التدريسي مدان حتى تثبت براءته !!!

0 221

 

الدكتور  صالح عاتي الموسوي
تعليق قانوني على كتاب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المرقم (ج ع /م.ه/2910) في 31/8/2023

تفاجأ أساتذة الجامعات العراقية صباح يوم أمس بصدور كتاب جديد عن قسم التقويم العلمي / جهاز الإشراف والتقويم العلمي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالرقم (ج ع /م.ه/2910) في 31/8/2023 بناءً على المقترحات المطروحة في الاجتماع الثامن لهيأة الرأي التي تضم رؤساء الجامعات ووكلاء الوزارة بتأريخ 10/8/2023 .

ولغرض تسليط الضوء على ما ورد في الكتاب أعلاه من أمور خطيرة يمكن أن تؤدي الى إفراغ العملية التعليمية من محتواها ، وإجراءات تعسفية غير مسبوقة بحق الأساتذة يتعارض بعضها مع أحكام الدستور والقانون والتعليمات النافذة ، نقسم كلامنا على أربع فقرات ، وكما يأتي :-

أولاً- صياغة الكتاب بأسلوب عدائي لا يتناسب مع قيمة ومكانة الأستاذ الجامعي

بمجرد الاطلاع السريع على العبارات الواردة في كتاب الوزارة والألفاظ المستخدمة فيه يمكن أن يلمس القارئ بوضوح وجود نفس عدائي متحامل في ثنايا الكتاب ضد أساتذة الجامعات أو على الأقل مخاطبتهم بأسلوب لا يتناسب مع قيمتهم العلمية ومكانتهم الاجتماعية ، فعنوان الكتاب يهاجم الأستاذ منذ البداية واصفاً سلوكه بـ (الانحراف في التصحيح) ، ليؤكد متن الكتاب ذلك مرة أخرى ويضيف اليه تهماً جديدة ، مثل (ضعف التدريسي في إيصال المادة العلمية) أو (استخدامه طرائق تدريس لا تنسجم مع المستوى العلمي للطلبة) .

ثم تأتي فقرات الكتاب الأخرى لتفرض إجراءات عقابية غير مسبوقة ضد الأستاذ الجامعي ، فالفقرة (1) تتكلم عن (الاستفسار) ، بينما تتكلم الفقرة (2) عن استبعاد أستاذ المادة و(تشكيل لجنة لإعادة التصحيح) ، ثم تأتي الفقرة (ثالثاً) لتتنقل بنا الى مرحلة عقابية متقدمة من خلال (تشكيل لجنة تحقيقية بحق التدريسي) بذريعة (انحراف التصحيح بشكل يعكس إجحاف التدريسي بحق طلبته) وكأن التدريسي والطالب خصوم ألدة في معركة حياة أو موت ، لتعقبها الفقرة (4) التي قضت بـ (استبعاد التدريسي من التدريس وتحويله الى المهام الإدارية) ، ليصل بك الأمر في نهاية المطاف الى واقع صادم حقيقته أن انخفاض نسب النجاح لأي سبب كان يؤدي الى اعتبار التدريسي شخص ” مدان حتى تثبت براءته “، خلافاً للقاعدة الدستورية والجنائية العامة التي تقرر بأن ” المتهم بريء حتى تثبت إدانته ” !!!

ثانياً- حصر أسباب انخفاض نسب النجاح بالأستاذ الجامعي فقط

من يقرأ كتاب الوزارة أعلاه – ابتداءً بالعنوان – يجد إن السبب الموجب لصدور الكتاب هو معالجة مشكلة ” انخفاض نسب النجاح ” في الامتحانات النهائية ، إلا إن من أصدر الكتاب – ومع الأسف الشديد – كان ينظر للموضوع بعين واحدة فقط ، حيث جاء الكتاب ليحصر أسباب انخفاض نسب النجاح في الأستاذ فقط ، مع إهمال العناصر الأخرى ذات الصلة ، سواء ما تعلق منها بالطالب نفسه ، أو بإدارة العملية التعليمية ككل على مستوى الكليات والمعاهد أو الجامعات أو الوزارة نفسها ، حيث يمكن لنا الإشارة لبعض تلك الأسباب على النحو الآتي :-

