محمود المفرجي الحسيني
ملفت جدا الموقف الامريكي الاخير، من قضية تواجد قواته في العراق وامكانية استهداف ايران انطلاقا من اراضيه، والموقف من قادة المقاومة العراقية.
فالرئيس الامريكي دونالد ترامب هو نفسه الذي جعجع في الفترات السابقة بان قواته ستستقر في العراق بعد الانسحاب من سوريا، وكأن العراق ضيعة له، وهو نفسه الذي اطلق الخطابات الرنانة ضد ايران، وهو نفسه الذي اعلن موقفه السلبي من فصائل المقاومة والحشد الشعبي في العراق.
وبخلاف كل الخطابات “الترامبية”، خرجت السفارة الامريكية بالامس بتصريحات جديدة وموقف جديد نسفت به كل ما صرح به ترامب كليا، واعلنت فيه عن استعداد بلادها بسحب قواتها من العراق ما اذا طلبت الحكومة العراقية ذلك، وعدم الاستعداد بالدخول بحرب مع ايران، وكذلك تكلمت بـ “رومانسية” عالية عن قادة المقاومة، وبالذات الامين العام لمنظمة بدر هادي العامري، والامين العام لحركة عصائب اهل الحق الشيخ قيس الخزعلي.
وابدى القائم بالاعمال في السفارة الأميركية جوي هود، امس الثلاثاء، استعداد بلاده لسحب قواتها من العراق، راهناً الأمر بتقديم طلب من الجانب العراقي، نافيا وجود “قواعد أميركية في العراق، وان الوجود الاميركي يأتي ضمن القواعد العراقية ولتدريب القوات المحلية فقط”.
واضاف أن “القوات الامريكية لن تستخدم الاجواء او الاراضي العراقية للهجوم على اي مكان او اي دولة، مشيرا الى أن “الرئيس ترامب لا يقترح اي تغييرات او تعديلات للاتفاقية الاستراتيجية بين العراق وامريكا، وانه لا يريد الحرب مع ايران مطلقا”.
واشار الى، انه “ليس هناك خلاف مع زعيم تحالف الفتح هادي العامري أو زعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي”.
– لماذا تغير الموقف الامريكي؟
ابتداء يجب الاشارة الى ان الاسلوب الامريكي في عملية اطلاق التصريحات والمواقف السياسية، فهي لا تخرج من المنظومة الاعلامية التي يتبعها البيت الابيض، بمعنى، ان القائم باعمال سفارة معينة لا يطلق التصريحات جزافا الا اذا كان معبرا عن موقف امريكي انطلق من قلب البيت الابيض، بدليل انه بعد مرور اكثر من 48 ساعة من تصريحات هود لحد الان لم يعلق البيت الابيض عليها لا سلبا ولا ايجابا، ما يؤكد ان ما صرح به هود هو نفسه الخطاب الذي يريد البيت الابيض تسويقه.
ربما يستطيع ترامب نفسه ان يخرج على الاعلام ويعبر عن موقفه الجديد بنفس الذي عبر عنه هود، لكن فيما يبدو ان البيت الابيض فضل ان يكون مصدر هذا الموقف هو دبلوماسي وليس الرئيس الامريكي نفسه او اي ناطق باسم الابيض، وذلك للحفاظ على ماء وجه ترامب.
وهنا يمكن الدخول مباشرة بالموضوع ونبحث عن الاسباب التي ادت الى ان تغير امريكا من موقفها تجاه بقائها في العراق وعدوتها ايران، والموقف من المقاومة العراقية وقادتها الذي ذكر منهم اثنين من اهم قادة المقاومة في العراق وهما العامري والخزعلي.
اولا- الموقف من بقاء القوات الامريكية في العراق
عندما صرح ترامب قبل اشهر قليلة بان قواته سوف تنسحب من سوريا وتستقر في العراق لمراقبة ايران عن كثب، كانت الغاية من تلك التصريحات ان يجس نبض الشارع العراقي ليعرف ما مدى مقبولية قواته بالنسبة للعراقيين ، حينها اصطدم ترامب بردة فعل عراقية، سلبية، قوية، صارمة وغير مسبوقة، علم حينها ان طريق بقاء قواته في العراق لن يكون مفروشا بالورود كما كان يظن وكما نقل له من بعض القادة العراقيين المنسجمين مع الاجندة الامريكية .
