*رؤى المالكي في الحركة الإسلامية العراقية والعلاقة بالدولة*

0 74

*د. ميثم حاتم*

تعد البحوث التى قدّمها الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية السيد نوري المالكي في كتابه «رؤى في الحركة الإسلامية العراقية والعلاقة بالدولة»، وخاصة في طبعته الثانية التي صدرت في بيروت هذا العام 2023 عن مركز دراسات المشرق العربي، من البحوث الفكرية الحركية القليلة التي قاربت إشكاليات الحركة الإسلامية العراقية بعد انتقالها من مرحلة المعارضة الى السلطة فی العام 2003، ومن مرحلة نظرية الدولة الإسلامية الى مرحلة دولة الأمر الواقع، وهی الدولة العراقية الجديدة ذات النظام السياسي التعددي، وهي انتقالة واقعية صعبة تمخضت عن إشكاليات فكرية أصعب، خاصة وأن حزب الدعوة الإسلامية لايزال يحتفظ بنظرية الدولة الإسلامية في عصر الغيبة التي كتبها السيد محمد باقر الصدر في العام 1957، ثم طوّرها في أخر عام من عمره، لتجمع في قاعدتها الفكرية بين دولة شورى المؤمنين وحكم الولي الفقيه.

ورغم أن بحوث المالكي في الكتاب بحوث فكرية تنظيرية حركية، إلّا أنها انطلقت في معالجاتها من معطيات الواقع، على العكس من فكر «الدعوة» المكتوب قديماً، والذي كان ينطلق من النظرية والقواعد الإسلامية الشرعية نحو بناء الواقع وقيادة الحياة، وكلا المنهجين طبيعيين ومقبولين، لأنهما لصيقان بالطقس الاجتماعي السياسي المتغير الذي مرت به الحركة الإسلامية طيلة أكثر من ست عقود من عمرها، بل لعلهما يكمّلان بعضهما من ناحية التكييف العقدي والفقهي لإشكاليات النظرية والواقع.

وقد حافظ المالكي في كتابه على منهجية «الدعوة» في التنظير والكتابة الفكرية، وعلى أدبياتها ومصطلحاتها، ولم يتزلق ــ كما كثير من كتابات الإسلاميين بعد العام 2003، ومنهم بعض «الدعاة» ــ نحو استخدام المصطلحات التوصيفية الغربية للحركة الإسلامية، كمصطلح «الإسلام السياسي» ــ مثلاً ــ، بحجة تجديد الخطاب الإسلامي والتحول في المفاهيم السياسية انسجاماً مع تطور الواقع، بل تمسك بمصطلح «الحركة الإسلامية» وغيره من المصطلحات التي تؤكد أصالة فكر «الدعوة» ومصادرها الإسلامية في التفكير والتنظير، وتحديداً: القرآن الكريم والسنة الشريفة، إضافة الى قواعد الاجتهاد الشرعي، وليس مصادر الفكر الغربي ومنتجاته.

يقول ناشر الكتاب: ((تنبع أهمية بحوث السيد نوري المالكي وكتاباته في موضوعات الدعوة والدولة، والتي يضمّها هذا الكتاب؛ من كونها تجمع بين الجانب المعرفي والفكري، والجانب العملي الذي تقرره المسؤولية المباشرة، أي أنها ليست كتابات نظرية أو تنظيرية، بل هي مقاربات فكرية من موقع المسؤولية والدراية بواقع الدعوة والدولة معاً، ومفاصلهما ومجالات حركتهما؛ فقد ظل السيد نوري المالكي عضواً في قيادة حزب الدعوة الإسلامية ما يقارب الثلاثين عاماً، ثم صاحب المسؤولية الأولى في الحزب منذ العام 2007، بالتزامن مع ثماني سنوات كان فيها رئيساً لوزراء العراق وقائداً عاماً لقواته المسلحة، ثم في موقعه نائباً لرئيس الجمهورية. أي أن السيد المالكي حينما يقارب فكرياً موضوعات الدعوة والدولة، وواقعهما ومسارات تطويرهما ومشاكلهما الفكرية والعملية وآفاق حلولها؛ إنما ينطلق من المعرفة الفكرية والمعايشة الواقعية التفصيلية)).

وهذا يعني أن الكاتب عاش، خلال مقاربته موضوعات الكتاب، جدلية العلاقة بين الفكر والواقع، وقام بكتييف الرؤى الفكرية الحركية وفق متطلبات الواقع، ولكن دون التضحية بالثوابت الفنظرية والفكرية الإسلامية التي قام عليها فكر حزب الدعوة الإسلامية، ودون العبور على ثوابت الفقه السياسي الإسلامي في عصر غيبة الإمام، وهي الثوابت التي تشكل عنصر انداك نظرية الدعوة بالشريعة، أي أن المالكي تحرك، كما مفكري الدعوة السابقين، في إطار المتغيرات التي تنطوي عليها مراكز الرخصة الشرعية والفراغ الفكري.

وفي هذا المقام يقول المؤلف نوري المالكي في مقدمة كتابه: ((لعل أكثر الموضوعات الإشكالية التي تناولتها أدبيات الحركات الإسلامية المعاصرة هي موضوعات الدعوة الإسلامية والدولة الإسلامية، ولا أقصد هنا حزب الدعوة الإسلامية والدولة العراقية حصراً؛ بل كل الجماعات الإسلامية التي تمارس العمل الدعوي، وتهدف الى تطبيق الشريعة الإسلامية؛ في إطار دولة إسلامية حديثة، وما يرافق هذا الهدف من إشكاليات كثيرة ترتبط بمتطلبات الزمان والمكان، والتكييفات الفقهية والفكرية.