1) ضعف مدخلات الكليات والمعاهد من الطلبة نتيجة المشاكل الهيكلية المزمنة التي تعاني منها وزارة التربية ، ككثافة أعداد الطلبة في الصف الواحد بسبب قلة أعداد المدارس ، وعدم وجود دورات تطويرية للكوادر التربوية ، والنقص الحاد في أعداد المعلمين والمدرسين في العديد من الاختصاصات المهمة .
2) التوسع غير المدروس في أعداد الطلبة المقبولين في الجامعات الحكومية ، رغم وجود النقص الواضح في البنى التحتية من قاعات ومختبرات دراسية وأجهزة مختبرية .
3) إعطاء الموافقات للجامعات والكليات الحكومية والأهلية لإستحداث الدراسات المسائية ، رغم عدم توفر مقومات الرصانة العلمية المطلوبة فيها ، وتكليف الكوادر التدريسية والإدارية الصباحية بالتدريس في الدراسات المسائية .
4) التوسع غير المدروس في قبول الطلبة في الجامعات والكليات الأهلية ، دون مراعاة الطاقة الاستيعابية للأقسام العلمية ، سيما مدى توفر العدد الكافي من الأساتذة ، والمختبرات اللازمة ، والقاعات الدراسية .
5) غياب الرقابة الحقيقية الفاعلة من قبل الوزارة على الجامعات والكليات الأهلية التي بلغ عددها قرابة (80) جامعة وكلية أهلية ، منتشرة على امتداد رقعة البلد من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب .
6) انعدام الحافز لدى الطالب الجامعي على المثابرة والدراسة في التخصصات غير الطبية ، بسبب المستقبل المجهول للخريج وعدم توفر فرص العمل الكافية في القطاعين العام والخاص ، بعد حصر التعيين المركزي بالتخصصات الطبية .
7) الآثار التراكمية السلبية الناتجة عن جائحة كورونا واعتماد التعليم الإلكتروني ، وانعكاس ذلك على انخفاض المستوى العلمي للطالب وانتشار ظاهرة الغش الامتحاني وغيرها من الظواهر السلبية .
[٢/‏٩, ٣:٥٢ م] هلو بابا: 8) كثرة العطل الرسمية والمحلية اثناء العام الدراسي ، وعدم تمكن الأساتذة من إكمال مفردات المناهج الدراسية ، سيما طلبة المرحلة الأولى الذين يبدؤون بالدوام في شهر كانون الثاني بسبب تأخر ظهور نتائج القبول المركزي.
9) عدم وجود آليات حقيقية لمتابعة حضور وغيابات الطلبة من قبل الأقسام العلمية ، وتعطيل نص المادة (9) من التعليمات الامتحانية رقم (134) لسنة 2000 التي تعاقب الطالب بالرسوب في المادة الدراسية إن تجاوزت غياباته نسبة (10%) من عدد الساعات الدراسية للمادة بدون عذر مشروع .

ومع ذلك كله ، فإننا لا ندعي العصمة لأساتذة الجامعات كافة أو ننفي وجود القصور أو التقصير عند البعض ، ولكننا نؤكد في الوقت نفسه ان المنظومة التعليمية من كليات وجامعات ووزارة وسياسات وقوانين مجتمعة كانت سبباً مباشراً في كل ذلك ، فقرارات التوسعات اللانهائية في مقاعد الدراسات العليا ، وإعطاء الكيرفات لطلبة الدراسات العليا ، والاعتراف بشهادات الجامعات التجارية غير الرصينة في لبنان وايران والدول الأخرى ، واحالة الكفاءات والخبرات العلمية على التقاعد بسبب التعديل غير المدروس لقانون التقاعد في عام 2019 ، واستخدام أسلوب المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية وشراء المناصب في اختيار عمداء الكليات ورؤساء الجامعات ومساعديهم ووكلاء الوزارة ومدراءها العامون وغيرها ، يتحمل مسؤوليتها من أصدر تلك القرارات ، ولا يمكن مطلقاً القبول بتعميم الحالات السلبية على عموم الطبقة الأكاديمية التي خرجت الآلاف من العلماء والمبدعين في شتى التخصصات العلمية والإنسانية ممن شهد لهم القاصي والداني .

