هنأ سيادة رئيس الجمهورية الدكتور برهم صالح المسيحيين، وسائر العراقيين، بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية .
وقال سيادة الرئيس، في كلمة له خلال حضوره و السيدة الاولى سرباغ صالح، قداس في كنيسة مار يوسف، مساء اليوم الاثنين 24/12/2018، بمناسبة مولد السيد المسيح (عليه السلام)، إن “بداية نهاية الارهاب صنعت هنا في العراق، وقد صنعها العراقيون ببطولاتِهم وتضحياتِهم”.
وأكد سيادته أن “الهجمة كانت شرسة ووحشية ضد المسيحيين ومسيحيي الشرق، وأبناء الديانات الأخرى، من قبل التكفيريين والارهابيين”، مشددا على ان “مواقف أبناء شعبنا من المسيحيين كانت صلبة في مواجهة المحن وفي تمسكهم الوطني والانساني”.
وقال رئيس الجمهورية “بهذا التلاحم انتصرنا على الإرهابيين، بوقوفِنا معاً، وبوقوف الأصدقاء المخلصين والحلفاء معنا ومع قواتنا التي سطّرت واحدةً من أعظم البطولات في دحر الارهابِ والارهابيين”، لافتا الى ان ” المتطرفين لم يعبروا بسلوكهم المنحرف عن دين أو خُلقٍ انساني، فالموقف الشعبي الموحد ضد الجريمة والمجرمين أكّد عزل هؤلاء وشذوذهم، كما أكدهُ الموقف الكبير للمرجعية الدينية العليا التي حشدت الشعب في موقف بطولي وشجاع ضد الإرهاب”.
واضاف الرئيس برهم صالح ان” التنوع الإثني والقومي يعتبر دوماً في المجتمعات العراقية عنصر قوة وحيوية وتلاقحا للثقافات والحضارات المختلفة على أرض الرافدين، أم الحضارات ومهدها”، داعيا سيادته الى “اغناء هذا التنوع وحمايته والتمسك به وتعزيزه بالقوانين والتشريعات التي ترفض خطابَ الكراهية وتعاقبُ مرتكبيه.”
واكد سيادته اهمية السعي لتأمين مستلزمات البناء وتحقيق الامن ومحاربة الفساد ومواجهة المشكلات الاقتصادية والادارية والسياسية واستكمال بناء العراق الديمقراطي الاتحادي المستند الى الدستور.
وفي ما يلي نص الكلمة:
“بسم الله الرحمن الرحيم
(( إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ))
صدق الله العظيم
أيها العراقيون، من مسلمين ومسيحيين ودياناتٍ وطوائفَ اخرى..
يا من آمنتم بالسيد المسيح، عليه السلام، وبرسالتِه من أجل الإيمان والمحبة والسلام..
السلامُ عليكم ورحمة الله و بركاته
مع إطلالة ذكرى مولد سيدنا المسيح نتقدم بأحرِ التهاني إلى مسيحيي العراق حيثما كانوا وإلى عموم العراقيين والإنسانية جمعاء متضرعين الى الله أن تكونَ حياة الجميع مكللةً بالخير والمحبة والأمان..
أتحدث هنا في بغداد، وفي ليلة عيدِ ميلادِ سيدِنا المسيحِ (عليه السلام)…. و ربما لن يختلفَ حديثي كثيراً فيما لو كان في جامعٍ أو كنيسةٍ أو معبدِ أية ديانةٍ من ديانات العراقيين، فهذه هي رسالة الوحدة التي احملها كرئيسٍ لجمهورية العراق وأقدمها لكل العراقيين بمختلف دياناتهم وأجناسِهم وانسابهم، إنها رسالة معنية بقضية الانسان والمواطنة، وبسعينا لبناءِ وطنِنا على أسسٍ صحيحة تستند على قيم التسامح والعدل والإصلاح وحكم القانون والمساواة أمامه..
وإذ اهنئ العراقيين جميعاً بمختلف مكوناتهم، فإنني أخص بالذكر منهم الأخوةَ والأخواتِ المسيحيين الذين اثبتوا مرةً بعد أخرى أنهم أتباعٌ حقيقيون للسيد المسيح ولمبادئه في المحبة والسلام، وذلك بمواجهتِهم قسوةَ الارهاب بصبرٍ وتضحياتٍ وعطاءٍ كبير، و بمزيد من الارتباط وشد الاواصر مع بلدِهم وشعبِهم.
يجب أن نقر ان هذه الهجمة كانت شرسةً ووحشيةً ضد المسيحيين، وأبناءَ الدياناتِ الأخرى. ولم يكن هذا في العراق حصراً، فمسيحيو الشرق، في العراق وفي سورية ومصر تعرضوا لاعتداءاتٍ إجرامية من قبلِ التكفيريين الإرهابيين. وكانت مواقفُ المسيحيين صلبةً في مواجهة المحن وفي تماسكهم الوطني والانساني، لقد كانوا مثالاً نبيلاً لتجسيدِ أخلاق ومبادئ سيدنا المسيح عليه السلام..
اننا على يقين أنَ المتطرفين لم يعبروا بسلوكهم المنحرف عن دين أو خُلقٍ انساني.. فالموقف الشعبي الموحد ضد الجريمة والمجرمين أكّد عزل هؤلاء وشذوذَهم، كما أكدهُ الموقف الكبير للمرجعية الدينية العليا التي حشدت الشعبَ في موقف بطوليٍ وشجاع ضد الإرهاب.
