بقلم: كاوان فائق أحمد، محاضر في الكلية الهندسة التقنية، جامعة التقنية السليمانية
بات عالمنا اليوم رقمياً بامتياز. فمع دخول التقنيات الحديثة إلى شتى مفاصل حياتنا، بدءاً من وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الإنترنت إلى الذكاء الاصطناعي والتقنيات السحابية وانترنت الأشياء، أصبح عالمنا اليوم مختلفاً كلياً عما ألفناه منذ 20 عاماً خلت. فوتيرة انتشار التقنيات المتطورة غدت سريعة للغاية، ودورها متصاعد التأثير ويغير من ملامح حياتنا اليومية بلمح البصر. لذلك فإن النجاح في التحول الرقمي لمواكبة ضرورات العصر، سواءً كان هذا التحول على المستوى الوطني أو داخل الشركات أو على مستوى خدمات الأفراد، فإنه يتطلب استخدام شبكات اتصال قوية وموثوقة كمحور رئيسي لمنظومة الرقمنة التي تسعى البلدان لبنائها. ومن هنا تحديداً، تبرز أهمية توجيه الاستثمار نحو أحدث تقنيات شبكات الاتصالات وتقنية المعلومات لنكون على مستوى الجاهزية اللازمة لدفع عجلة الاستدامة وبناء الاقتصاد الرقمي واستشراف المستقبل القائم على التقنيات الذكية.
لا شك أن تقنية الجيل الخامس تعتبر المحرك الرئيسي للتحول الرقمي خلال المرحلة الحالية. إذ يحمل تسارع انتشار شبكات الجيل الخامس وتطبيقاتها التجارية فوائد كثيرة تعود على الشركات والمجتمعات. فهذه التقنيات المتطورة قادرة على تحسين عمليات الأعمال، وتقليص النفقات وتعزيز مستويات الكفاءة والاستدامة والأمن والارتقاء بتجارب المستخدمين وتقديم أفضل الخدمات بأسعار تنافسية ضمن جميع القطاعات والصناعات.
أصبحت تقنيات اتصالات الجيل الخامس، المعروفة اختصاراً بتقنية الفايف جي 5G، إحدى أهم مقومات الاقتصاد والمجتمع الرقميين. ويشهد العالم خطوات هامة على كافة المستويات لتحسين سبل استخدام هذه التقنية التي تنطوي على بعد استراتيجي كبير ضمن مختلف القطاعات والصناعات. ويعتبر إطار عمل الشراكات والتعاون بين القطاعين العام والخاص لنشر فوائد تقنيات الجيل الخامس عنصراً رئيسياً لإدخال هذه التقنية بنجاح ضمن مختلف المجالات. وعلى الرغم من أن حلولاً مثل “الشبكة البصرية السلبية” (بون) قد لا تحمل أي معنى للجمهور العام، إلا أنها ركن جوهري ومحرك رئيسي لواجهة عمل الجيل الخامس كما هو متعارف علية بين خبراء الشبكات.
إن أهمية حلول الشبكات المذكورة تدفعنا لتساؤل هام. ما هي “الشبكة البصرية السلبية”؟ وكيف تقوم واجهة عمل الجيل الخامس بخلق التجربة المتفوقة التي تتوق إليها المجتمعات الرقمية؟
بداية، يستفيد حل “الشبكة البصرية السلبية” (بون) من موارد البنى القائمة لتأسيس وصول عالي الجودة للشبكات. وبمعنى آخر، يستخدم شبكات متواجدة بالفعل، على غرار شبكات الجيل الرابع “التطور طويل الأمد” (إل تي إي LTE) والدائرة البصرية المغلقة، والتي تقدم حالياً أسرع اتصال متاح بالإنترنت، لتوفير تجربة أفضل وقادرة على دعم المجتمعات التي تحتاج بشدة للإنترنت في هذه الأيام. وتتيح هذه الشبكات جودة أعلى ونطاقاً عريضاً أكبر، الأمر الذي يقود بالتالي إلى اتصال أكثر سلاسة، وتعزيز حماية الشبكة وموثوقيتها، وضمان خدمة محسنة في نهاية المطاف. ونظراً لاستخدامها البنية التحتية القائمة، تتيح حلول “بون” إطلاق الخدمات الجديدة بسرعة. ويمكنها أيضاً دعم أمان الشركات وقنوات اتصالها وتقديم شبكة سحابية شاملة للشركات الصغيرة والمتوسطة. والأكثر أهمية هو دورها في واجهة عمل الجيل الخامس، والذي يعتبر رئيسياً لتلبية احتياجات الاتصال بالإنترنت المتنامية والمتغيرة باستمرار.
