نص كلمة رئيس الجمهورية في افتتاح الدورة الرابعة لمجلس النواب الْيَوْمَ الاثنين 2018/9/3

0 134

 

“بسم الله الرحمن الرحيم

حضرات السيدات والسادة، أعضاء مجلس النواب في دورته الرابعة،
أيها الضيوف الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
تغمرني مشاعرُ ثقةٍ واعتزازٍ، إذ أتحدثُ إليكم في إفتتاحِ هذه الدورة التشريعية الرابعةِ لمجلسِ النواب.. والتي دعونا الى انعقادها اليوم.. إستناداً لأحكام الدستور.. منطلقينَ من حرصٍ بالغٍ على منحِ مجلسكم الموقر.. إمكانيةَ مباشرة مهامه وصلاحياته الرسمية في الموعد الدستوري المقرر.. بعد ان صادقت المحكمة الأتحادية العليا على النتائج النهائية للإنتخابات التشريعية الأخيرة.
وانها لحظةٌ تاريخيةٌ بلا ريب، أن يتزامنَ انعقادُ إجتماعكم هذا.. مع الذكرى الاولى لانتصار بلادنا على الارهاب.. بعد حرب بطولية ظافرة كلفته تضحيات بشرية ومادية جسيمة.. واقترنت بمعاناته.. في مواجهة الازمة الاقتصادية بسبب هبوط أسعار النفط عالميا.. وكلُّ ذلك لم يَفتَّ في إصرار شعبنا وعزمه على التمسك بالنظام الديمقراطي الاتحادي.. والتداول السلمي للسلطة.. وتعزيز وحدته الوطنية.. وتعميق روح الحوار والتفاهم والتكافل بين العراقيين.. لمعالجة المشاكل والصعوبات التي تعترضهم.
ففي هذه المرحلة المفعمة بالآمال من تاريخ شعبنا.. وحيث يسترجع العراق بثقة وواقعية مكانته اللائقة على المستويين الاقليمي والدولي.. مكتسباً ثقة واحترام العالم اجمع.. شعوباً وحكومات ومؤسسات اقتصادية واستثمارية واكاديمية وثقافية ورياضية.. تقع على كاهل مجلسكم مهام جسيمة.. لا مناص له من الاضطلاع بها بشكل مسؤول وعاجل ومثمر.. وكلّنا ثقة في أن تستطيع هذه الدورة الجديدة.. ان تحقق مساهمة فعلية كبيرة.. في إثراء الممارسة الديمقراطية لبلادنا.. وتحصين مكاسبها.. ومعالجة نواقصها وعثراتها.. بما يضمن منحها المزيد من القوة والعزم على تقوية المسار الديموقراطي الاتحادي.. وتطوير نظامنا السياسي.. الذي يمثل أساساً صلباً من أسس الدولة الديموقراطية العراقية الحديثة التي نطمح لها.. دولة المواطنة الحريصة على قيم التعدد والاختلاف.. والمشاركة والمساواة والانفتاح.. والحوار والتوافق والتوازن الخلاق.
وإذ يحدونا أمل قوي.. بأن تتوفق هذه الدورة في اختيار حكومة جديدة كفوءة وقوية.. وقادرة على تحقيق برنامج حكومي تقدمي وشامل يلبي مطالب الشعب وطموحاته.. وتكون في مستوى تطلعاته الى الحياة الكريمة.. لا يسعني الا أن أتمنى لكم النجاح الكامل في تحمل الأمانة وأداء مسؤولياتكم الوطنية الكبيرة، آخذين بنظر الاعتبار بأن العلاقات المثمرة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وكذلك القضائية.. يلزم ان تتم في إطار من الاحترام الكامل لبنود الدستور.. كما أن التعاون ما بينها.. لا بد ان يتم بحرص مشترك على احترام صلاحيات كل مؤسسة من المؤسسات، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفي أفق من العمل المشترك والمتكامل على خدمة المصالح العليا لبلادنا وشعبنا.
لقد عاش العراقيون من كل المكونات على أرض وطنهم العراق.. فقد اختلطت على ثراه القوميات والامم والاديان والمذاهب والالوان.. متعاونين متحابين في جو من التآلف والإخاء والثقة بالنفس.. فأقاموا بعض أعظم الحضارات الانسانية في الماضي المنظور.. ولا زالت روحُ الوحدة والتآخي جوهر علاقاتهم. فلا انتصار على الارهاب والتخلف والبطالة والفقر والجهل والتطرف والافكار التكفيرية من دون ضمان الحقوق الدستورية للجميع.. وترسيخ قيم المواطنة والوحدة الوطنية.. وإعلاء روح التضامن والتسامح.. وضمان وتعزيز مساحة الحرية التي يكفلها الدستور. ولا دولة ديموقراطية مستقلة وموحدة وذات سيادة من دون ان ترتكز على مقومات دولة القانون والحريات الفردية والجماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واللغوية.
اننا بلا ريب.. بحاجة ماسة الى إجراء وقفة نقدية لكل الجوانب التي تخص نظامنا السياسي والامني والاقتصادي والتربوي.. ليس من اجل المراجعة في حد ذاتها، انما من اجل تطويره بما يضمن تحقيق المصلحة الوطنية العليا التي هي مصلحة كل العراقيين وليس فئة او فئات منهم وحسب.
إن العراقيين اليوم.. يحتاجون للتنمية المتوازنة والمستديمة.. التي تضمن الكرامة للجميع وتوفر الدخل وفرص العمل، وخاصة للشباب، وتساهم في احلال السلم الاهلي والاستقرار والانخراط في الحياة المهنية والعائلية والاجتماعية التي يطمح إليها كل مواطن. كما يتطلعون لتعميم الضمان الصحي والتعليمي.
ان المسؤولية تقتضي أن ننهض وأن نعمل ونبادر في كل مجال يكون فيه ذلك ممكنا. وان بلادنا تواجه الآن اخطار الاعتماد الاحادي على النفط ما يستدعي الاهتمام والحرص على تجديد وتطوير اقتصادنا الوطني وتنويع موارده من شتى القطاعات الانتاجية الاخرى لا سيما الزراعية والصناعية والتجارية والسياحية.. ولا يتم هذا من دون تخطيط علمي.. ومشاريع مدروسة تستفيد من خبرات وتجارب دول صديقة وشقيقة تتقارب تجاربها التنموية وظروفها مع تجارب وظروف بلدنا.. وبما يحفز على الاستثمار، ويعجل بالتنمية في كل المجالات.
وهذا يقتضي ايضا.. رفض مظاهر الفساد بكل اشكالها ورفض استخدام الطائفية والفرقة والكراهية بين العراقيين انفسهم.. ودحر كل سعي تكفيري يتلبس برداء الدين ويستخدم رموزه وافكاره للاضرار بشعبنا وببلدنا.
كما يتطلب ضمان احترام حقوق المرأة التي نص عليها الدستور.. عبر القضاء على كافة أشكال التمييز ضدها ومنحها كامل حقوق المواطنة ومنها حق المساواة بالرجل في تولي مواقع قيادية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