بهذا التلاحم انتصرنا على الإرهابيين، بوقوفِنا معاً، وبوقوف الأصدقاء المخلصين والحلفاء معنا ومع قواتِنا التي سطّرت واحدةً من أعظم البطولات في دحر الارهابِ والارهابيين..
ولنا أن نقولَ، وأن يفخرَ أبناؤنا بعدنا، إن بدايةَ نهاية الارهاب صُنعت هنا، في العراق، وقد صنعها العراقيون ببطولاتِهم وتضحياتِهم. وإن كان الثمنُ عظيما فواجبنا الحفاظ على النصر بالاصلاح و المصالحة و استئصال الفكر المتطرف.
لقد كان التنوعُ الديني والقومي دوماً في مجتمعنا عنصرَ قوةٍ وحيوية وتلاقحاً للثقافات والحضارات المختلفة على أرض الرافدين، أم الحضارات ومهدِها. علينا ان نسعى لاغناءِ هذا التنوع ونحميهِ ونتمسكُ به وأن نعززَه بالقوانين والتشريعات التي ترفض خطاب الكراهية وتعاقبُ مرتكبيه، نغنيه بتواصلِنا – قياداتٍ ونخباً – وبعملِنا المستمر، نتمسك به لأنه من أهم معالمِ قوتِنا وعمقِنا عبر صفحاتِ التاريخ.
عامٌ جديدٌ سيطل علينا وأبناؤنا يعانون في مخيمات النزوح. واللاجئون يأملون أن يعودوا إلى ديارهم، لا يمكن أن نشعر براحةٍ وطمانينة وأبناءُ وأراملُ شهدائِنا لم يأخذوا حقوقهَم لتأمينِ معيشتهم بكرامة وعزة.
لا يمكن أن نشعر براحة وسكينة وأبناؤنا من إيزيديين ومسيحيين وشبك وكاكائية ومكونات اخرى مهجرون من منازلهم ومدنهم وقصباتهم في سهل نينوى، ولا يمكن أن نشعر براحةِ البال وأمهاتُ وأخواتُ وأبناءُ أهلِنا الايزيديين في سنجار ينتظرون كل يوم أن يلتقوا باعزائهم الذين اختُطفوا من قبل المجرمين الذين غيّبوهم وما زالت مصائرُ الكثير منهم مجهولةً.
أمامَنا سيداتي سادتي تحدياتٌ كبيرةٌ لخدمة اهلنا وإنصاف الضحايا وذويهم، ويجب أن نتذكر بأن أمامنا مسؤولية كبيرة لمواجهة الفكر المتطرف واستئصاله من خلال عملٍ مجتمعي وثقافي وقانوني، وفي هذا السياق يكون دور رجالِ الدين والعلماءِ مهماً بل حاسماً في كل المراكز الدينية، قبل اسابيع تشرفت بلقاء قداسة البابا فرانسيس في الفاتيكان، وتحدثنا عما يمثله العراق من رمزية تاريخية وحضارية مهمة في مواجهة الفكر المتطرف، دعوته ان يزورنا هنا في العراق، ويأتي الى اور حيث بدء سيدنا ابراهيم برسالته السمحاء، ونطلق من هناك، كل القيادات الدينية ورجالاتنا وعلماؤنا دعوة للتصالح، ودعوة للوحدة في مواجهة الارهاب والتكفير.
عامٌ جديدٌ سيطل علينا، يحمل في طياتهِ آمالَ وتطلعاتِ شعبِنا الذي عانى من الإرهاب وسوءِ الإدارة والعنف، عامٌ جديد ونحن أمام حكومةٍ عراقية جديدة، يترأسها الاخ العزيز الدكتور عادل عبد المهدي صاحب برنامج للنهوض ببلدنا، ندعمه ونسانده، وادعوكم للدعاء لنجاحه، وان نعمل من اجل انجاحه ليتحقق ما يستحقه هذا البلد.. عراق امن مع شعبه ، وعراق امن مع جيرانه.
امامنا، كسياسيين وكمسؤولين مهمة أن نراجع أداءَنا، وأن نؤكد للشعب أننا تعلمنا فعلاً من هذه الدروس القاسية.
سيسامحنا الشعب إن بيّنّا أننا بقدرِ المسؤولية، وأجدنا الاداءَ ضمن دوائر عملنا في منظومة الحكم.
علينا السعي لتأمينِ مستلزماتِ البناء وتحقيقِ الأمن ومحاربةِ الفساد ومواجهةِ المشكلات الاقتصادية والإدارية والسياسية، وإستكمال بناء عراق ديمقراطي اتحادي المستند الى الدستور.
يجب أن نذكّر أنفسنا بأننا أبناءُ المدرسةِ الإبراهيمية، ومدرسةِ السيد المسيح، المبعوثِ لكلِ البشر، وإن مبادئَ رسالتِه السماوية في بناءِ الإنسانِ والسلامِ والمحبةِ هي مبادئٌ مشتركةٌ لكلِ الديانات والرسالاتِ السماوية السمحاء، وهي محورٌ إنساني تلتف حولَه وتستلهمُه أممُ المضطهدين وآمالُهم من أجلِ الخلاص والانتصارِ على الشر وإشاعةِ الخير.
ليكن اللهُ في عوننا، ولنكن في عونِ أنفسنا من أجل عمل المطلوب منا، من أجل سلام العراق والعراقيين وأمنِهم ورفاههم.
ليكن عامُنا الجديد عاماً للنهوض والبناء وترسيخ السلام.
كلُّ عام والجميعُ بخير
الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ.
شكرا جزيلا ودمتم”.