زلزال النجف الثاني..

0 163

 

د . ابراهيم بحر العلوم

شهد العراق حدثين مهمين انطلقا من النجف بهدف تحصين العراق وسيادته الوطنية والحفاظ على العراقيين شعبا وامة وكان الفارق بينهما قرابة اربع سنوات.
كان الاول في حزيران ٢٠١٤ حيث اعلنت المرجعية الدينية فتوى الجهاد الكفائي لمحاربة داعش وانتفض العراقيون اثر الفتوى التاريخية هذه من مختلف محافظات الوسط والجنوب دفاعا عن الارض والعرض ارهاب التكفير الداعشي وحقق الله النصر على ايديهم بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة واستعاد الجيش هيبته والقوات الامنية دورها والحشد الشعبي ريادته التضحوية والحشد العشائري والبيشمركة الدور الرائع لحفظ وحدة الوطن وترابه.
جاء هذا الحدث الزلزالي بعد انتخابات ٢٠١٤ والاستعداد لتشكيل الحكومة الجديدة.
الحدث الزلزالي الثاني.. جاء يوم امس الجمعة وحسب “مقياس رخيتر” لا يقل قوة عن الاول جاء ليعيد بناء مؤسسات الدولة ويضع القوى السياسية امام مفترق طريق جديد، وجاء بعد ان بدأ الشارع العراقي حركته الاحتجاجية لاستعادة حقوقه ومواجهة سطوة الاحزاب السياسية ومكافحة الفساد.. جاءت خطبة الجمعة ٢٧ تموز لتلملم حركة الاحتحاجات وتضعها في السياق الايجابي المؤثر في عملية التغيير وترسم ملامح المرحلة القادمة بوضوح لا لبس فيه، بناء مؤسسات الدولة بشكلها السليم عبر تشخيص العلة التي اعاقت بناء الدولة وابتليت به الطبقة السياسية الحاكمة وهو داء المحاصصة الذي وأد عملية البناء، فاشارت المرجعية ان مستقبل الاحزاب السياسية رهنا بالتزامهم رفض المحاصصة ولا يتم ذلك الا باختيار رئيس الوزراء بمواصفات ومعايير تختلف عن المراحل السابقة لديه الشجاعة والجراة وقادر على مكافحة الفساد ويمتلك برنامجا لتحسين الخدمات ويكون مسؤولا عن كابينته الوزارية اي بمعنى عدم تدخل الاحزاب في اختيارها ويتحمل الرئيس مسؤولية ذلك .
هذه الخطوة تعني ان تحجيم الفساد المالي والاداري اساسه الانقضاض على الفساد السياسي. من جهة اخرى وضعت المرجعية السلطات الثلاثة “وهذه للمرة الاولى التي يحدث فيها ذلك” السلطة القضائية في اختبار امام الجماهير فان قامت احدى هذه القوى عرقلة عملية الاصلاح فللشعب الدور في تطوير الياته الاحتجاجية واساليبه السلمية لتصحيح الاوضاع!.
واذا كان الزلزال الاول قد حفظ للبلد وحدة ترابه وحماية المواطن من الاعتداء والارهاب في حرب ضروس دامت اكثر من ثلاث سنوات انتصرت فيها ارادة الشعب في تخليص العراق والوطن, واتحدت القوى الداخلية والخارجية في انجاحه فان الزلزال الثاني يحفظ للبلد القدرة على وضع اللبنات الاولى لمشروع الدولة من خلال مكافحة الفساد وتحجيم شروره من خلال التحكم بمسارات الاحزاب السياسية وبناء مؤسساته بشكل سليم رافضا كل التجارب السابقة التي انتجت هذا التدهور الفضيع في ادارة شؤون البلاد وتردي الخدمات.
هل ستفهم القوى السياسية الرسالة بالشكل الواضح والمباشر بعدم الالتفاف عليها؟.
ان خطبة الجمعة الماضية كانت طوق نجاة للطبقة السياسية من غضب الشارع فهل ستكون الاحزاب السياسية مستعدة للتضحية بالانخراط في حشد بناء الدولة وتتخلى عن امتيازاتها ومحاصصتها التي ادت الى خرابها؟.
انه رهان ما بعده رهان ، فمن وعى الرسالة من الاحزاب القائمة سيفهم كيف يستثمر المستقبل ومن اراد الالتفاف على الرسالة فليستعد لمواجهة حراك الامة..وماادراك ماتاثير الحراك الشعبي!.
كلا الزلزالين اوضحا نهج المرجعية في التعاطي مع الحراك الشعبي.. انها تعتمد الامة في عملية التغيير، فكانت الامة وقود المعركة ضد داعش وستكون الامة نفسها وقود معركة بناء الدولة.

اترك رد