حكومة الكاظمي تتأرجح بين النجاح والفشل

0 358
فرهاد علاء الدين 

حصلت حكومة مصطفى الكاظمي وبرنامجه الحكومي في السادس من أيار 2020 على ثقة البرلمان ليصبح خامس رئيس وزراء منذ عام 2005 بعد إقرار الدستور العراقي الجديد. 
وأختير الكاظمي بعد استقالة رئيس مجلس الوزراء السابق عادل عبد المهدي على خلفية ما شهدته بغداد ومدن جنوب العراق من تظاهرات وإحتجاجات حاشدة تطالب بالخدمات وتوفير فرص العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية، قبل أن تتحول الى مطالبات موحدة بإقالة الحكومة وإجراء إنتخابات مبكرة. وقدم الكاظمي في حينها برنامجه المقتضب لمجلس النواب لمعالجة سلسلة الأزمات التي تعصف بالبلاد.
بعد مضي ستة اشهر، أختلف مراقبون في تقييم مستوى الإداء لحكومة الكاظمي في ضوء ما يراه كل منهم من نجاح أو فشل بهذا الملف أو ذاك، آخذين بنظر الإعتبار التركة الثقيلة التي ورثتها وحجم التحديات التي تواجهها وخطورة الأزمات القائمة وتفاقمها، حتى بات العراق على شفا إنهيار وشيك.
ويعزو الفريق الذاهب الى تأكيد فشل الكاظمي الى تردده الواضح في اتخاذ القرارات المصيرية وإفتقاره لاستراتيجية واضحة وغياب الحزم المطلوب في التعامل مع ملفات أساسية وحساسة.
الملف الاقتصادي: 
لعل اهم انجاز يسجل للحكومة في الجانب الاقتصادي برغم الجدل الذي أثاره، طرحها لمشروع الورقة البيضاء للإصلاح الاقتصادي، والتي تنطوي على رؤية شمولية لمشاكل وأزمات العراق الاقتصادية، وهي بمثابة خارطة طريق للحكومة لإجراء الإصلاحات المنتظرة. الا أنها أي الحكومة لم تباشر بعد بتنفيذ بنودها، كون معظمها بحاجة الى قرارات حاسمة وسريعة من قبل مجلس الوزراء، والجزء المتبقي منها بحاجة الى موافقة مجلس النواب، ولكن حتى اللحظة مازالت العلاقة متوترة مع البرلمان والتنسيق غائب لتسريع وتيرة تشريع القوانين الهادفة لتنفيذ بنود الورقة على الفور. واذا استمر غياب اتخاذ القرار الحكومي فان الورقة تبقى مركونة على رفوف الإنتظار عدا مايشار اليه في المؤتمرات والتصريحات والبيانات الصحفية، ليطويها النسيان كما جرى مع العديد من المشاريع والمبادرات الحكومية السابقة.
لم تقدم  الحكومة موازنة سنة 2020 بالرغم من كونها تحتل أولوية في برنامج الحكومة. في بداية الامر تجاهلت الحكومة اعداد مشروع قانون الموازنة واكتفت بمشروع قانون الاقتراض الداخلي والخارجي في حزيران. وعادت في شهر أيلول لتقدم مشروع قانون الموازنة وسحبها في نفس اليوم لتعوض عنه بمشروع قانون تمويل العجز واعتمدت الاقتراض من جديد لتطلب نحو 41 تريليون دينار لتمشية الأمور في 2020 في الوقت التي تعاني البنك المركزي من هبوط نسبة السيولة الى مستويات خطيرة وحسب المصادر المقربة من البنك المركزي انه لا يوجد لديهم المبالغ  التي تطلبها الحكومة. ولم تعطي الحكومة سببا مقنعا بعدم تنفيذ وعدها بتقديم قانون الموازنة ولجوؤها الى الاقتراض في إطار إدارتها للسياسة المالية مرتين. وادى هذا التردد في القرار الى عدم إقرار الموازنة وعجز الحكومة دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين.