حضرات السيدات والسادة،
ان هذه الدورة الرابعة لمجلس النواب، تأتي في ظرف دقيق يقترن بعزم العراقيين على المضي قدماً لاستكمال بناء دولتهم الحديثة والمتقدمة الساعية، كأي دولة ديمقراطية، الى توفير كافة الخدمات التي كفلها الدستور والقانون لكل المواطنين. ونتطلع بشكل خاص الى حماية حقوق المواطنين في المناطق المحررة وكذلك النازحين والأسرى بموازاة المباشرة باعمار المناطق المحررة وكل البلاد.
ومن هنا تأكيدنا الثابت.. على ضرورة معالجة ظواهر البطالة والفقر.. وتعميق التوعية المجتمعية وتطوير المناهج التعليمية والتربية وتوفير الخدمات.. الى جانب تعزيز السلم الاهلي وتعزيز التعاون الامني الاقليمي والدولي.. فضلا عن التركيز الخاص على معالجة ملف المياه على المستوى الاستراتيجي بعد ان اصبح لانخفاض منسوبات المياه تأثيرات خطيرة على البيئة والزراعة والثروة الحيوانية والاقتصاد في كل البلد، وتفعيل التحرك دوليا لضمان حقوق العراق المائية وحل كافة المشاكل الاخرى وتعميق الوعي بضرورة حل كافة المشاكل ومعالجة التجاوزات والاخطاء والعمل على إشراك كل الكفاءات الوطنية، والفعاليات الجادة، وجميع القوى الحية للشعب من اجل تحقيق التقدم الشامل الذي نطمح إليه.
السيدات والسادة اعضاء مجلس النواب الجديد،
انكم مسؤولون أمام الله، وأمام الشعب وأمام الدستور عن احتياجات العراق والعراقيين. وأنتم مطالبون بالانخراط في الجهود الوطنية، بكل صدق ومسؤولية، لتغيير هذا الوضع، بعيدا عن أي اعتبارات شخصية أو حزبية. فالوطن للجميع، ومن حق كل العراقيين أن يستفيدوا من التقدم، ومن ثمار النمو.
وقفة اجلال لشهداء حرية العراق ومستقبله الديمقراطي.
النصر الدائم والسلام والتقدم لشعبنا.. وكل تمنياتنا لكم بالنجاح في انجاز المسؤولية الوطنية الجسيمة، الملقاة على عاتقكم، لما فيه صالح الوطن والمواطنين.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.

اترك رد