مصطلح الدولة المدنية

محمد عبد الجبار الشبوط

ينادي بعض الناس بشعار الدولة المدنية كهدف يسعون الى تحقيقه في العراق، في مقابل مصطلح الدولة الحضارية الحديثة. والمصطلح الثاني اصح، لان مصطلح “الدولة المدنية” ليس دقيقا فيما يتعلق بالعراق.
لماذا؟
تتبادر الى الذهن المعاني التالية لمصطلح الدولة المدنية:
١. المدنية مقابل حالة الطبيعة.
وهذا اول استخدام لهذا المصطلح. وتعود هذه المقابلة الثنائية الى الثلاثي هوبز ولوك وروسو الذين قالوا ثلاثتهم ان البشرية كانت في حالة الطبيعة (الحالة البدائية، او الفطرية كما يقول السيد محمد باقر الصدر) وانتقلت الى حالة المجتمع المدني والدولة المدنية.
وهذه الصفة لا تنطبق على الدولة الحضارية الحديثة لاننا لسنا بصدد اخراج مجتمع من حالة الطبيعة الى حالة المدنية، لان المجتمع العراقي لا يعيش حالة الطبيعة. انما هو مجتمع سياسي مدني، نريد له ان يتطور الى مجتمع حضاري قادر على اقامة دولة حضارية حديثة.
٢. المدنية مقابل العسكرية.
وهذه المقابلة واضحة. فهناك حكم عسكري يقابله حكم مدني. والعراق لا يخضع لحكم عسكري الان. فالحكومة مدنية، والقوات المسلحة تخضع لقيادة مدنية ايضا. واذاً لسنا بصدد اقامة حكم مدني مقابل حكم عسكري.
٣. المدنية مقابل الدينية.
وايضا هذه المقابلة واضحة. فلا يوجد حكم ديني في العراق بحيث يكون الهدف اخراج العراق منه واقامة حكم مدني بدلا عنه.
ولهذا لا احبذ استخدام مصطلح “دولة مدنية” لوصف الحالة المراد تحقيقها في العراق، وانما افضل استخدام مصطلح “الدولة الحضارية”؛ والحضارية هنا مقابل التخلف. والتخلف هو الخلل الحاد في المركب الحضاري للمجتمع. والدولة الحضارية هي الدولة التي لا تعاني من خلل في المركب الحضاري، بل هي بالعكس تعيش حالة سلامة وعافية بالنسبة للمركب الحضاري.
وقد يقول بعض الاكاديميين انهم لم يسمعوا من قبل بمصطلح دولة حضارية؛ فان صح قولهم فاني اقول لهم لا مشكلة بالامر؛ فالمصطلحات كلها من وضع البشر، وهذا مصطلح جديد اضيفوه الى قائمة مصطلحاتكم.
وصفة الحضارية في الدولة قابلة للقياس من خلال المؤشرات الكثيرة التي تنشرها مؤسسات كثيرة في العالم الان وعلى راسها الامم المتحدة من خلال مؤشر التنمية البشرية الدوري، اضافة الى عدد اخر من الهيئات غير الحكومية وغير الربحية. ويمكن من خلال هذه المؤشرات معرفة الدولة التي ينطبق عليها مصطلح الدولة الحضارية الحديثة ومعرفة درجة انطباق المصطلح عليها.ويؤسفني ان اذكر ان اسم العراق لا يظهر على الاقل ضمن الخمسين دولة الاولى في هذه المؤشرات؛ بل انه يأتي دائما في المواقع الاخيرة من هذه الجداول، ما يعني ان الدولة القائمة الان في العراق ليست حضارية وليست حديثة. ويظهر هذا جليا في قياس تحسين الحياة، وتبسيط الاجراءات، والفساد، والشعور بالسعادة، وغير ذلك. ما يعني ان العراق الان دولة تعاني من حالة التخلف و ينتشر فيها الفساد والبؤس حسب المؤشرات العالمية. ولا علاقة لهذا بحقيقة كون العراق مهد الحضارة الانسانية قبل الاف السنين، لاننا لا نتحدث عن الماضي، وانما عن الحاضر.وهذا الحاضر ليس سعيدا وليس مسرا.
ومن هنا تاتي ضرورة التغيير والاصلاح والدعوة الى اقامة الدولة الحضارية الحديثة في العراق. ويتحقق هذا ابتداء باصلاح الخلل الحاد في #المركب_الحضاري، وتربية المجتمع على القيم العليا الحافة بعناصر هذا المركب الحضاري وهي: الانسان والارض والزمن والعلم والعمل، وبذل الجهد من اجل تحسين نوعية الحياة بشكل مستمر، واعادة الاعتبار للمواطنة، وترسيخ الديمقراطية، وتفعيل المؤسسات، واحترام القانون، والاستزادة من العلم الحديث في بناء الدولة والمجتمع وتحسين نوعية الحياة.

Comments (0)
Add Comment