تدفع واجهات الجيل الخامس نحو تغطية شبكية مستقرة وواسعة، وتمنح سرعات أعلى لنقل البيانات، ويعتبر كلا هذين العنصرين في غاية الأهمية للمجتمعات المتصلة. وتلبي حلول الواجهات عبر شبكات الجيل الخامس متطلبات الإنتاجية للتطبيقات الأكثر تقدماً وتمكنها من العمل بسلاسة، مع فترة كمون أقل وموثوقية أعلى.
وبشكل رئيسي، تشير واجهات الجيل الخامس إلى بنى الشبكات التي تجمع البيانات، والتي تعبر حينها إلى أحد حلول التوصيل ليتم نقلها إلى الإنترنت أو الشبكة الرئيسية، على غرار التي تمتلكها الشركات، لتصل في النهاية إلى مركز البيانات.
ثمة العديد من حلول واجهات الجيل الخامس المتاحة على غرار الألياف الداكنة؛ وتقنية الإرسال المتعدد بتقسيم طول الموجة النشطة، والخاملة، وشبه النشطة. وتأتي مختلف هذه الحلول مصحوبة بمجموعة من الفوائد والتحديات. فالألياف الداكنة على سبيل المثال تتطلب أجهزة نقل إضافية أو طاقة أكبر، إلا أنه يعيبها نقص قدرات الحماية، وحاجتها لموارد ألياف هائلة، ولا تقدم أي مزايا للمراقبة والإشراف. أما تقنية الإرسال المتعدد بتقسيم طول الموجة الخاملة، فتعتبر عالية الكفاءة من حيث التكلفة على مستوى معيار واجهة الراديو العامة المنخفض، إلا أنه يعيبها قدرتها المنخفضة على التوسع وإعداداتها المعقدة، إلى جانب عدد من العيوب الأخرى. وبالنسبة لتقنية الإرسال المتعدد بتقسيم طول الموجة النشطة فتتميز بعمليات إيجابية عالية الجودة، وقدرات عالية للإدارة والصيانة والتوسع وخصائص الموثوقية والتكاليف المنخفضة، إلا أن عيوبها تتضمن الحاجة لمصدر طاقة مستقل لتشغيلها. وتعتبر تقنية الإرسال المتعدد بتقسيم طول الموجة شبه النشطة، أفضل التقنيات المتاحة حالياً، والتي تجسد تطور تقنية الإرسال المتعدد بتقسيم طول الموجة النشطة دون الحاجة لموارد طاقة إضافية.
إن مثل هذه المزايا التقنية العميقة للشبكات لن تشكل مدعاة اهتمام أو انتباه بالنسبة للمستخدم النهائي، والذي لا يفكر سوى باغتنام مزايا أفضل اتصال ممكن بالإنترنت بشكل يومي للاستفادة من الأجهزة الذكية والأجهزة المتصلة الأخرى. إلا أن إلقاء الضوء على هذه التفاصيل التقنية يساعد في فهم أسلوب عملها في العالم الرقمي، وأهمية الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتمهيد الطريق للتقنيات الثورية على غرار الجيل الخامس، وضرورة تطبيقها واستخدامها بالشكل الأمثل.
الجمهورية العراقية تمتلك الشبكات الرئيسية الضرورية للبدء بتطوير قدرات واجهات الجيل الخامس. وعبر التعاون مع الشركاء الموثوقين مثل شركة هواوي، الرائدة في تقنيات الشبكات حول العالم وتمتلك إرثاً عريقاً في تطوير شبكات الاتصالات عموماً وشبكات الجيل الخامس على وجه الخصوص، يمكننا بناء نظام إيكولوجي محسن للشبكات سيدفع بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية قدماً بما يعود بفوائد جمة على مجتمعنا، بناءً على تقنيات الاتصال السباقة وبدعم منها. ونحن كمواطنين ومستفيدين أوليين من ميزات الرقمنة، ننادي المسؤولين ووزارة الاتصالات وهيئة الإعلام والاتصالات برفع سقف جهود تسريع خطة العمل على إطلاق شبكات الجيل الخامس، لتأخذ دورها في الإسهام لمرحلة الانتعاش الاقتصادي وتنتقل بنا إلى عصر جديد من الخدمات الرقمية المتطورة.