بسم الله الرحمن الرحيم
وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
صدق الله العظيم
أيها الشعب العراقي العظيم
يا أبناء قواتنا المسلحة بجميع صنوفها وتشكيلاتها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في مثل هذا اليوم بدأت صفحة مضيئة بتحرير الموصل الغالية العزيزة وانتهت صفحة مظلمة بنهاية خرافة داعش ودولتها المزعومة، وأكد العراق بما لا يقبل الشك أنه الأقدر والأقوى منتميا إلى تاريخ عتيد مشرق،وتكلل وجه أرضنا بالنور بعد أن تشرفت بدم الشهداء الأبطال التي نزفت على أرض الموصل، واختلطت الدماء العراقية من أقصى شمال العراق إلى أقصى جنوبه ومن أقصى شرقه إلى أقصى غربه، دماء طاهرة لرجال أبطال أكدوا للعالم وحدة هذا البلد وعظيم مقداره ومكانته وغلاء الثمن المدفوع بهذه الأرض.
في مثل هذه الأيام سطر أبطالنا أروع صور الشجاعة القتالية في إدارة معركة كانت تتطلب تخليص المدنيين المرتهنين لدى داعش من جهة والقضاء على العدو المتمترس بالمدنية وأهلها من جهة أخرى، وقد استطاعوا باحتراف كبير أن يقوموا بعملية تحرير مستحيلة في الحسابات العسكرية بأقل الخسائر الممكنة مع قصص في النبل والرجولة والتضحية لإنقاذ العوائل، تعجز الكلمات من وصفها.
لقد كان على أبطالنا أن يديروا معركة تاريخية تتطلب الوعي والتأني مع مشاهد الألم وهم يرون بأعينهم قبور الأنبياء يدمرها الإرهاب ومنارة الحدباء وهي تسجد بعد ألف عام من الشموخ وكانت قلوبهم تحترق لهذه المشاهد إلا أن تقديرات الموقف العسكري كانت تتطلب منهم الصبر والتخطيط، فالإنسان أغلى من الأرض والتاريخ وكانت المهمة الكبرى إنقاذ أهلنا وإخراجهم من جحيم المعركة وإيصالهم إلى المخيمات الآمنة.
استطاع أهلنا الشرفاء الأصلاء من داخل الموصل أن يتواصلوا مع إخوانهم من القوات المسلحة لمد هذه القوات بالمعلومات من داخل المدينة ما كسر ظهر داعش في الداخل وسهل عملية التحرير وقلل نسبة الخسائر من المدنيين والقوات المحررة.
إن احتفالنا بتحرير الموصل هو احتفال بالنصر في جميع المدن التي حررها أبطالنا وإنما جاء هذا اليوم تعبيرا عن إنجاز المرحلة الأهم في مسيرة النصر، فألف تحية لمدننا المحررة في بقية المحافظات في صلاح الدين والأنبار وديالى وكركوك ومناطق من محافظات أخرى.
لقد قدمت قواتنا البطلة بكل تشكيلاتها نموذجا فريدا في التماسك والتنسيق فكان الجيش والشرطة وقوات مكافحة الإرهاب والحشد الشعبي والعشائري والبيشمركة يدا واحدة ضاربة من خلال إيقاع قتالي مدروس وتنسيق على أعلى المستويات وتوزيع أدوار مهنية قدمت تنوعا في القدرات وتكاملا في المقدرات تعجز عنه أكثر الجيوش في العالم تقدما وتطورا.
وهنا وأنا أحيي أبطالنا الشجعان أعبر عن افتخاري واعتزازي بقواتنا التي كانت تقاتل بيد وتحمل مؤونة الدعم الإنساني للنازحين بيد أخرى لقوات تقاتل داعش وتواجه ظروف البيئة لتقدم دعم الإنقاذ في الفيضانات والكوارث وتمد الجسور وتوزع الغذاء وتعيد النازحين إلى بيوتهم، فأي مقاتل في العالم يستطيع أن يفعل ما فعله شجعاننا وأبطالنا ومقاتلونا.
في هذا اليوم نتذكر الشهداء لأنهم أصحاب الإنجاز بالدرجة الأولى ونتذكر ذويهم وأبناءهم وأمهاتهم وآباءهم وإخوانهم وعشائرهم، نتذكر كل من وقف في ظهورهم يدفعهم للنصر ويحثهم عليه، ونتذكر جرحانا الذين كانوا يتقدمون الصفوف أمام زملائهم وإخوانهم ويتسابقون للذود والدفاع عن المقدسات.
ونتذكر بعرفان وامتنان فتوى المرجعية الرشيدة بحثِّ العراقيين على حماية وطنهم والدفاع عن الأرض والعرض وإنقاذ المدنيين وسرعان ما لبى العراقيون هذه الفتوى ونداء المرجعية، ولا ننسى وقوف الفعاليات الاجتماعية العراقية من وسائل إعلام ومدونين ومنظمات مجتمع مدني وكتاب وشعراء ومثقفين في ظهور الأبطال وهم يحققون أعظم نصر في هذا القرن.
