هادي جلو مرعي
أراد المغن في الحفل الساهر إستثارة مشاعر الحاضرين، وكانوا من دول مختلفة، وأخذ يسألهم على وقع الموسيقى عن بلدانهم، وكانوا يجيبون بأصوات عالية لكي يسمعهم فقد كان الصخب يملأ المكان، وكانوا يتفاعلون معه حين يغني لحنا من كل دولة، ويرمز لثقافتها وتنوعها، لكن الأكراد الحاضرين لم يتفاعلوا مع أغنية (كلنا العراق) التي غناها الإماراتي حسين الجسمي، وكان المغني المصري يحاول إجادتها، بينما صفق عراقيون عربا من السنة والشيعة ، وصرخ واحد منهم منفعلا ( ألعن أبو السنة لاأبو الشيعة لوكانوا موحدين لماتطاول الأكراد) ثم رفع الشبان الكرد علم كردستان الجميل، وهنا ثارت ثائرة العراقي، بينما إستغرب المغني من عدم مشاركة الكرد في التصفيق.
قلت للعراقي العربي: تعال جنب ياحبيبي وإسمع العبارة التالية مني وتفهمها جيدا، هولاء الشبان الكرد ليسوا حاقدين علينا ولانعرفهم، وهم لم يكونوا يعرفون بوجودنا وجنسياتنا، وبالتالي فماقاموا به ليس نكاية بنا، ولم يخشوا إننا في بلد عربي يتعاطف معنا أكثر منهم لأننا نجتمع تحت راية القومية العربية الواحدة، وهذا التصرف طبيعي عند كل قوم وملة ومجتمع إنساني عندما يتعلق الأمر بالتراث والحضارة والدين والمذهب والقومية. فالكرد وإن كانوا جزءا تاريخيا من العراق، وهم لايؤمنون بذلك بالقطع بإعتبار أن لهم مايميزهم من تاريخ ولغة وعادات وتقاليد وموروثات في الطعام واللباس والثقافة, لكنهم هنا يعبرون عن تلك الموروثات, وبعلم يحبونه لأنه يحقق جزءا من ذاتهم المكلومة عبر الزمن، فيعودون لما يميزهم عن الآخرين الذين لم يمنحوهم حلمهم ببناء الدولة، وكانوا شركاء مع بعض لمنع تحقق ذلك الحلم عبر التاريخ، وتم قمعهم بطريقة وحشية.
الأكراد هنا عبروا عن تلك الذات، ولاعلاقة للأمر بنا لامن بعيد ولامن قريب، فهم يرفعونه بحضورنا وبعدمه، وفي أوربا وأمريكا وفي المحافل الرياضية والفنية، ولايستطيع المخالف لك والمختلف عنك أن يستسلم لك لأنك يجب أن تفكر بذات الطريقة، ومثلما تريد له أن يستسلم لواقع الحال، ويحترم وجودك وأفكارك وماتؤمن به، فعليك أن تفعل ذات الشيء معه، وتقيم له الوزن الذي يستحق.
لاحظوا إن الاكراد وبرغم عدم قيام دولة لهم لكنهم حققوا طفرات إقتصادية وتنموية مختلفة، وتمكنوا من فن إدارة الدولة في بغداد العاصمة، وفي كردستان، وهم يديرون دولتين معا في حين فشلنا في إدارة شارع، ولاحظوا إنهم حتى في علمهم متميزون، ولم يغيروه، وجعلوه رمزا لأمة، ونحن نتفنن في إهانة العلم العراقي بين عقد وعقد من الزمن. فالعلم الملكي الرائع والمتميز والهائل الذي صمم مع تأسيس أول دولة في العراق عام 1920 أهين عام 1958 وتم تصميم علم جديد يتناسب وإنقلاب تموز الأول، ثم جرى التخلي عنه لحساب علم البعثيين في إنقلابهم الثاني بنجمات ثلاث ربما تعبر عن وحدة بين ثلاث منظومات عربية هي العراق وسوريا ومصر، وعندما أسقط نظام الحكم جاء الحكام الجدد بعلم صدام، ووضعوا له بعض المكياج الفاسد فأزالوا النجمات الثلاث، وعدوها أم المشاكل، بينما أبقوا كلمة (الله أكبر) التي خطها صدام بدمه حتى تسمت الراية براية (الله أكبر) تمجيدا لصدام، وماتزال كذلك، فالجميع ينطقها اليوم براية (الله أكبر) وهي كلمة أثبتها صدام حسين، وكان الأولى وفقا للقانون والدستور وقانون إجتثاث البعث أن تزال الكلمة المقدسة إحتراما لها لو كانوا صادقين، وأن تبقى النجمات الثلاث التي كان يسخر منها محمود المشهداني رئيس البرلمان العراقي الأسبق، ويضحك، ويقول: لماذا تزيلون النجمات؟ إعتبروا واحدة منهن أنا، والثانية خالد العطية، والثالثة عارف طيفور في إشارة لنائبيه الكردي والشيعي.
المقال التالي