وسام رشيد الغزي
مضى زمن طويل ولم يضع أحد السياسيين أصبعه على عين الحقيقة التي لا يريد أن ينظر اليها أياً منهم، ورغم الأحداث الجسيمة التي مرت بها البلاد بعد التغيير عام 2003 وكانت نتيجة أخطاء إستراتيجية في إدارة شؤون السياسة، الإ ان تشخيص تلك الأخطاء ظل حبيس الدوائر المغلقة، وغالباً ما تكون إحتجاجية نابعة من معاناة المواطنين.
الجرأة في طرح رئيس السلطة التشريعية في العراق وضع الجميع في دائرة الإتهام، والتقصير، وإرتكاب الأخطاء الكبيرة التي أدت لإنهيار المنظومات السياسية والعسكرية والإقتصادية في العراق، والأهم هو فقدان ثقة الشعب بالحاكم والمسؤول الذي ينبغي أن تكون عامل تفاعل أساسي في إدارة الدولة، رغم تحذيرات شعبية، ودولية مستمرة من الإنحراف الخطير بمسيرة العملية السياسية.
ورغم الحساسية المفرطة لحديث السيد الحلبوسي-العلني-الا إنه جاء متوافقاً مع مزاج شعبي عام وشامل، يتفق مع هذا التشخيص بتفصيلاته، وخطوطه العامة، والذي يتشارك فيه جمهور من ساسة الخط الثاني والثالث من الشاب الذي يصوغ الرؤية العامة للمواطنين، خاصة في مساحات الإعلام الرقمي الواسعة، والتي تلقفت هذا الحديث بشكل إستثنائي، كونه سابقة غير معتادة، لإحدى السلطات الثلاثة التي تقود البلاد.
الرسالة الأهم في هذا الحديث هو إن صراع السلطة مع الدولة، بدء يطفو على السطح بشكل يهدد أركان الدولة، فتزاحم أدوات السلطة المتمثلة بمراكز القوى الناشئة نتيجة فراغ سيادي وعسكري وإعتباري لآليات الدولة الشرعية، بدأت تتوسع على حساب المؤسسات الحكومية والأجهزة الرسمية، ونتيجة هكذا صراعات وبحسب الرؤية المنطقية للأحداث ستكون حتماً تقويضاً صريحاً لشرعية الدولة بكل صورها، ووجودها.
التجربة التي فرضت نفسها على حديث رئيس البرلمان كانت في محافظة الأنبار، عندما كان هناك سلاحاً منتشراً خارج أطر الدولة، والذي أصبح أحد مقومات التمدد الإرهابي في المناطق الغربية بتلك الفترة، وهذه المقاربة مع الوسط والجنوب هو توثيق تواجد ذات السلاح، حيث سيؤدي لنفس النتائج الكارثية التي حدثت عام 2014، فمعطيات المرحلة تتشابه، طالما تطابقت المصالح والأهداف للقوى التي تريد الفوضى لتحقيق متبنياتها الفئوية أو الأيدلوجية داخل وخارج العراق.
الصراحة في التشخيص، تشبه الى حد كبير مواجهة الأخطاء والتمرد على سلوكياتها، وقد تجسد ذلك في مجموعة صور ومشاهد تتكرر في مناطق الوسط والجنوب، والتي يعتقد أهلها إن إدارة الدولة ذات لون شيعي واضح، وتكرار الفشل في تحقيق أي منجز على المستويات الإقتصادية والخدمية في هذه الفترة تحديداً يجر نتائج سلبية حول رمزية الحكم الشيعي في العراق، فالمعارضة الأشد لهذا النظام المنتج للحكومات المتعاقبة هي من المناطق ذات الأغلبية الشيعية.
ويبدو أن سمات الدولة العميقة(المُسَلم بوجودها) واضحة بين سطور تصريحات السيد الحلبوسي، هذه الكيانات التي نمت على حساب مصالح المواطنين، وأرتبط نموها بهواجس مذهبية ومناطقية إمتدت على كل مساحة الوطن الواحد، فتوحدت في غاياتها، وترسخت أذرعها لتكون عبئاً يُثقل كاهل الدولة في الإدارات واللجان الإقتصادية، والفساد، والتجارة الخارجية، ودعم مراكز القوى الموالية، كل تلك الأذرع أصبحت سرطاناً يمخر جسد الدولة ويستنزف مواردها المالية والبشرية على حدٍ سواء.
يمكن للطبقة السياسية الأن أن تعي أخطائها فعلاً، وتتدارك رغبة الشارع العراقي بكل أطيافه، والذي يدفع ثمن أخطاء المرحلة، وتعطي للمواطن فرصة للتغيير رالتصحيح عبر صناديق الإقتراع، وعدم إضاعة مزيداً من الوقت والجهد في الدفاع عن إنحرافات ستجر البلاد لمزيد من المعانات، والتي لن تقف هذه المرة الا بعد دفع فواتير باهضة الثمن لا تمتلك تلك الطبقة السياسية رصيداً كافياً لتغطيتها.