ثالثاً- تعارض الكتاب مع أحكام الدستور والقوانين والتعليمات الوزارية النافذة

تضمن كتاب جهاز الإشراف والتقويم العلمي فقرات غير قانونية لتعارضها مع أحكام الدستور وبعض القوانين والتعليمات الوزارية النافذة ، وكما يأتي :-

1) بالنسبة للمواد الدراسية غير المشمولة بالامتحانات التقويمية الوزارية ، فإن الكتاب محل البحث يؤسس لحالة خطيرة تتمثل في استبعاد التدريسيين الكفوئين والحريصين وذوي الخبرة من التكليف بالتدريس تحت ذريعة (انخفاض نسب النجاح) أو (الإنحراف في التصحيح) ، وفسح المجال أمام التدريسيين المتساهلين أو غير الحريصين أو أصحاب الشهادات غير الرصينة ليحلوا محلهم ، كون هؤلاء – بحسب الوضع الغالب – لم يبذلوا جهداً حقيقياً في الدراسة والحصول على الشهادة العليا ، ومن ثم فأنه ليست لديهم أية مشكلة في منح الدرجات السخية للطلبة غير المستحقين خلافاً للمعايير العلمية ، مما يعني في النهاية مساواة الطالب الجيد بغيره ، وتدمير ما بقي من رصانة المنظومة التعليمية في العراق ، وهو ما يتعارض مع أحكام المادة (34/ثالثاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي نصت على أنه (تشجّع الدولة البحث العلمي للأغراض السلمية بما يخدم الإنسانية ، وترعى التفوّق والإبداع والإبتكار ومختلف مظاهر النبوغ) .

2) ألزمت الفقرة (6) من الكتاب الأستاذ الجامعي بـ (إعادة النظر في درجات السعي اليائسة التي ينتهي معها أمل الطالب في النجاح) ، دون أن تضع معياراً منضبطاً لتحديد المقصود بدرجات السعي اليائسة من عدمها ، وهذا الأمر فضلاً عن كونه يفتح الباب واسعاً أمام إختلاف الإجتهادات والتأويلات وتباين الأمزجة ، فإنه يعني بالضرورة إجبار الأستاذ على إعطاء درجات مجانية لبعض الطلبة لإيصالهم الى مستوى معين وإن لم يكونوا ملتزمين بالحضور أو مشاركين بالإمتحانات اليومية والشهرية ، ومساواتهم بمن بذل الجهد وخصص الوقت في سبيل الدراسة ، وهو ما يتعارض جملة وتفصيلاً مع حكم المادة (14) من الدستور العراقي التي نصت على أنه (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي) ، فالمساواة كما يؤكد الفقه الدستوري لا تعني المساواة الحسابية المطلقة ، وإنما هي المساواة في المعاملة للمراكز القانونية المتماثلة ، فكيف يجوز لوزارة التعليم المساواة في المعاملة بين الطالب المهمل والطالب الحريص ؟
[٢/‏٩, ٣:٥٢ م] هلو بابا: 3) أشارت الفقرة (3) من الكتاب الى تشكيل لجنة تحقيقية ضد التدريسي لتوجيه عقوبة انضباطية بحقه في حال ” وجدت اللجنة المكلفة بإعادة التصحيح أي انحراف في التصحيح ” ، وهذا الأمر يمثل مخالفة صريحة لنص المادة (10/ثالثاً) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل التي نصت على انه (تتولى اللجنة التحقيق تحريرياً مع الموظف المخالف المحال عليها … وتحرر محضراً تثبت فيه ما اتخذته من إجراءات وما سمعته من أقوال مع توصياتها المسببة ، إما بعدم مساءلة الموظف وغلق التحقيق أو بفرض إحدى العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون) ، ووجه المخالفة أن كتاب الوزارة ألزم اللجنة التحقيقية بفرض عقوبة انضباطية بحق الأستاذ الجامعي الذي تنخفض لديه نسبة النجاح ، الأمر الذي يشكل مصادرة لصلاحيات اللجان التحقيقية التي منحها قانون انضباط موظفي الدولة سلطة تقديرية واسعة في هذا الصدد ، وحيث ان التعليمات أدنى مرتبة من القانون ، فان مخالفة الكتاب لقانون انضباط موظفي الدولة يجعل الفقرة أعلاه موصومة بعيب عدم المشروعية .

