محمود المفرجي الحسيني/
بلا شك انه بعد فشل مؤتمر وارسو الذي استهدف ايران وقوى المقاومة المسلحة التي تهدد وجود النفوذ الامريكي في المنطقة الكيان الصهيوني في المنطقة ، اصبح المشهد السياسي والاستراتيجي العام بصورة اكثر وضوحا من ذي قبل وحدد محاور التحالفات والاجندات.
ربما ان امريكا والكيان الصهيوني اللذان تبنيا هذا المؤتمر، يعلمان جيدا بان النتائج منه سوف لن تكون كما كانا يتمنان، لكن المؤتمر بصورته العامة اوضح غاية رئيسية قد تكون خارطة طريق مستقبلية للدول التي اشتركت في المؤتمر، وهي تندرج ضمن ثقافة “من معنا ومن علينا؟”.
ورغم ان كبريات الدول بالعالم وخاصة الاوربية لم تشارك في هذا المؤتمر، الا ان هناك دولا اخرى كانت تتصف بالحيادية بالتعامل مع الاحداث اشتركت فيه مثل دولة عمان، وهذا الامر يعبر عن تعرض هذه الدولة الصغيرة الى ضغوط امريكية وخليجية منقطعة النظير ادت الى مشاركتها وبروزها بشكل لافت.
وبوادر هذه الضغوط وضحت اكثر ابان زيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو الى عمان في فترة سابقة، ما يوحي بان كل هذه الضغوط كانت تريد من عمان ان لا تبقي نفسها خارج محاور التحالفات الدولية ، وهذا الامر سوف لن يجعلها بامان من الاجندات الامريكية الابتزازية .
ان عقد المؤتمر في دولة اوربية وعاصمة تاريخية مثل وارسو لم يأت صدفة، انما كان كل من الامريكان والصهاينة يريدان منها الحصول على غايات ومكاسب ، اذ انهما يستطيعان عقد المؤتمر في الدول الحليفة المنصاعة لهما مثل السعودية او الامارات او اي دولة اخرى في المنطقة، الا انهما فضلا وارسو من اجل السيطرة على القرار الاوربي .
بل بالعكس ان عقد المؤتمر في دولة اوربية سوف يفقد الامريكان الكثير من خيوط الثقة والود مع الدول الاوربية الكبيرة التي لا تسمح ان تعود الى اجواء التبعية، وخاصة انها تفكر بجدية الدخول الى اجواء وفضاءات الاحداث كطرف قوي متوحد ليكون محورا اخر منافسا لمحوري الروس والامريكان.
كم ان رفض كل من روسيا والصين وتركيا الحضور الى المؤتمر، وبتمثيل ضعيف لكل من فرنسا والمانيا وبريطانيا، يعبر وقوف هذه الدول بالضد من التوجه الامريكي العام الذي يريد تشتيت الذهنية العالمية عن مصدر الخطر في العالم وهو الارهاب والصهاينة، ويوجهها نحو دول تريد تصفية حساباتها معها كونها تقف بالضد من اجندتها التخريبية في منطقة الشرق الاوسط.
كما ان الملفت بالموضوع، ان عدم حضور دول مؤثرة في الشرق الاوسط لهذا المؤتمر مثل العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ، يؤكد وقوف هذه الدول مع ايران وبالضد من التوجهات الامريكية، وهذا ما سيضع امريكا في دائرة الاحراج الكبير، سيما بان هذه الدول ، هي دول في منطقة يتخذها الامريكان كأكبر قاعدة عسكرية لها .
اذن بالمجمل .. ان هذا المؤتمر ليس سوى اعلان ولاء من بعض الدول الضعيفة لامريكا والكيان الصهيوني، وهذا الولاء لم يكن بصورة سرية كالسابق والذي شهد زيارات سرية لبعض المسؤولين العرب والخليجيين للكيان الصهيوني وبالعكس، انما فرض امريكي ان يكون بصورة علنية ، بنفس الطريقة التي اعلنتها هذه الدول مثل السعودية والامارات وعمان بانها مع الكيان الصهيوني وضد ايران، وهذا بحد ذاته اعلان رسمي من هذه الدول عن تخليها عن القضايا العربية المصيرية مثل القضية الفلسطينية.
هذا الولاء المخجل لن يمر مرور الكرام، لانه سيكون بالضد من توجهات شعوب هذه الدول التي تعيش القضية الفلسطينية في ضميرها، وبالتأكيد ان في هذه الشعوب تيارات وحركات تحررية كبيرة سيملي واجبها عليها بالظهور في الفترة المقبلة بعد ان كانت مكتفية بالاستنكارات في مواقفها واحاديثها الجانبية .
كما ان هذا الامر سيدفع الكثير من الافراد من الشعوب العربية التي وقفت حكوماتها مع الكيان الصهيوني الى التفكير جديا بتأسيس تشكيلات تحررية اخرى يمكن ان تؤدي الى اشعال الاضطرابات في هذه الدول.
والاهم بالموضوع ان مؤتمر وارسو، سيوحد قوى المقاومة اكثر من ذي قبل، وسيخرجها من نطاق الجغرافيا المناطقية الى فضاءات الحلف المصيري الواحد الذي ، الذي سوف يدافع عن حقوق الامة، ويعطي زخما كبيرا للشعوب الرافضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني .