بقلم محمد الكعبي
العراق بكل ما يملك من عنفوان وشموخ وتأريخ تمتد جذوره من آدم(عليه السلام) ومروراً بجميع الحقب الزمنية التي مرت عليه من حضارات ومدن غابرة جعلته عملاقاً بكل معنى الكلمة وأكبر من أن يختزله حزب أو كتلة أو رجل، انه العراق الذي رسم التأريخ وعلّم الدنيا كيف تكتب، الذي ينحني له كل جبابرة العالم اجلالا واكبارا، يبقى مرتفعاً وشامخاً رغم خناجر الجيران والابناء، العراق لا يموت لأنه مهد الحضارات وموطن الرسالات والانبياء، أنه(جُمْجُمَةُ الْعَرَبِ ورُمْحُ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى وكَنْزُ الإِيمَانِ) كما وصفه النبي (ص) لا يستطيع أي شخص مهما كان أن يبتلعه.
فليعلم السياسي الطارئ، الساعي لغيره اللاهث وراء المنصب المقاتل من أجل كرسي، الذي جاء بالصدفة أو بذل الاموال أو عن طريق التزوير, لا تتعب نفسك فلن تستطع أن تصغر العراق, وما تقوم به أنت وبعض الشخصيات والاحزاب من جولات مكوكية قبيل الانتخابات وبين الفينة والاخرى إلى بعض الدول بحجة عرض برامجكم السياسية أو لتطوير العلاقات، فأقول انها (كلاوات ما تمشي على العراقيين )، العلاقات الخارجية ليست مسؤولية الاحزاب والشخصيات كائنا من يكن بل هي مسؤولية الدولة ووزارة خارجيتها وللحكومة طرقها ووسائلها.
ما هذه السفرات العلنية والسرية لهذه الدول الا تصغير لأنفسكم وأحزابكم وجماهيركم، فالعراق أكبر وأعظم من هذه الدويلات، وأعلم أيها السياسي المستجد ان الدول التي تذهب اليها تاركا بلدك وشعبك خلفك لن تحترمك وان استقبلتك وفرشت لك البساط الاحمر.
ان الفراغ الجماهيري والافلاس السياسي يجعل البعض يتوسل ببديل ولو من خارج الحدود، لكنه تغافل اننا نعيش في صراع دائم، والكل يحاول أن يكسب فيه، والكثير يقدم التنازلات، فكم مقدار ما تقدمه من تنازلات فغيرك يفعل كذلك ويبقى السوق مفتوح للأرخص والاكثر ترويج لبضاعته عسى ان تقبله هذه الدولة أو تلك.
تعلّم ايها السياسي ان سندك شعبك، وهذا يتحقق من خلال عملك لهم وتعاطيك مع آهاتهم ومشاكلهم وليس بإلقاء نفسك بأحضان الدول، عش عراقياً ومت عراقياً، ليس من حق أي شخص أن يصغرنا ولن نمنح هذا الحق لأي شخص مهما كان, لا يمثل العراق الا العراق.
اذا اراد المسؤول والسياسي النجاح عليه باتباع نهج أمير المؤمنين(عليه السلام) الذي رسمه لنا برسالته لمالك الاشتر(رضوان الله عليه):>وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان : إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنّك فوقهم، ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك ! وقد استكفاك أمرهم، وابتلاك بهم <. تعلّم أيها السياسي من تجارب الماضين، فالعراق باقٍ وانت مغادر كما غادر غيرك, فافهم.
المقال السابق