مأتم الحزن

0 151

عبد الله الدجيلي
بين سطور الأحزان وأزرار خباء أهل الوحي، ودموع اليتامى وصراخ فقد الأحبّة، ودموع الثكالى، يجرّك التوفيق حيث شمس العلم ، حيث بيت الفتوى، حيث يعجز القلم عن وصف المقام الرفيع.
إنّه مجلس آية الله العظمى السيّد السيستاني (دام ظلّه)، المقام في ثلاثة أيّام على مصاب أمير المؤمنين عليه السلام.
تقف وأنت تحسب الأنفاس، وتسعى بالخطى، وتلملم ثيابك طلباً لقيافة اللقاء، فأنت ستدخل على رجلٍ يستقبلك بسلامه وتحاياه، يجتمع الموالون من حوله وأمامه، وما إن يبدأ الخطيب بذكر المصاب تتفجر الدموع كالينابيع ويعلو الصراخ والنحيب، لا أعلم ما الذي يجول في الروح من الخواطر وأنت تجلس بين السيّد والخطيب، فالخطيب عن ميسرتك يملأ عليك مصاب عليٍّ وأيّ عليّ صلوات الله عليه، والسيّد عن ميمنتك يمثّل نهج أجداده العظام.
فتشخص بصرك من بعد وتتأمل، فترى السيّد – دام ظلّه – مطأطئ رأسه لعظم المصاب، يده اليمنى على فخذه الأيمن وأنامل اليد اليسرى جمعها بين عينيه، فتسيح دموع الأسى منه، فيكفكفها بمنديل له يخرجه من أصل ثيابه، يكاد أن لا يدع الدمع ينزل على خديه، فعادة القائد يخفي ما في أحشائه، ولا يضعف أمام رعيّته، ولكنّها تترى مرّة بعد مرّة، يجمعها ويمسحها بمنديله.
رأيت رعدة دمعه وينبوعها حين قال الخطيب (اللهمّ هذه ليلة القدر، يعتق الله تعالى بها رقاباً من النار)، ومرّة حين تلا وصية المفجوع به (الله الله في جيرانكم)، ومرّة حين ذكر اليتامى، ومرّة حين قرأ الخطيب قصيدة (تهدّمت والله أركان الهدى).
أطفئ الضوء حين ذكر عروج روح الوصي، وعلت أصوات الندبة، وفجع الحاضرون بفقد مولاهم، وعلت الأيدي على الصدور، وحنين الأصوات يردد (تهدّمت والله أركان الهدى).
انتهى المجلس، وهدأ البكاء والنحيب على المصاب، والحضور كأنّ على رؤوسهم الطير، يشخصون بأبصارهم إليه، وعاد البكاء حينما دعا السيّد المفدّى للحضور، رافعاً يديه قائلاً: (آجركم الله، وعظّم الله أجركم، اللّهم احشرهم مع علي بن أبي طالب عليه السلام، اللهم اقض حوائجهم، ولا تردّهم خائبين)، ثم بدأت لحظات الوداع، سلامٌ وألف سلام.
يا الله لحظات لا تنسى، ملأت الجسد فيها بلحظات الإقبال، إلى أن يتجدّد عهد التوفيق برؤيته، اللهم احفظ عين العراق، واحفظه لولده، ولذويه، ولمحبيه، ولسائر المؤمنين والمؤمنات.
ليلة ٢١ شهر رمضان سنة ١٤٤٣هـ.

اترك رد