الإنسانية والإنهيار الأخير

فراس الحمداني
اجلس منزويا في مقهى بغدادي لايشبه مقاه زمان، وليس في بغداد في هذا الزمان مايشبه بغداد ايام زمان، فكل شيء تغير، او هي سنة الحياة كما يقال حين تتحول الأشياء وتتبدل، وينتقل الانسان معها من حال الى اخر، ومن فكر ومزاج ومشاعر الى أخرى غيرها، ويرتبط سلوكه وتفكيره وعلاقاته بذلك التحول، وقد يكون هو السبب، او إن الحياة وحوادثها والسياسة والحكام سبب اساس، فالحروب والنزاعات والدكتاتورية والفساد والفوضى والتزاعات هي السبب، وربما يكون هذا مؤكدا، فالحوادث الجسيمة والفقد والموت والحرمان والقتل والهجرة تؤثر في الإنسان ومشاعره وتحوله الى كائن ديناميكي كآلة تعمل وفق نظام محدد، وقد تتعطل، أو تستمر في العمل لكنها بلا روح ولاشعور ولاإحساس بغيرها لأنها معدة لأغراض تؤديها، وهكذا هو الإنسان الجديد الذي تموت في دواخله القيم التربوية والأخلاقية والدينية الحاكمة لسلوكه، ورغم نقدنا لبعض تلك القيم إلا إنها في الواقع مفيدة إذا لم تختلط بالسياسة والتجارة، فلايمكن ان نتصور الدين أداة للقهر والإستعباد لأنه معد لبناء الإنسان، وتنظيم حياته مثل اي قانون يحترم الكرامة والوجود الإنساني، ولذلك نلاحظ إن الإنسان الذي يمارس تدينه بعيدا عن التحزب يكون نافعا في مجتمعه، مقوما لسلوك من يعيش معه، ويشاركه الحياة، بينما تختلط الأمور على المتدين الحزبي والمنتم لجهة ما، او تنظيم، او حركة فهو آلة لأنه يرى الحق في جهته، والباطل في الجهة المقابلة، ولايمكن ان تكون الحقيقة كاملة مع مجموعة دينية وتجرد منها مجموعات أخرى مشاركة في هذا الوجود.
انا كئيب وحزين، فهناك مايشبه الجنون يسيطر على الكائن البشري، ورغبة في السيطرة والإنتقام، وكسب المال والنفوذ دون الإهتمام للطريقة، وإذا ماكانت باطلة، أو حقة، وهو مايشبه أيضا سلوك الحيوانات المتوحشة التي تستهدف الحصول على طعامها وشرابها دون النظر في مصير الحيوانات الضعيفة، وطبيعة وجودها وحياتها.
الفكر المادي يطبع حياة الناس وسلوكهم اليومي، ويؤثر في علاقاتهم الإنسانية التي تحولت الى علاقات مصلحية، ولم يعد الإنسان منقادا الى التقاليد والقيم الأخلاقية مع كم التطور الهائل في قطاع الإتصالات والنقل والتجارة، ودخول الآلة في تفاصيل حياة الناس وعوالمهم الرقمية، ولذلك تخلى الناس عن تلك القيم لأنها تقيد جموحهم الحاد نحو تحقيق مكاسب مادية تفوق بكثير مانحسبه على المعنويات التي تتمثل بالمشاعر الإنسانية والعواطف والرحمة والتسامح والتكافل والتعاون ولهذا اخذ الإنسان يضعف، ويتحول الى كائن متحرك لكنه لايملك قياد نفسه وكما اسلفنا فكأنه آلة صماء، فمصلحته تتفوق على إنسانيته وهو مايتطلب للأسف ان يت

Comments (0)
Add Comment