ما أن أوصل رئيس الجمهورية رسالة وزير الخارجية الى القيادات السياسية بشكل واضح، منبها الى خطورة الوضع واحتمال تفاقمه، داعيا اياهم الى اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية العراق ومصالحه، حتى انهالت بيانات الاستنكار من معظم القادة، وحيث نالت هذه البيانات ترحاب الحكومة العراقية، فأنها بالنسبة للإدارة الأمريكية لا تعدو عن كونها مجرد حبر على ورق مالم يتبعها أفعال على الأرض تقلل من الهجمات التي يتعرضون لها. ويرجح المراقبون ان معالجة الخروقات الأمنية ليست بالأمر الصعب على الجهات المعنية اذا ما رافقها تعاضد سياسي من اهل الحل والعقد أي قادة وزعماء القوى السياسية على مختلف اتجاهاتهم وتوجهاتهم لدعم وإسناد الرئاسات العراقية.
ويجب على الحكومة ورئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة إتباع سياسة جادة وفعالة تتضمن معالجة المشاكل الأمنية والاقتصادية والمالية بشكل عاجل ومدروس، وقد نطرح بعض الحلول التي يمكن إيجازها بما يلي:
- اعتماد خطة عمل استراتيجية سريعة لتدارك الاخطار وطرح الخطة على القوى السياسية الرئيسة الممثلة لجميع المكونات وعدم حصرها بمكون واحد.
- ارسال وفد رفيع المستوى الى ايران وإبلاغ قادتها بالتداعيات المترتبة على الانسحاب الأمريكي من العراق وتأثيراته السلبية ليس على العراق فحسب بل على ايران بالدرجة الأساس، كون العراق يعد الشريك التجاري الأول لها، ومنفذها الوحيد لتدفق العملة الصعبة. وسوقها الذي تلتقط من خلاله انفاسها الإقتصادية. ومطالبتهم بإيقاف دعم الفصائل والجماعات التي تستهدف المصالح الأجنبية داخل الاراضي العراقية.
- الإيعاز الى الفصائل المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي لدعم جهد الحكومة في ايقاف الاعتداءات التي تحصل باسمهم وتحت راياتهم، والكشف عن هوية الضالعين بها وإعلان براءته منهم، كون الحشد الشعبي يتبع القيادة العامة للقوات المسلحة ويتقاضى منتسبيه رواتبهم من الحكومة.
- إعادة هيكلة الحشد الشعبي وضم جميع الفصائل الى تشكيلاته، تمهيدا لوقف التعامل مع كل من يخرج عن سلطة الدولة تمهيدا لمحاسبته وفق القانون.
- إعادة النظر بالهيكل القتالي للقوات المسلحة وإخراج القوات القتالية بكل صنوفها ومسمياتها من داخل المدن كافة وفي مقدمتها العاصمة بغداد، وتسليم الملف الأمني لوزارة الداخلية.
- تشريع قانون صارم من مجلس النواب لتجريم ومعاقبة كل من يتعرض للبعثات الدبلوماسية في العراق، ويسيء لسمعة العراق ويعرض المصالح العليا للبلاد الى الخطر.
- إعادة نشر القوات المسلحة بكافة تشكيلاتها وصنوفها عند الحدود الدولية مع الجوار الأقليمي وإقامة معسكرات الدعم الطارئ على مقربة منها، فضلا على حماية حدود المحافظات ومحيط المدن الكبرى.
- تفعيل وتحديث جهاز حمايات مقار البعثات الدبلوماسية في وزارة الداخلية وتغذيته بخلايا الأمن والاستخبارات القادرة على توفير المعلومة والتحرك السريع عند الحاجة، ورفده بالأجهزة والمعدات اللازمة وتدريب ورفع كفاءة العاملين ، لضمان توفير الحماية اللازمة لعمل هذه البعثات.
- حث الأجهزة الامنية والاستخبارية على القيام بواجباتها على نحو كفوء وسريع ودقيق، واعادة نشرها داخل العاصمة بغداد لرصد ومتابعة تحركات الجماعات العابثة بأمن العاصمة، والوصول لها قبل أي عميلة مسلحة تنوي القيام بها.
ان توفير الحماية الكافية للبعثات الدبلوماسية بشكل عام هو الضمان الوحيد لبقاء العراق ضمن محيطه الدولي، وانقاذه من الصاق تهمة الدولة المارقة بكيانه، وما يترتب عليه من عقوبات، حيث لم يعد الشعب قادرا على تحملها في ظل ما يعانيه على مختلف الاصعدة والمستويات.
ولابد من التذكير بأننا قد نصبح ذات يوم وعلى نحو مفاجئ أمام خطوات غير متوقعة قد تقدم عليها بعض المحافظات وكذلك أقليم كردستان أذا ما وجدت سلطاتها بان العاصمة بغداد أمست غير قادرة على الدفاع عن نفسها، أو نكون على حافة احتراب وتصادم القوى والفصائل المسلحة سواء فيما بينها او مع الحكومة في ظل انتشار غير مسبوق لسلاح منفلت كان ومازال وسيبقى مهددا كيان الدولة العراقية وسلمها الأهلي.
وعلينا أن لا ننسى ان الازمة المالية الخانقة والتي تلتف حول عنق الإقتصاد العراقي، وهي تضيق الخناق في ظل غياب أي محاولة او مبادرة للتصدي لها ومعالجة تداعياتها الخطيرة بالتزامن مع انتشار جائحة كورونا التي شلت أكبر الاقتصاديات العالمية. ان صورة الوضع القائم يحيلنا فعلا الى المشهد المأساوي لسفينة تايتانيك الأضخم والأشهر وهي تغرق بعد اصطدامها بجبل الجليد، فيما يلهث ركابها من الأثرياء للفوز بمقعد آمن لهم يدفع عنهم خطر الغرق من دون الالتفات الى أن السفينة بكاملها تمضي نحو الغرق !
*رئيس المجلس الاستشاري العراقي