ثانيا- الموقف من استخدام العراق لاستهداف ايران
ان امريكا تدرك ، بان ايران ليست دولة عادية او ضعيفة يمكن استهدافها بسهولة، وهي ليست من الدول التي يمكن اخضاعها كما اخضعت دول المنطقة، وان ردود فعل استهدافها لن يكون مقتصر عليها فقط انما سوف يثير ردود فعل اخرى في المنطقة وهذا ما يمكن ان يعرضها والكيان الصهيوني للخطر.
كما ان ترامب كان يظن ان هذه المسألة مرتبطة بموقف الحكومة العراقية فقط، وان ادارته قادرة على الضغط على هذه الحكومة واجبارها على اتخاذ ارض العراق كقاعدة لضرب ايران او مراقبة تحركاتها وقطع امداداتها لقوى المقاومة المسلحة في المنطقة، لكن ادرك بان تصريحه “الغبي” بدلا من عزل ايران ، صنع رأيا عاما مقاوما، وحينها ادرك بانه لو قام باستهداف ايران حتى على سبيل المراقبة فقط، سوف يشعل المنطقة برمتها، وسيضع طفله المدلل “الكيان الصهيوني” في دائرة خطر اكبر من الذي يشعر به هذا الكيان، اذ ان العراق وكل فصائل المقاومة اعلنت بان استهداف اي طرف مقاوم في اي بقعة في المنطقة هو استهداف لكل قوى المقاومة وانها سترد رد حازم وحاسم على كل المصالح والمواقع الامريكية وكذلك الكيان الصهيوني.
كما ان ترامب ادرك ان قوى المقاومة المسلحة في العراق وسوريا ولبنان وحتى فلسطين واليمن، لم تعد امكانياتها اللوجستية ضعيفة ومتواضعة كالسابق، بل قوية وعنيدة وتملك اسلحة وصواريخ قادرة على دك قلب تل ابيب، والوصول الى اي موقع امريكي في المنطقة.
ثالثا- الموقف من قادة المقاومة
بالتأكيد ان العراق بالذات فيه قوى مسلحة كثيرة، وهذه القوى ليست خارجة عن نطاق الدولة العراقية، انما تحظى برسمية وشرعية، واهم شرعية تتمتع بها هذه القوى هو التأييد الشعبي منقطع النظير.
وايضا فيه قادة كثر للمقاومة، واهمهم هادي العامري وقيس الخزعلي، اللذان ذكرهما القائم باعمال السفارة الامريكية هود بالذات، وهذه تعد سابقة لم تحدث من قبل، لان المعروف ان امريكا منذ اول لحظات دخول عصابات داعش للعراق وسوريا كانت تستهدف قوى المقاومة وتضغط على الحكومة العراقية لحلها وتعتبرها المعرقل الاول لاجندتها.
لكن عندما تتطرق امريكا الى اهم اسمين في منظومة المقاومة فهذا يعد تطور كبير جدا، ويعبر انها عندما اختارت العامري والخزعلي فانها اختارت “المسيطرين” على القرار العراقي المقاوم، وذكرهما هو محاولة لكسب ودهما، وارسال رسائل تطمينية لهما بان امريكا لن تبقى في العراق ولن تستهدف ايران.
والغاية من هذه الرسالة الى العامري والخزعلي، هي تريد بان يكون تواجدها في العراق بشكل مقتضب جدا وخال من القوات القتالية، وبالاتفاق مع الحكومة العراقية .
الخلاصة بالموضوع، ان هذا التغيير الاستراتيجي الامريكي، هو انتصار للشعب العراقي الذي طرد الامريكان قبل قدومهم الى العراق، وهو انتصار كبير للمقاومة العراقية الشجاعة التي وقفت موقفا وطنيا عظيما عندما ابدت موقفها حازما من التواجد الامريكي.