كما ونستذكر موقف المنظمات الدولية التي وقفت معنا في مواجهة كارثة النزوح إبان خروج الأهالي من المدن المحاصرة ودعم هذه المنظمات للعراق، وكان التحالف الدولي مشكورا لدوره المهم والفعَّال في مشاركة العراق هذه المعركة بما قدمه من دعم جوي ولوجستي واستخباري.
كما لا يفوتنا أن نشكر الدول الشقيقة والجارة والصديقة التي دعمت موقف العراق ووقفت معه بكل ما تستطع، والشكر موصول لأهلنا في كردستان حكومة وشعبا على موقفهم النبيل في استقبال النازحين ومواجهة تحديات الأزمة مع المركز بكل مسؤولية ابتداء من مشاركة البيشمركة البطولية وانتهاء باحتضان العوائل النازحة وتوفير المستطاع لمساعدتهم.
أيها العراقيون، إن استحقاقات النصر تتطلب مزيدا من الحرص على هذا المنجز باستكمال المسيرة التي حققها أبطالنا الشجعان وهي مسؤولية وطنية كبيرة تتطلب من الكتل والأحزاب والشخصيات القيادية مزيدا من الصبر والتضحية ونكران الذات لعبور استحقاقات تشكيل الحكومة وإنجاز هذه المهمة بأسرع وقت وبطريقة تنسجم وروح الديمقراطية.
إن أهم ما يمكن أن يجعل نصرنا ناجزا أن نبدأ فعليا بمرحلة الإعمار وإعادة البناء للمناطق المحررة بشكل خاص ولجميع مناطق العراق على وجه العموم والتي كان لها الفضل في تحرير الأرض وتقديم التضحيات الجسيمة لتحقيق هذا النصر.
كما لا يمكن أن نعد هذا النصر نصرا مكتملا ما لم يتم ضمان حقوق الشهداء والجرحى والمقاتلين جميعا وبكل تفاصيلها المعنوية والمادية والعمل الجاد لإعادة النازحين إلى ديارهم وتأمين متطلبات الحياة الكريمة لهم.
أيها الشعب العراقي العظيم، ها نحن اليوم نقف على أعتاب مرحلة جديدة بعد تشكيل الحكومة والبدء بمشروعها وبرنامجها الذي نأمل أن يتم البدء بتنفيذه سريعا وتحديدا في فقراته المتعلقة بخدمة المواطن وتهيئة الظروف المعيشية اللائقة بالعراق. فالانتصار الحقيقي هو الذي ينعكس فعليا على حال الشعب المنتصر، خصوصا وأن هذا الشعب قد عانا الأمرين خلال العقود المنصرمة وتعرض لظروف عصيبة وحروب أحرقت الأخضر واليابس.
وقد آن الأوان أن يشعر العراقيون بقيمة ثروتهم ويلمسوا ذلك عمليا بما ينعكس على أوضاعهم الخدمية والتعليمية والمعيشية وأن يكون العراقي في مصاف المواطنين في الدول العربية من حيث الموقع الاقتصادي، فلقد تعرضت الثروات التي يمتلكها العراق في العهود السابقة للهدر في الحروب والصراعات الفارغة التي كلفت العراق عقودا من الزمن وتراجعا ملحوظا.
واليوم تعبث سطوة الفساد بهذه الثروات حيث حرمت الشعب العراقي منها، وكلنا أمل وتفاؤل بقدرة الحكومة على إنجاز مهمة مواجهة الفساد ومهمة التنمية بأسرع وقت وسنساند هذه الجهود قدر تعلق الأمر بمهامنا الدستورية من خلال التشريعات اللازمة والرقابة الإيجابية التي تحقق التكامل بين مؤسسات الدولة.
بوركتم أيها الأبطال الشجعان في قواتنا في الجيش العراقي بكل صنوفه والشرطة العراقية والحشد الشعبي والعشائري وقوات مكافحة الإرهاب والبيشمركة وكل الصنوف والتشكيلات البطلة.
بوركتم أيها القادة والمراتب والجنود الشجعان وألف تحية لهذه السواعد السمر، فقد رفعتم رؤوسنا.
بارك الله بشعبنا الأبي الذي وقف خلف قواته وهي تدافع عن أرض العراق التي كتب عليها الإنسان الحرف الأول وشيد عليها حضارته الأولى وانطلقت منها أول إشراقات الثقافة والمعرفة.
وحفظ الله العراق العظيم
والمجد والخلود لأرواح الشهداء
============
محمد الحلبوسي
رئيس مجلس النواب
10 كانون الأول 2018