ولم يخرج حزب الدعوة الإسلامية عن دائرة هذه الإشكاليات والأزمات، كما لم تخرج الدولة العراقية بعد العام 2003 عنها. ولذلك ظل هذا الواقع الإشكالي؛ في بعديه النظري والتطبيقي بحاجة الى مزيد من الحراك الفكري العملي؛ بهدف إخراج الدعوة والدولة من دوامة الأزمات التي ترافق حركة الدعوة الإسلامية في الدولة المعاصرة بكل لوازمها القانونية الدستورية والدولية، وحركة هذه الدولة في إطار رؤية الدعوة الإسلامية المتمسكة بالأصول والقواعد الشرعية. وقد حاولنا من خلال بحوث هذا الكتاب مقاربة بعض الموضوعات الإشكالية التي تنطوي على العلاقة بين الدعوة والدولة بشكل عام، وحزب الدعوة الإسلامية والدولة العراقية بعد العام 2003 بشكل خاص)).

وكان الكتاب، في طبعته الأولى الصادرة في العام 2018، قد حظي ــ كما يقول الناشر ــ ((باهتمام أصحاب الاختصاص في الفكر الإسلامي الحركي وعموم المهتمين والقراء، ليس في العراق وحسب، بل وفي كثير من البلدان العربية والإسلامية، بالنظر لتشابه الظروف الداخلية والمشتركات الكثيرة، سواء على مستوى الداخل الوطني أو الداخل الحركي الإسلامي. وقد نشرت كثير من الدوريات والمواقع ووسائل الإعلام في العراق ولبنان وايران وغيرها، بعض دراسات الكتاب ومقالاته أو مقتطفات من الكتاب أو تعريفاً به. كما نشر بعض الكتّاب قراءات أو نقودات للكتاب، فيها الموضوعي وفيها الذي يحمل موقفاً إيجابياً أو سلبياً مسبقاً)).

وقد أضيفت الى الطبعة الثانية بحوث لاتقل أهمية وتأصيلاً عن بحوث الطبعة الأولى؛ لتكون محصلة الكتاب أغلب النتاج الفكري الحركي والسياسي للأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي في الفترة من 2015 وحتى العام 2020.

قسّم المؤلف موضوعات الكتاب الى سبعة فصول؛ حمل الأول منها عنوان «تجربة حزب الدعوة الإسلامية في المشاركة في الحكم»، واستعرض فيه تجارب الإسلاميين المعاصرة في المشاركة في الحكم، ثم ركّز على تجربة حزب الدعوة الإسلامية وأعضائه، وتقويمها من الناحيتين الفكرية الشرعية والسياسية العملية، والإشارة الى ما للتجربة وما عليها.

وفي الفصل الثاني«العودة الى الدعوة»، قارب المؤلف مضمون المبادرة التي أطلقها لمراجعة فكر حزب الدعوة الإسلامية ومسيرته وسلوك أعضائه، وتحديداً في مرحلة ممارسة الحكم في العراق بعد عام 2003 م. ولخّص دعوته للمراجعة في مقال «الدعوة والقدرة المستمرة على المراجعة»، والذي ألحق بنهاية الفصل.

وتضمن الفصل الثالث قراءة للمؤتمر السابع عشر لحزب الدعوة الإسلامية، والذي اعتبره المؤلف إنجازاً للحزب باتجاه توحيد قراره ووضع الأسس العملية لإعادة البناء على كل المستويات. كما تضمن الفصل كلمة المؤلف في افتتاح المؤتمر، بوصفه الإمين العام للحزب، وبعض الرسائل التي تم توجيهها الى«الدعاة»، وهو المؤتمر الذي أعيد فيه انتخاب السيد نوري المالكي أميناً عاماً للحزب، بما يشبه الإجماع من اعضاء المؤتمر الذين يقارب عددهم (400) داعية.

وخصّص المؤلف الفصل الرابع في قراءة الواقع العراقي، وأهمية الانتقال الى مستقبلٍ تتضائل فيه المشاكل والأزمات، وهو المستقبل الآمن والمرفه والمتطور على الصعد كافة، كما يقول المؤلف، وخاصة مايرتبط ببنية النظام السياسي، والتنمية السياسية والإقتصادية والتعليمية المستدامة.

وفي الفصل الخامس، قارب المؤلف أزمة السيادة العراقية وإشكالياتها مفهومياً وواقعياً، وهي أزمة مزمنة لاتزال تشكل مشكلة أساسية للعراق منذ مئات السنين، وقد حاول المؤلف تفكيك عناصر الأزمة ومساراتها، وطرح الحلول اللازمة.

أما الفصل السادس الذي حمل عنوان «من ذاكرة العراق»؛ فقد استعاد في المؤلف بعض أحداث العراق المفصلية، كانتفاضة صفر الإسلامية في العام 1977 واستشهاد الإمام المؤسس السيد محمد باقر الصدر ومسار انتخابات العام 2018 وما بعدها.

وحمل الفصل السابع مقاربات حول الأزمات الفكرية التي تعاني منها الأمة الإسلامية وما يترشح عنه من إشكاليات، خاصة ما يرتبط بموضوعات التكفير وحركاته وجذوره الايديولوجية والسياسية، والوحدة الإسلامية وأهمية التقارب بين أتباع المذاهب الإسلامية.

ختاماً؛ نرى أن موضوعات الكتاب تظل موضوعات إشكالية حادة وأساسية، ولذلك؛ يمكن لمقاربات السيد نوري المالكي، بصفته الحركية الإسلامية، أن تكون مادة للحوار وتبادل وجهات النظر الفكرية بين المفكرين والباحثين الحركيين والسياسيين الإسلاميين، من أجل مزيد من التكييفات العقدية والفكرية والفقهية، بعيداً عن مطبات التسيس.

اترك رد