ينقضي عام ويأتي أخر بحلة جديدة وظروف تختلف عن سابقاتها ويبقى شهر محرم الثابت الذي لا يتغير ولا يتبدل، تتبدل الدنيا بأهلها حال بعد حال وتختلف الظروف وتتبدل الأحوال ويبقى محرم وتبقى عاشوراء غضة طرية كأنها حدثت بالأمس وكأن الزمن ظل ساكنا هناك وما عاد يتحرك من يومها بقي يواجه الزمن فظلت شعائره تتخطى كل جديد وتبقى هي الأصيل الذي لا يتقادم بل ولا يدخل ضمن موسوعة التجديد الا في العزاء والبكاء واخذ العبرة والعَبَرة من سيد الشهداء ليتحكم هو كيفما يشاء ويفعل بمحبيه ما يريد لانه سيد الزمن في عاشوراء ومن ملك الزمان ملك كل شيء ولذا فقد بكاه كل شيء خلقه الله
فقد روي عن الصادق عليه السلام، قال: «كان الحسين عليه السلام مع اُمّه تحمله، فأخذه النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: لعن الله قاتلك، ولعن الله سالبك، وأهلك المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين مَن أعان عليك.
فقالت فاطمة عليها السلام: يا أبه، أيّ شيء تقول؟
قال: يا بنتاه، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي، وهو يومئذٍ في عصبة كأنّهم نجوم السماء، يتهادون إلى القتل، كأنّي أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع رحالهم وتربتهم.
قالت: يا أبه، وأين هذا الموضع الذي تصف؟
قال: موضع يقال له: كربلاء، ذات كرب وبلى علينا وعلى الاُمّة، يخرج عليهم شرار اُمّتي، لو أنّ أحدهم شفع له من في السموات والأرض ما شفّعوا فيه، وهم المخلّدون في النار.
قالت: يا أبه يقتل؟
قال: نعم يا بنتاه، وما قتل قتلته أحد كان قبله، تبكيه السموات والأرض، والملائكة والوحش، والنبات والبحار والجبال، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض متنفّس، ويأتيه قوم من محبّينا، ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقّنا منهم، وليس على الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم.
اُولئك مصابيح في ظلمات الأرض، وهم الشفعاء، وهم واردون عليّ حوضي غداً، أعرفهم إذا وردوا عليّ بسيمائهم، وكلّ أهل دين يطلبون أئمتهم، وهم يطلبوننا، لا يطلبون غيرنا، وهم قوام الأرض، وبهم نزل الغيث.
فقالت فاطمة الزهراء: إنّا لله وانا اليه راجعون …وبكت» إلى آخره(1).
واما العزاء عليه فقد شرف الله بذلك من الناس من يحيي ذكرى شهادته ويتألم ويتفجع لمصابه فيلبس السواد ويبكيبه بكاء انتحاب ليل نهار وينفق من ماله وراحته لأجل مصابه وأحياءا لمظلومية سيده وما جرى عليه فهو كالمصباح في زمن الضجيج والصياح يأتي بكل خير ويأمل منه ذلك ويأمن من شره كل خلق الله قد شغله العزاء عن اي رجاء
وقد روي أنّه لمّا أخبر النبيّ صلى الله عليه وآله فاطمة بقتل ولدها الحسين، وما يجري عليه من المحن، بكت فاطمة عليها السلام بكاءً شديداً وقالت: يا أبه متى يكون ذلك؟
قال: في زمان خالٍ منّي ومنك ومن علي عليه السلام.
فاشتدّ بكاؤها وقالت: يا أبه، فمن يبكي عليه؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟
فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا فاطمة، إنّ نساء اُمّتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة»(2).
إن نهج ومدرسة الامام الحسين عليه السلام لازال سيدها ناطقا بصوته مدويا مزلزلا عروش الطغاة :
“فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، والحياة مع الظالمين إلاّ بَرَماً”
وهذه الأبيات للحسين عليه السلام من إنشائه وقال: ليس لأحد مثلها:
فإن تكن الدنيا تعد نفيسة *
فإن ثواب الله أعلى وأنبل
وإن يكن الأبدان للموت أنشأت *
فقتل امرء بالسيف في الله أفضل
وإن يكن الأرزاق قسما مقدرا *
فقلة سعي المرء في الكسب أجمل
وإن تكن الأموال للترك جمعها *
فما بال متروك به المرء يبخل
ومن كلماته الخالدة
” الموت خير من ركوب العار ” ثم على الميسرة وهو يقول:
أنا الحسين بن علي *
آليت أن لا أنثني
أحمي عيالات أبي *
أمضي على دين النبي.
وفِي الختام
إن من يتذوق طعم التعلق بالحسين عليه السلام واحياء مصابه لا يأبه بأي ظرف ضاغط يمنعه او يحول دون خدمته أو إحياء عزاء سيده وأن كان عاقبته الموت كما اخبر بذلك علي الاكبر لانبالي اوقعنا على الموت او وقع الموت علينا فحب الحسين وعشقه دائما يفعل المعجزات التي لا يبصرها الا من أنار الله بصيرته فكان فؤاده يغلي من حرارة المصاب الحسيني التي لا تبرد ولا تنطفي ابدا.
#سعد العابدي.
________
1- بحار الأنوار ٤٤: ٢٦٤ حديث ٢٢، عن تفسير فرات: ٥٥ ـ ٥٦ .
2- بحار الأنوار ٤٤: ٢٩٢ حديث ٣٧ .