارة الموارد المائية في تلك الفترة انه إشترك في الوفد المفاوض مع تركيا ولم يتمكن العراق من اقناع الجانب التركي حتى اليوم من توقيع اتفاق ينظم المياه بين البلدين.
اذاً شح المياه والازمة مع تركيا حقيقة تتطور مع مرور الايام، لاسباب عديدة، من بينها التغيير المناخي، ولا توجد معالجات من الجانب العراقية غير الاعتماد على تركيا، لدرجة تصور البعض ان تركيا غول يريد ان يبتلع العراق، نعم اتفق مع من يقول لتركيا اطماع وطموح في العراق، وفي ارضها ايضا لديها طموح ان توسع اراضيها الزراعية وان تكون المياه لها بغض النظر عن الاضرار التي تسببها للدول المجاورة لها والمتشاطئة معها.
حقيقة شح المياه التي تتصاعد حميتها الان بالتزامن مع تظاهرات غاضبة تطالب توفير الطاقة الكهربائية، ومحاسبة المسؤولين عن تعطلها لاكثر من خمس عشرة سنة، وتتزامن ايضا مع رسم العملية السياسية المقبلة بعد نتائج الانتخابات المتهمة بالتزوير هل ستمرر وينكر وقوع التزوير بها، وهل ستشكل حكومة على اساس المواطنة والابتعاد عن الطائفية ام تكون طائفية تعتمد على تشكيل تحالف الاكثر عدد من المقاعد في مجلس النواب وابعاد الفائزين في الانتخابات بالاكثر عددا.
اعود بقولي الى ان المشكلة ليست جديدة والتفاعل يجب ان يكون بمستواها الطبيعي دون الحاجة الى التصعيد والمهاترات والمزايدات لدرجة تتقاطع التصريحات والمواقف الرسمية وعلى سبيل المثال: (مستشار الموارد المائية يقول انخفاض مناسيب المياه ظرف طبيعي وليس لسد اليسو التركي، فيما يقول نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي انه يتابع بقلق شديد خطر إجراءات الحكومة التركية وتسببها بشحة المياه نتيجة بناء السدود على حساب حياة العراقيين)، وغير ذلك الكثير من المنشوارات على موقع التواصل الاجتماعي لسياسيين ونشطاء واعلاميين يعلنون مقاطعة البضائع التركية واخر يقول (نملأ دجلة بدمائنا) وأخرى تقول انها مفجوعة بدجلة وتتغنى بقصيدة الجواهري (يا دجلة الخير).
النواح والبكاء وتحويل الحقيقة الى اشاعة من مصلحة مَن، هل فعلتها الحكومة لتحويل غضب الشارع الملتهب بحر الصيف ونقص الكهرباء، ام صنيعة احزاب تريد زيادة الغضب على الحكومة. الجميع منتفع من هذه الحقيقة في الاشعاعة لتحقيق اهدافهم وسط إرعاب الناس.