النرويج/علي موسى الموسوي
“لايربيّ الانسان إلاّ من كانَّ اكثر من انسان” المقولة العظيمة التي طويناها بكراكيب الذاكرةِ المصابة كأيِ اثاثٍ قديم، تذكرتها وانّا اتصفح الجدليّة المزمنة مابين القيمّة الانسانية ومعيارها الثقافي والمتمظهر سلوكياً، ومابين كتلة الانتماءات النائمة في سياقتها، فالحديث عن الأنسانية، تلك المفردة المسلوبّة ثقافياً، والخاضعة لبورصة الحكام سياسياً، كانت ومازالت تعوم وحيدة وبعيدة عن موطنها الام، لذلك صار للكراهيّة بدواخلنا منسوب، وللتعنصرّ روافد، والغريب حينمّا تعود الى دواخلنّا بعد كلِ حرب او صراع وهي محملة بكلّ الانتماءات، تحتاج من الذات المُتعبة ان تتجرد وأنّ تجالس وتكاشف واقعها الناصح لاهجينها المُشاع لانّ الانسانية هي المادة الاوليّة لصناعة الحبّ والتضحية وقبول الآخر بغض النظر عن لونه ودينه، هي بمثابة العين الرحيمّة التي تحدد هرمونية الاشياء كماتريد لاكما يريد الآخر المُختلف، فالاشياء تبدو قبيحة أو جميلة رهناً بوجهةِ نظر المتأمل، وذلك يعني ان الجمال ليس القائم خارج ذات الإنسان ولكن الجمال الحقيقي هو الموجود والقابع في داخل الروح الإنسانية. ولو دخلنّا الى مدارها البايولوجي وقريباً من جوهر النفس البشرية، يمكن انّ نجسدها بمجموعة الاعتبارات الخاصة بالإنسان ومشاعره وسلوكه والتي تميزه عن الآخرين من ناحية وعن غيره من الكائنات الأخرى، حيث أنها تشتمل العوامل الإيجابية في نفسه ومدى ميله الفطري إلى فعل ما هو جيد وصالح للآخرين من حوله مثل الرحمة والعطاء والإحسان والعدالة أي مجموعة العلاقات المعنويّة التي تربطه بغيره من البشر أو حتى الكائنات الأخرى من حوله حيث تكون منظومة الأسس النبيلة فيها بمثابة المحرك و الأساس في تعامله معها انطلاقاً من ضفة التحرر من الأنانية ومراعاة مصالح الآخرين وتطبيق النظرة الكلية للأديان والتي تقوم على تحقيق المصلحة الحياتية للإنسان وللآخرين من حوله دون انفراد بنفسه او رايه او معتقده الشخصي. فالإنسانية هي روح المعاملة بمقدارِ البعد عن الظلم أو تفضيل النفس والميل إلى العنف سواء اللفظي والذي يتسبب في إيذاء مشاعر الآخرين كالسخرية منهم أو العنف الجسدي المتمثل بأيذائهم عضوياً، هي الحاسة السادسة التي تزنّ الظروف الخاصة والتعقل ومعدلات الثبات والتحكم في النفس أي أنها مجموعة العادات والأخلاق المتحكمة في الإنسان خصوصاً النبيلة منها والتي تعتمد على توقير الآخرين والحرص على كرامتهم وعدم إيذاءهم واهانتهم بأي شكل كان فحين يتم الحفاظ على كرامتهم بالكلمة أو الموقف، فالنتيجة هنا وطن يسوده العدل والمساواة واحترام ذات الآخر، عندها نشعر به وبكل حيادية لما يعتصر قلوب الآخرين، ونتألم لألمهم نبكي لبكائهم، هنا فقط سنتحسس مواضع الخير فينّا، فلا جمعيات ولا حقوق تحفظ كرامة الإنسان، مالم يكن التغيير من داخله ومالم يكن مبدأ حبه لاخيه مايحبه لنفسه فعالاً، فإن لم تستطع ايها الانسان أن تحافظ على حقوق نفسك ونقاؤها، فلن تستطيع أن تحافظ على حقوق أي إنسان آخر نظير لك في الخلق قبل أنّ يكون لك اخ في الدين كما قال امير البلاغة علي بن ابي طالب (ع).