هادي جلو مرعي
لاأتذكر عدد الذين تصرفوا بقليل من الذكاء في علاقتهم معي. لكنني أعرف حجم إصابتهم بما يشبه الوباء الذي يضرب البعض، ويدفعه الى سلوك غير محسوب.
خذ مثلا هذه العبارة: خسارتك (للزين) ترد لامثيل له..هناك من يعاتب على الصغيرة والكبيرة، ويحول الجميع الى خصوم كما في قول بشار بن برد:
إذا كنت في كل الأمور معاتبا
صديقك لم تلق الذي لاتعاتبه
يتحول العتب الى مرض، وفي الغالب هناك الكثير ممن يعتاشون على العتب، ولايعتذرون لأصدقائهم، أو يجدون لهم عذرا عن شيء يعدونه تقصيرا.
بشار بن برد هو أيضا إسم شارع في البصرة كما لأبي نواس شارع على إسمه في بغداد، وكانت له جارة ذبحت ديكها، وقدمته له بالخل والزيت، فقال فيها شعرا :
رباب ربة البيت
تصب الخل بالزيت
لها سبع دجاجات
وديك حلو الصوت
العتب يذهب بالصحبة.. لكني أشكي من صنفين من الأصدقاء الذين عملت معهم فلم يقيموا لي وزنا، ومن أصدقاء قدمت لهم أشياء جميلة فلم يحفظوا لي ذلك وخسروني، وبعض هولاء أسخر منه في سري إنني قدمت له الكثير، ولكنه تعامل معي بوصفي أحمق.
في الغالب تعود الناس على القسوة، ولذلك هم يعبدون الحاكم المتجبر حتى لو نكح جلاوزته نساءهم أمام اعينهم، وهم يسخرون من الحاكم الضعيف، وفي العمل لايحترم العاملون مديرهم الطيب لكنهم ملتزمون بطاعة المدير القاسي والمتعجرف الذي يشتمونه في سرهم ويعبدونه في العلن، ويتملقون له، وأكبر الخطايا في العمل أن تكون طيبا، وقد نصحني مديري في أول أيام حياتي، ولم ألتزم بالنصيحة، قال: ليس مهما أن يحبك الناس، المهم أن تنجح في عملك
أصدقائي الذي يخطأون هم الذين لايخسرونني لأنهم يربحون مني، لكنهم يخسرونني لأنني أضعهم بمنزلة رفيعة برغم مايقوله لي البعض عنهم بأنهم لاخير يرتجى منهم، وبذلك يفقدون شخصا من القلائل الذين يقدرون وجودهم وإنسانيتهم..
وسيء جدا أن تفقد شخصا مخلصا، وتتركه يتأمل إفتقادك للذكاء، ويبحث عن سر هذا الإفتقاد في دهاليز دماغه.
لاتعد صديقك بمالاتستطيع فلست مكرها على ذلك، وإظهر على حقيقتك كما هي، ولاتمثل ولاتكذب، فلاشيء سيكون رفيقا لك سوى عريك.
المقال السابق