هادي جلو مرعي
وأخيرا ترجل أبو عطية عن عربته، وإنتقل سامي عبد الحميد عميد المسرح العراقي الى جوار ربه بعد مسيرة حافلة بالعطاء الفني الملتزم في المسرح والتلفزيون والسينما، وقدم سلسلة رائعة من المسرحيات والمسلسلات والأفلام التي بقيت عالقة في ذاكرة الفن العراقي.
كان واحدا من أروع أدواره، وأكثرها تشويقا في مسلسل (الذئب وعيون المدينة) ومثل دور سائق الربل، أو العربة التي يجرها حصان، ومهمته نقل قادر بك الذي مثل دوره الراحل خليل شوقي الذي توفي العام 2015 في هولندا، وكان قادر بك غنيا، لكنه كان بخيلا، وكان ظالما لقريبه رحومي ورجب ( طعمة التميمي وقاسم الملاك) وكان أبو عطية متعاطفا معهما فهو مظلوم مثلهما تماما، وكان يعيل أسرة فقيرة للغاية، لكنه كان يتجاهل الإهانات بشرب الخمر.
لكن الواقع غير ذلك فعبقرية أبو عطية في المسرح كانت هي الطاغية، وكان تلاميذه ومجايلوه وزملاؤه في العمل يعجبون به، ويتعلمون منه فهو خريج مدرسة المسرح العراقي مع بدري حسون فريد وجعفر السعدي وخليل شوقي وأسعد عبد الرزاق وآخرين من العمالقة الذين أسسوا لبنات المسرح العراقي منذ أن مثل دوره في مسرحية ( أنا الجندي) في أربعينيات القرن الماضي.
الناس العاديون ينسون الأدوار الكبيرة، ويتعلقون بالأدوار الصغيرة التي يرونها تحاكي حيواتهم ورغباتهم، ومايحلمون به خاصة وهم يعيشون الإضطهاد والتعسف من قبل السياسيين والأغنياء الذين يرون فيهم مجرد أشخاص لاقيمة لهم سوى إنهم خدم يؤدون واجبا غير مشرف، لكن الحقيقة هي إن تلك الأدوار تنطبع في الذاكرة لأنها حقيقية ونابعة من وجدان الفنان الذي يعيش حياة الناس ويفهمها عن قرب، وهي ليست كتلك الأدوار المستلة من الروايات والكتب.
دور أبو عطية في مسلسل الذئب وعيون المدينة كان رائعا بإمتياز، وخالدا في الذاكرة، يقول صديق لي صحفي: إنه كان يدرس في أكاديمية الفنون الجميلة، وكان ينتظم في القاعة التي يلقي فيها سامي عبد الحميد دروسه، ويضيف : إنه تأخر يوما عن االدرس، وحاول الدخول الى القاعة، لكن الدكتور عبد الحميد نهره، وأخرجه من القاعة، ولم يسمح له بالدخول، فإنفعل الطالب، وصاح فيه: لو كان فيك خير لما مثلت دور أبو عطية وسايق عربانة أيضا!
غادر معظم رواد المسرح، وبقيت النماذج الفنية البائسة التي لاتستهوي سوى من يرغبون بالضحك في عالم بعضه يضحك في وجه بعض، بينما يستل خنجره ويغرزه في الخاصرة.