هادي جلو مرعي
عبارتان كريهتان يلح العراقيون في إستخدامهما، وإشباع الواتساب والفايبر والماسنجر برائحتهما هما (جمعة مباركة) و( أيها العراقيون الشرفاء والوطنيون) عشرات آلاف العراقيين يشترون عقارات وشققا وبيوتا ومحالا تجارية في دول عدة حول العالم عربية وإقليمية وبعيدة في الشرق والغرب، وعشرات آلاف ناقمون على الوضع العام، ويريدون إحراق كل شيء، عشرات آلاف منهم لايعرفون ماذا يريدون، ولايجدون من أسباب السعادة مايؤكد لهم إن السعادة مقبلة وقريبة، وقد فتحت صدرها للهواء، وزنديها لإحتضان الحبيب العراقي المنتظر منذ عقود. فكلما جاءت لحظة أمل جاء حاكم مجرم وحول الأحلام الى جحيم، والطريف أن كل حاكم مجرم جاء وحكم العراق عبر تاريخه الطويل حظي بنسبة مؤيدين وأنصار وعشاق لامثيل لهم مثل المسؤول في بلدنا عندما ينشر شيئا والجميع يشتمه ويتناقل (أخباره السز) فإن آلافا من المحبين والمؤيدين يؤيدونه ويمجدونه ويعاضدونه ويعدونه الزعيم الأوحد والشريف الأوحد.
يغيظني مؤخرا كلما قرأت هذه العبارات فأنا بصراحة لاأثق بمحاولات التغيير، فالثورات جميعها أكاذيب لأنها تبدأ بمطالب شعبية ويرتقيها الإنتهازيون والمجرمون، خذ مثلا أحلامنا في العراق الدولة الأكثر فشلا عبر تاريخها الطويل فكنا ننتظر سقوط نظام حكم لأنه أدخلنا بحروب وحصاراِت ومجاعات ومشاكل لاحصر لها على أمل أن نحظى بحكام يمتلكون ذرة شرف واحدة على الأقل، لكن الصدمة كانت كبيرة ففي يوم ذهلت بمنظر عشرات آلاف العراقيين يقتحمون المعسكرات ومؤسسات الدولة ومجمعات سكنية وقصور وجامعات وصوامع حبوب، وينهبون كل شيء في أشهر ملحمة حواسم عبر التاريخ، ثم دخلت عقارب وأفاع ووحوش كاسرة بإسم الإسلام لتنتفض تحت زعم محاربة الإحتلال، ويحيلون الوطن الى دمار وخراب بتفجيرات وأعمال عنف حقيرة، ثم طائفية مقيتة، مع فعل سياسي سلبي للغاية وفساد غريب وعجيب، ومثير للدهشة من مجاميع دخلت العملية السياسية.
سأشي لكم بسر فشل العملية السياسية بعبارات بسيطة:
في 2003 لم يتم بناء العملية السياسية بهدوء وعقلانية، بل تم ذلك بطريقة الحوسمة، فكل من هب ودب حتى لو كان بدرجة حمار يمكن أن يحصل على منصب رفيع، ولم تعد الناس تفكر بِحماية مؤسسات الدولة وبنائها، وصار الهدف الأساس هو نهب المال العام والسيطرة على المؤسسات والمناصب، وعزل المنافسين، وجعل الإحتقان الطائفي والقومي والصراع وسيلة لتحشيد ملايين السذج في إنتخابات فاسدة وفي عمليات سيطرة وتحكم ونفوذ غير مسبوق لشخصيات وزعامات غير مؤهلة لكنها نجحت في السيطرة لأن الشعب لم يكن مؤهلا لوقفها، أو لتمحيصها، بل إندمج معها على أساس الطائفة والقومية والعشيرة والمناطقية.
مايجري الآن هو ظلم مفرط، وغياب للعدالة والتوزيع العادل للثروة، ووقف لكل الأنشطة الصناعية والزراعية والبحثية، وعدم القدرة على فتح باب الإستثمار، والعمل في القطاع الخاص المغيب لحساب دول تحكم قبضتها على العراق، وثبتت عملاءها في كل مكان ليمنعوا نهوض الدولة وسيادتها ولتبقى ضعيفة من أجل قوة الآخرين. الحقيقة إننا لسنا وطنيين ولاشرفاء وفقا لمعادلة الصراع بين الخير والشر، بل نطالب بماإستحوذ عليه غيرنا، ولم يتركوا لنا إلا الفتات، وهناك كثير من المعارضين والمطالبين بالتغيير وهم فاسدون، ولكنهم يجدون في الفوضى سبيلا للحضور والتأثير.
المقال السابق