خلال لقائه نائب رئيس بعثة الأمم المتّحدة في العراق: سماحة السيد أحمد الصافي يضع النقاط على حروفٍ هامة في الشأن العراقي
وفدٌ رسمي رفيع المستوى ترأّسه نائبُ رئيس بعثة الأمم المتّحدة يونامي في العراق السيدة (أليس وولبول) زار العتبة العبّاسية المقدّسة يوم الأربعاء (16 محرّم 1440هــ) الموافق لـ(26أيلول 2018م) .
وقد طلب الوفد اللقاء بالمتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي(دام عزّه)، في اللقاء جرى مناقشة عدّة مواضيع تمّ من خلالها الإيضاح والإجابة عن بعض الاستفسارات التي تخص الشان العراقي، والتي طُرحها الوفد، وتمحورت عن قضايا اجتماعيّة والسياسيّة واقتصاديّة.
شبكة الكفيل العالمية كانت حاضرة في اللقاء، وتنقل هنا بعض محطاته.
حيث تحدّثت السيدة (أليس وولبول) قائلةً: هذه ليست أوّل مرّة أزور فيها مدينة كربلاء، لكنّها المرّة الأولى التي أزور فيها العتبة العبّاسية المقدّسة، وأودّ أن أهنّئكم للوصول الى حلٍّ سلميّ للمشكلات التي كانت تعاني منها البصرة والمحافظات الجنوبيّة، وأنتم شخصيّاً كان لكم دورٌ مهمّ، وكلّ من يؤمن بالسلام وبالخصوص المحافظات الجنوبيّة مدينون لكم بهذا العرفان.
وأضافت بسؤالٍ الى سماحة السيد الصافي: أنا مهتمّةٌ لأن أستمع منكم عن دور المرجعيّة ونحن نقترب من فترةٍ حسّاسة، وهي فترة تشكيل الحكومة، وكيف ترون دور المرجعيّة ودوركم شخصيّاً في دعم واستقرار الحكومة الجديدة؟ وما هي نواياكم وأملكم للحكومة القادمة وتأثيرها على الشعب العراقي؟
فأجاب سماحته: نحن نثمّن دور الأمم المتّحدة في العراق وبعض الدول لما لها من أثرٍ كبير في مجمل القضايا سواءً كانت اجتماعيّة أو اقتصاديّة أو سياسيّة، ونحن نتطلّع الى دورٍ أكثر جدّية وإلزام الى بعض الأطراف التي لا تحبّ الاستقرار، وكلّما كان دور الأمم المتّحدة له فاعليّة أكثر كلّما كان الاستقرار موجوداً.
وأضاف: نحن لا ننكر وجود مشكلات كبيرة في البلد، ولكن مقوّمات النهوض في العراق كلّها موجودة، والمشكلة التي نعاني منها هي في الواقع مشكلتان أساسيّتان، وهما: الأولى عدم وجود إرادة جدّية من الحكومات للقضاء على المشاكل، والثانية: وجود آفة الفساد المالي والإداري، وبالنتيجة هذه هي الآفة التي جاءت بداعش، ولم تُبنَ الدولةُ الحديثة الى الآن بالشكل الصحيح، وكما تعرفون أنّ هناك رؤية للمرجعيّة أعتقد أنّها أصبحت واضحة لكم ولكلّ المطّلعين على الشأن العراقيّ، وهي أنّ المرجعيّة العُليا دائماً تُحافظ على المصالح العُليا للشعب العراقيّ، وتقدّم النصيحة والمشورة والإرشاد ولا تتعدّى هذه الحدود إن كانت الجهات المعنيّة بذلك تُمارس دورها بشكلٍ طبيعيّ، لكن عندما تتخلّى الجهات الحكوميّة عن مسؤوليّتها المباشرة فلا شكّ أنّ ذلك سيسبّب مشاكل متفاقمة تنعكس على الشعب العراقيّ.
كما أنّ علاقة المرجعيّة بالشعب هي علاقة وطيدة، والشعب يرجع الى المرجعيّة ويستنير بآرائها في المشكلات سواءً كانت فرديّة أو مشكلات اجتماعيّة، والمرجعيّة تتفاعل مع هذا المشكلات وتوصي الجهات المعنيّة بتلبية حاجات الناس.
وأكمل قائلاً: لكن للأسف الشديد لم تكن هناك آذان صاغية من قبل المسؤولين أن يسمعوا كلام المرجعيّة، ممّا قد سبّب مشكلتين كبيرتين هما:
المشكلة الأولى: دخول داعش واحتلال ثلث العراق، حيث وقفت الحكومة عاجزةً لا تعرف ماذا تفعل، ممّا اضطرّ المرجعيّة الى أن تتصدّى الى ذلك بالقوّة، وأصدرت فتواها المعروفة التي حمت العراق وغير العراق، والاستجابة كانت سريعة منذ اللحظات الأولى لتلك الفتوى المباركة وبحمد الله تمّ النصر، وإنّ جهاتٍ غربيّة قالت أنّه لا يُمكن حلّ هذه المشكلة إلّا بحدود ثلاثين سنة كحدٍّ أدنى، وقد تمّ حلّها بثلاث سنوات لجدّيّة المقاتلين وقناعتهم بالهدف الذي جاءوا لأجله.