يتضمن البرنامج الحكومي أيضا مجموعة من الإجراءات الجيدة والكفيلة بتحسين الوضع الاقتصادي العراقي ومنها “ترشيد الانفاق الحكومي، وإيقاف الصرف غير الضروري وتطوير نظام الجباية والتعرفة ” وتشكيل “المجلس الأعلى للإعمار والاستثمار” و”اطلاق مشروع (صنع في العراق) لتشجيع الصناعة الوطنية والزراعة” و”تطوير الأداء المصرفي” و”البدء بالإصلاح الإداري الشامل في مؤسسات الدولة والقضاء” و”اعتماد برنامج لتمكين وتشغيل الشباب في القطاع الخاص” و”اعتماد نظم الأتمتة واستخدام التكنولوجيا الحديثة في مؤسسات الدولة وخاصة في هيئة المنافذ الحدودية والنظام الكمركي”. كل هذه الخطوات المهمة اذا وجدت طريقها للتنفيذ ستكون كفيلة بتنشيط الاقتصاد والبدء بحلحلة الازمة الاقتصادية، ومن الواجب على الحكومة اتخاذ قرارات مدروسة بمشاركة القطاع الخاص والخبراء المستقلين لتنفيذ هذه تلك الخطوات ووضع إقتصاد البلاد على طريق الإنقاذ الحقيقي. الى جانب تفعيل المبادرات الصناعية والزراعية لتنشيط وتفعيل دورة الاقتصاد. وينبغي على الحكومة إيلاء الاهتمام المناسب لهذين القطاعين.
الجانب الأمني والعسكري: 
شهد الوضع الأمني استقراراً امنياً نسبياً في الأشهر الستة الماضية وعمد القائد العام للقوات المسلحة من جانبه الى إجراء تغييرات في القيادات الأمنية واستحدث قيادة عمليات سومر لضبط الأمن في محافظات ذي قار والمثنى وميسان، كما عمل على إعادة تجهيز وتدريب القوات العسكرية بالتعاون مع التحالف الدولي وقوات الناتو.
ومن بين الأولويات المهمة في حكومة الكاظمي ملف “حصر السلاح بيد المؤسسات الحكومية والعسكرية” ولكن بقى السلاح المنفلت بيد الجماعات المنفلتة وجماعات الجريمة المنظمة. فيما تم استهداف شخصيات معروفة في الوسط السياسي والاجتماعي مثل اغتيال الباحث والكاتب هشام الهاشمي المقرب من الكاظمي وصديقه الشخصي في تموز الماضي وعدد من الناشطين من بينهم تحسين أسامة الخفاجي وريهام يعقوب وغيرهم وهذه الحملة كشفت عجز الحكومة عن ملاحقة واعتقال القتلة، ولم تتمكن حتى اللحظة من كشف هوية منفذي هذه الجرائم وتقديمهم للعدالة.
كما تعرض الكاظمي شخصيا لتهديدين قبل وبعد تسنمه منصبه، الأول كان ليلة تكليفه بتشكيل الحكومة في 9 نيسان عندما دخلت قوة مسلحة المنطقة الخضراء وهددت باغتياله، والثاني في 25 حزيران عندما دخلت قوات كتائب حزب الله المنطقة الخضراء مطالبين باطلاق سراح 14 من عناصرها اعتقلتهم قوة تابعة لجهاز مكافحة الإرهاب في منطقة البوعيثة في الدورة بضواحي بغداد وارغموا الحكومة على اطلاق سراحهم فيما بعد.
فيما لم تتمكن الحكومة من تنفيذ بنود اخرى متعلقة بالأمن تضمنها برنامجها الحكومي مثل تولي “التشكيلات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية مهمة حماية الأمن الداخلي” وعدم تدخل الجيش في حماية المدن. فيما تم توريط قوات جهاز مكافحة الإرهاب في قضايا أمنية داخلية مثل احتجاز المسؤولين على ذمة التحقيق بقضايا فساد في مقرات الجهاز، او ارسالهم لتحرير ناشط مدني اختطف في الناصرية، ومثل هذه الواجبات تندرج ضمن مهام وزارة الداخلية.
كما شهدت العاصمة بغداد تدهوراً امنياً ملحوظاً أثر تعرض موكب السفارة البريطانية لعبوة ناسفة، بالإضافة الى الهجمات الصاروخية المتتالية على منشأت السفارة الاميركية، فيما أصبح استهداف ارتال الدعم اللوجستي للتحالف الدولي مشهدا مألوفا دون رادع او ملاحقة من قبل أجهزة الدولة المعنية. وأثارت هذه السلسلة من الهجمات ردود أفعال قوية من حكومات الدول المشاركة بالتحالف الدولي. وهددت الحكومة الأميركية من جانبها الحكومة العراقية بغلق السفارة واستهداف الفصائل المسؤولة عن القصف بشكل مباشر. ويرى مراقبون بأن الحكومة عاجزة حتى عن احتواء هذه الجماعات المسلحة وليس لديها القدرة على ردعها او على الأقل منعها من الاستمرار في تنفيذ هذه الهجمات.
اترك رد