تقرير: إيدا جميدا ـ صحيفة سكوتا ـ جاكرتا
في خطوة مهمة لتعزيز التواصل الفكري بين غرب آسيا وشرقها، وفي إطار مبادراتها باستضافة الشخصيات الفكرية والبحثية وتكريمها، قامت جامعة باليمبانغ في اندونيسيا بتكريم الباحث العراقي الدكتور علي المؤمن، عرفاناً بجهوده البحثية والفكرية، ولا سيما نتاجاته البحثية خلال السنوات الأربع الماضية، وأبرزها كتابه الفكري الرائد “الفقه والدستور: التقنين الدستوري الوضعي للفقه السياسي الإسلامي”، والذي تقرر ترجمته الى اللغتين الإنجليزية والاندونيسية، الى جانب كتابين آخرين.
و تضمنت زيارة الدكتور المؤمن عدداً من النشاطات في جاكرتا وباليمبانغ، أهمها:
1- حفل استقبال ومأدبة غداء على شرف الدكتور المؤمن، حضره رئيس جامعة باليمبانغ البروفسور أحمد سقاف، وعدد من عمداء الكليات التابعة والأساتذة والشخصيات الأكاديمية والفكرية في المقاطعة. وقدّم الدكتور السقاف شرحاً عن الجامعة وكلياتها وأقسامها. كما أهدى الدكتور المؤمن دورات من مؤلفاته الى الجامعة، والتي سبق أن لاقت إعجاباً وتثميناً من الجامعة.
2- زيارة كلية القانون، واللقاء بعميدها وعدد من رؤوساء الأقسام والأساتذة، ومناقشة آفاق التعاون.
3- إقامة تكريم خاص للدكتور المؤمن في الجامعة، بحضور عميد كلية القانون وأساتذتها وعدد من الشخصيات الأكاديمية والفكرية. وأهدت الجامعة للدكتور المؤمن درع الإبداع العلمي وشهادة تقديرية وعدداً من التذكارات.
4- ألقى الدكتور علي المؤمن محاضرة عامة في الجامعة، حضرها عدد غفير من الأساتذة والباحثين، ومايقرب من (200) طالب دكتوراه وماجستير، بعنوان: (( أنظمة الحكم في البلدان الإسلامية بين مشاريع تطبيق الشريعة الإسلامية وإلزامات القانون الوضعي)). وتطرق فيها الى تجارب خمسة أنظمة: اندونيسيا بعد العام 1949، ماليزيا بعد العام 1977، إيران بعد العام 1979، تركيا بعد العام 2002، و العراق بعد العام 2003. و أكد على أن الإشكاليات الفكرية والفقهية والقانونية التي لاتزال تواجه عقيدة هذه الأنظمة و محاولاتها في التوفيق بين أحكام الشريعة الإسلامية ونظم القانون الوضعي، هي إشكاليات شبيهة ومشتركة، ولا تختلف من نظام لآخر، إلّا في بعض التفاصيل المحلية. و المشهد الفكري والثقافي والميداني في هذا المجال نراه في العراق، كما نراه في اندونيسيا، أو إيران وتركيا.
وقال الدكتور المؤمن بأن مطالب بعض الجماعات الإسلامية بالتطبيق الحرفي الجامد لأحكام الشريعة هي مطالبات غير واقعية، لأن البلدان الإسلامية لاتعيش في جزر نائية معزولة علن إلزامات القانون الدولي والقانون الدستوري، وهذه الإلزامات تشكل ضغوطات قسرية لتكييف المتغير في الشريعة، بهدف الحيلولة دون حصول صدام مع إلزامات القانون الوضعي، وإلّا فإن التطبيق الجامد للشريعة سيؤدي الى عدم اعتراف المجتمع الدولي بالدولة الوضعية الحديثة بأركانها الخمسة. والجمود هنا يعني الجمود على مناهج تفسير السلف للنص الثابت وللسيرة ومخرجات هذه المناهج، وعدم أخذ متطلبات العصر ومتغيرات الزمان والمكان بنظر الإعتبار في استنطاق الثابت ومقاصده.
ومن جانب آخر ـ كما يقول الدكتور علي المؤمن ـ فإن عدم واقعية بعض الجماعات الإسلامية تقابلها عدم واقعية من الجماعات العلمانية، فهذه الجماعات تطالب بإقصاء دين الأغلبية السكانية للبلدان الإسلامية عن حركة الدولة ومضمونها. وهي مطالبات تفتقر الى الحد الأدنى من الواقعية، لأن طبيعة الدين الإسلامي المختلفة عن الديانة المسيحية التي نشأت العلمانية في أجوائها، تجعله يغطي جميع مساحات الحياة، بما في ذلك الأحكام والعقود العامة التي تستلزم تنفيذها من قبل الدولة ونظامها حصراً، والنظم الإجتماعية الملزمة لجماعة المسلمين، والتي لايمكن تعطيلها. وبالتالي كيف يمكن الطلب الى المسلمين تعطيل هذه الأحكام بذريعة فصل العقيدة والشريعة عن الدولة ونظمها القانونية؟.
ويعتقد الدكتور المؤمن بأن حل هذه الإشكاليات يكمن في تكييف نظم القانون الوضعي لتنسجم مع أحكام الشريعة، والعمل في مساحة متغيرات الشريعة لتلتقي منهجياً مع القانون الوضعي. و أكد على أهمية التعرف على تجربة الفقه السياسي الإسلامي الشيعي في هذا المجال، وهي تجربة جديرة بالبحث العلمي بموضوعية، بعيداً عن تجاذبات الواقع الإسلامي وانفعالاتة.
وبعد الإنتهاء من محاضرته، أجاب الباحث المؤمن على مداخلات الأساتذة والطلبة، في أجواء من التفاعل الفكري والحوار الموضوعي، والتي تقاسمها الإسلاميون والعلمانيون الحضور، فضلاً عن عدد من غير المسلمين.
5- التوقيع على إتفاقية تعاون، تضمنت ضم الدكتور علي المؤمن لعضوية الهيئات العلمية لبعض الدوريات المحكمة في جامعة باليمبانغ، وترجمة بعض مؤلفاته.
6- إجراء مقابلة مع إحدى القنوات التلفزيونية الإندونيسية.
جدير بالإشارة، أن جامعة باليمبانغ الحكومية، إحدى أهم جامعات اندونيسيا، وتحضى بتصنيف عالمي متقدم، و تضم (30) الف طالباً في إطار تسع كليات، وأقسام للدراسات العليا، ومعاهد ومراكز بحوث.