المشكلة الثانية: مشكلة البصرة التي تُعتبر هي مشكلةٌ لها شبيه في باقي المحافظات، لكن لأنّ المشكلة قد تعلّقت بالحياة المباشرة للمواطنين بكلّ دقيقة وبكلّ لحظة، وقد حُلّت المشكلة -بحمد الله- بأيّام قليلة لا تتجاوز الـ(15) يوماً، وأيضاً وفدُ المرجعيّة الخبير لا زال موجوداً وسيبقى مرابطاً في تلك المنطقة ويُراقب الى فترة قد تصل الى سنة، خوفاً من حدوث أيّ معوّقات جانبيّة، والعمل أُنجز بشكلٍ مباشر والكثير من الأحياء -بحمد الله- قد وصل اليها الماء الصالح للشرب، وباقي الأحياء قد تستغرق (10) أيّام لا أكثر، فهناك تجاوزاتٌ على شبكات المياه في تلك المنطقة قد نشأت من جهاتٍ متنفّذة داخل المحافظة، ممّا أدّى الى عدم وصول الماء الى المناطق السكنيّة، وبالتأكيد المشكلة الأساسيّة هي المشكلة التي يتمتّع بها المسؤولون ولعدم خبرة الكثير من الدوائر في صرف الأموال بالشكل الدقيق، وعدم الاعتماد على شركات علميّة رصينة، وأيضاً التدخّل الناشئ من جهاتٍ غير مختصّة، ولعلّ من جملة المشاكل الخطرة عندما يتحوّل السياسيّ الى تاجر، فإنّ الأمور ستنعكس سلباً على حياة الناس، هذا ما يتعلّق بملفّ البصرة.
نحن نتطلّع الى أمل، وهذا الأمل يُطبّق إذا التزم الساسة بنصائح المرجعيّة، والمرجعيّة لا تريد شيئاً خاصّاً وإنّما تبحث عن راحة الشعب، ولا شكّ أنّ الحكومة هي أداة من الأدوات في خدمة الشعب، فعندما تحدّد مواصفاتٍ معيّنة لشخص رئيس الوزراء أو الى من يتبوّأ مقعداً مهمّاً، فهذه المواصفات إذا لم تطبّق ستبقى المشكلة قائمة، وهذه المسألة الساسة هم من يتحمّلون وزرها.
أُضيف الى ذلك أنّ المواصفات التي طلبتها المرجعيّة هي مواصفات متوفّرة، وإنّ الكثير من العراقيّين يتمتّعون بكفاءة وقدرة ونزاهة وعلم، لكن المشكلة أنّ هؤلاء لم تُعطَ لهم الفرصة والصلاحيّة، فأصبح عندنا المتصدّي غير كفوء والكفوء غير متصدّي.
أودّ أن أسأل سماحتكم حول المشورة والنصيحة التي ستقدّمونها لنا، لأنّنا سوف يُطلب منّا مساعدة الحكومة الجديدة لتكون أفضل حكومة يستحقّها العراق، فما هي المشورة والنصيحة التي تقدّمها لنا في طريقة دعمنا؟
الأمم المتّحدة تمثّل مظلّة عالميّة ولا تميل لطرفٍ دون آخر، فإذا سعت بشكلٍ جادّ لإعادة الثقة ما بين الأطراف ودفعت بعجلة القضاء على المشكلات الحقيقيّة، كما قد كنت في البصرة، فقد جاء فريقٌ من اليونيسكو وكان مجيئُه لمساعدتنا في التخلّص من بعض المشاكل في المياه، وبالفعل أرسل لنا مضخّتين للماء الى أحد الأماكن حتّى تساهم في ضخّ الماء العذب، وقد كانت خطوة موفّقة بشرط أن لا تدخل فيها العناوين السياسيّة، ولا شكّ أنّ العراق لديه مشكلات كبيرة سواءً في التعليم أو الصحّة وأمراض كثيرة، وشحّة المياه قد تزداد في المستقبل لعدم تنظيم الموارد المائيّة مع بعض دول الجوار، فهناك مشكلاتٌ قد تكون مشكلات مترقّبة، فإذا لم تكن هناك ثقةٌ ما بين الأطراف ستتحوّل هذه المشكلات الى صراعات، ومن الصعب أن تتحوّل المشكلة الى صراع، خصوصاً إذا -لا قدّر الله- كانت تلك الصراعات صراعات مسلّحة، سيصعب تداركها بعد ذلك، فإذا كان هناك دورٌ تقوم به الأمم المتّحدة فلتقرّب وجهات النظر وتزرع الثقة ما بين الفرقاء، عند ذلك سيستفيد الجميع وبعكسه سيخسر الجميع.
وبعد اللقاء زار الوفد متحف الكفيل للنفائس والمخطوطات واطلع على محتوياته وأبدى اعجابه بالامكانات العراقية التي أسست المتحف عام 2009م وصنعت عارضاته المتحفية ونظمت مقتنياته وصانتها وفقاً لأعلى المواصفات العالمية، وبإمكانات ملاكات المتحف نفسه.