4) نصت الفقرة (5) من الكتاب على (ضرورة تدقيق الأسئلة والأجوبة النموذجية ، وأن تكون محددة بشكل دقيق ، وتحمل إجابات مباشرة لا تحتمل التأويل) ، وهذا الأمر يتعارض مع أحكام المادة (2) من تعليمات الأسئلة الامتحانية رقم (138) لسنة 1992 التي تنص على أنه (يشترط في الاسئلة الامتحانية لكي تكون قادرة على تحقيق الأهداف المحددة في المادة -1- من هذه التعليمات ما يأتي: أولاً- أن تتسم بالتنويع ، وألا تقتصر على نمط واحد ، مع ضرورة تحقيق الموازنة بين الأسئلة التي تتطلب من الطالب كتابة مقال منظم وفق خطة عن موضوع ما وبين الأسئلة الأخرى التي تعتمد على دراسة الطالب للمواضيع التي طرحت في المنهج الدراسي. ثانياً- أن تكون واضحة ومحددة في صياغتها. ثالثاً- ألا تكون جميع الأسئلة وصفية مباشرة بل تتضمن مجالاً للمقارنة والربط بين العناصر المختلفة للمادة ومعبرة عن وجهات النظر المختلفة للمادة والدفاع عنها أو نقدها بما يساعد على الكشف عن قدرات الطالب المعرفية ضمن المنهج الدراسي) ، أي أن التحديد والوضوح انما ينصرف الى صياغة الأسئلة الامتحانية ، وليس الى إجابات الطلبة .

5) تعليق الفقرة (7) من الكتاب تكليف التدريسيين من المعينين الجدد بالتدريس على شرط الإشراف عليهم من قبل (أساتذة القسم من ذوي الخبرة) أمر لا سند له من القانون ، فما المقصود بالإشراف على التدريسي من قبل تدريسي آخر ؟ وما هي حدود صلاحيات التدريسي المشرف على التدريسي الخاضع للإشراف ؟ وهل التدريسي الجديد طالب لدينا لكي نكلف أحد أساتذة القسم بالإشراف عليه ؟ وكيف نحكم مسبقاً على أداء التدريسيين الجدد ومنهم من لم يبدأ بعد بتدريس الطلبة ؟

رابعاً- الخطوات المطلوبة في التعامل مع كتاب الوزارة

1) على نقيب وأعضاء مجلس نقابة الأكاديميين العراقيين تحمل مسؤولياتهم الشرعية والوطنية والأخلاقية والمهنية ، وتنظيم مؤتمر صحفي كبير بحضور وسائل الإعلام كافة ، لإعلان رفض النقابة الصريح لكتاب الوزارة ، ولجوئها لجميع الأساليب المتاحة قانوناً لإلغائه جملة وتفصيلاً ، سيما وإن نص المادة (3) من قانون نقابة الأكاديميين العراقيين رقم (61) لسنة 2017 قد ذكر صراحة إن من أهداف النقابة (الإرتقاء بمهنة التعليم العالي والبحث العلمي لتحقيق رسالتها في خدمة الوطن وأجيال الأمة) و(تعزيز أخلاقيات مهنة التعليم العالي والمحافظة على آداب وتقاليد وشرف المهنة) ، وبخلاف ذلك يتوجب عليهم جميعاً الاعتراف للجمهور الأكاديمي بعدم القدرة على تحمل المسؤوليات المناطة بهم وتقديم الاستقالات الجماعية من المنصب .

2) على جميع أساتذة الجامعات العراقية أن يقفوا موقفاً موحداً لرفض تطبيق الكتاب أعلاه بكافة الوسائل القانونية ، كالوقفات الاحتجاجية السلمية ، وتكثيف النشر الرافض للكتاب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة ، لإيصال صوتهم الى الوزارة ورئاسة الوزراء ومجلس النواب ، مع إمكانية تصعيد الخطوات الاحتجاجية في حال الإصرار على عدم الغاء الكتاب ، بما في ذلك الاضراب عن الدوام ومقاطعة المحاضرات .

ونذكر في الختام بأن السكوت أو غض النظر عن الكتاب المذكور سيدفع بمن أصدره الى اتخاذ خطوات أخرى تكون أكثر إمعاناً في إهانة كرامة ومكانة الأستاذ الجامعي وضرب المنظومة التعليمية في العراق ، كرفع نسب النجاح المطلوبة ، أو تعميم القرار ليشمل الدراسات العليا ، أو معاقبة التدريسي بعقوبات أشد من ذلك ، ولات حين مناص ، كما أن كل منا سيقف غداً بين يدي جبار السماوات والأرض (وقفوهم أنهم مسؤولون) ، وأن التأريخ سوف لن يرحم أبداً من يتهاون أو يقصر عن نصرة الحق ، ومن الله التوفيق .

اترك رد