مضر الحلو.
لم يكن البيان الذي صدر عن مرجعية السيد السيستاني المتضمن لوصايا الخطباء منطلقا من فراغ بل من ادراك تام لخطورة ما وصل إليه الخطاب الحسيني من وضع لا يحسد عليه غالبا، ولو قدر ان يلتزم السادة الخطباء الكرام عامة بهذه الوصايا لأحدثوا نقلة نوعية هائلة في مستوى هذا الخطاب، وانقلابا في الوعي والثقافة الدينية، وهو ما يلزم مجتمعنا في واقعه الراهن، حاجة بحجم مآسيه التي يعاني منها، ومشاكله التي تعصف بأمنه واستقراره، وأزماته التي تهدد حاضره ومستقبله. لذا جاء التركيز في البيان على تجنب الخرافة ورفض تسطيح الوعي، والتجهيل الممنهج، وتغييب الوجه الحضاري للإسلام، والتشيع. مع ذلك كله نجد بعضاً ممن امتهنوا الخطابة اصبحوا مولعين بكل ماهو ضعيف وشاذ من الروايات فأضحى خطابهم مثيرا للشفقة، وباعثا على السخرية والتندر، وربما لم يخلوا من تجاوز على مكانة آل البيت (عم). كالذي اراد ان يعرف الملح لمستمعيه فقال لهم: الملح هو محمد وآل محمد، ثم يشرح لهم بعبقريته هذا الاكتشاف العظيم قائلا: الميم تعني محمدا، واللام لا فتى إلا علي،والحاءالحسن والحسين (عم)، ولكنه لم تسعفه فذلكته هذه في إيجاد ما يدل على الزهراء (ع) في ملحه أو أنها سلام الله عليها لم تكن من آل البيت (ع) في نظره!! بل ربما بلغ التجاوز مديات غير معهودة سابقا كالتجاوز على مقام الربوبية، والذات الالهية المقدسة، فقد تمادى أحدهم أن تحدى مقام الربوبية على أن يبكيه على مصيبة الإمام الحسين (ع)، أو أن الطفلة رقية بنت الإمام الحسين (ع) تحيي وتميت حسب زعمه! وهذه لعمري طامة كبرى.
كما وردت دعوة الخطباء إلى ان يكونوا ملمّين بثقافة زمانهم ومطلعين على التيارات الفكرية، والشبهات العقائدية، والمشاكل المختلفة التي يواجهها المجتمع كي ينطلقوا لمعالجتها عن بصيرة ورؤية واضحتين.
ناهيك عن اشارة البيان الواضحة إلى تحري الدقة من قبل الخطيب في نقل الايات القرانية، والروايات من الكتب المعتبرة، وترك ما لا سند معتبر له ولا دليل عليه، وتجنب القصص الخيالية، أو التي تتصادم مع العقل، ورفض المبالغات فان كل هذا يجعل الناس تبتعد عن المنبر وتفقد ثقتها به، وقد اكد سماحة المرجع على عدم الاعتماد على الاحلام والرؤى والاستدلال بها على المدعى فان ذلك كله يسهم في تراجع مستوى المنبر، ويضطرّه للتنازل عن مكانته المؤثرة ليصبح حينذاك أداة للهدم لا البناء، ويكون ضرره اكبر من نفعه.