الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 13/ذو القعدة/1439هـ الموافق 27 /7 /2018م :
يعلم الجميع ما آلت اليه اوضاع البلاد وما تعاني منه هذه الايام من مشاكل متنوعة وأزمات متشابكة، وكانت المرجعية الدينية تقدّر منذ مدة غير قصيرة ما يمكن ان تؤول اليه الامور فيما اذا لم يتم اتخاذ خطوات حقيقية وجادة في سبيل الاصلاح ومكافحة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومن هنا قامت على مرّ السنوات الماضية بما يمليه عليها موقعها المعنوي من نصح المسؤولين والمواطنين لتفادي الوصول الى الحالة المأساوية الراهنة.
لقد نصحت المرجعية الدينية مراراً وتكراراً كبار المسؤولين في الحكومة وزعماء القوى السياسية بأن يعوا حجم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم وينبذوا الخلافات المصطنعة التي ليس وراءها الا المصالح الشخصية والفئوية.. ويجمعوا كلمتهم على ادارة البلد بما يحقق الرفاه والتقدم لأبناء شعبهم ويراعوا العدالة في منح الرواتب والمزايا والمخصصات.. ويعملوا للإصلاح.. ويمتنعوا عن حماية الفاسدين من احزابهم واصحابهم..
وقد حذّرتهم في خطبة الجمعة قبل ثلاثة أعوام بأن الذين يمانعون من الاصلاح ويراهنون على ان تخف المطالبات به.. عليهم ان يعلموا ان الاصلاح ضرورة لا محيص منها.. واذا خفّت مظاهر المطالبة به مدّة فانها ستعود في وقت آخر بأقوى وأوسع من ذلك بكثير ولات حين مندم..
كما نصحت المواطنين كلما حلّ موعد الانتخابات النيابية والمحلية بأن الاصلاح والتغيير نحو الافضل الذي هو مطلب الجميع وحاجة ماسة للبلد لن يتحقق الا على ايديكم فإذا لم تعملوا له بصورة صحيحة فإنّه لن يحصل، والآلية المثلى له هي المشاركة الواعية في الانتخابات المبنية على حسن الاختيار، أي انتخاب الصالح الكفوء الحريص على المصالح العليا للشعب العراقي… والمستعد للتضحية في سبيل خدمة ابنائه.
وتحقيقاً لهذا الغرض طالبت المرجعية الدينية بأن يكون القانون الانتخابي عادلا ً يرعى حرمة اصوات الناخبين ولا يسمح بالالتفاف عليها.
وان تكون المفوضية العليا للانتخابات مستقلة – كما قرره الدستور- ولا تخضع للمحاصصة الحزبية، وحذّرت من ان عدم توفير هذين الشرطين سيؤدي الى يأس معظم المواطنين من العملية الانتخابية وعزوفهم عن المشاركة فيها.
ولكن – مثلما يعلم الجميع- لم تجر الأمور كما تمنّتها المرجعية الدينية وسعت اليها، واستمرت معاناة معظم المواطنين بل ازدادت بسبب نقص الخدمات وانتشار البطالة وتراجع القطاعين الزراعي والصناعي بصورة غير مسبوقة، وكل ذلك نتيجة ٌ طبيعية ٌ لاستشراء الفساد المالي والاداري في مختلف مرافق الدولة ومؤسساتها…والابتعاد عن الضوابط المهنية في تسييرها وادارتها..
واليوم وبعد كل ما وقع في الاسابيع الماضية من اعتداءات مرفوضة ومدانة على المتظاهرين السلميين وعلى القوات الامنية والممتلكات العامة والخاصة وانجرارها – للأسف الشديد- الى اصطدامات دامية خلّفت عدداً كبيراً من الضحايا والجرحى فان من الضروري العمل في مسارين :
أولا ً : ان تجدّ الحكومة الحالية في تحقيق ما يمكن تحقيقه بصورة عاجلة من مطالب المواطنين وتخفف بذلك من معاناتهم وشقائهم.
ثانياً : ان تتشكل الحكومة القادمة في أقرب وقتٍ ممكن على أسس صحيحة من كفاءات فاعلة ونزيهة، ويتحمل رئيس مجلس الوزراء فيها كامل المسؤولية عن اداء حكومته ويكون حازماً وقوياً ويتسم بالشجاعة الكافية في مكافحة الفساد المالي والاداري – الذي هو الاساس في معظم ما يعاني منه البلد من سوء الاوضاع- ويعتبر ذلك واجبه الاول ومهمته الاساسية، ويشن حرباً لا هوادة فيها على الفاسدين وحماتهم.
وتتعهد حكومته بالعمل في ذلك وفق برنامج معدّ على أسس علمية يتضمن اتخاذ خطوات فاعلة ومدروسة ومنها ما يأتي:
1. تبنّي مقترحات لمشاريع قوانين ترفع الى مجلس النواب تتضمن إلغاء او تعديل القوانين النافذة التي تمنح حقوقاً ومزايا لفئات معينة، يتنافى منحها مع رعاية التساوي والعدالة بين ابناء الشعب.
2. تقديم مشاريع قوانين الى مجلس النواب بغرض سدّ الثغرات القانونية التي تستغل من قبل الفاسدين لتحقيق اغراضهم، ومنح هيئة النزاهة والسلطات الرقابية الاخرى اختيارات اوسع في مكافحة الفساد والوقوف بوجه الفاسدين.
3. تطبيق ضوابط صارمة في اختيار الوزراء وسائر التعيينات الحكومية ولاسيما للمناصب العليا والدرجات الخاصة بحيث يمنع عنها غير ذوي الاختصاص والمتهمون بالفساد ومن يمارسون التمييز بين المواطنين بحسب انتماءاتهم المذهبية او السياسية ومن يستغلون المواقع الحكومية لصالح انفسهم أو أقربائهم او احزابهم ونحو ذلك.
4. الإيعاز الى ديوان الرقابة المالية بضرورة إنهاء التدقيق في الحسابات الختامية للميزانيات العامة في السنوات الماضية وجميع العقود والتخصيصات المالية للأعوام السابقة على مستوى كل وزارة ومحافظة، وضرورة الاعلان عن نتائج التدقيق بشفافية عالية لكشف المتلاعبين بالاموال العامة والمستحوذين عليها تمهيداً لمحاسبة المقصرين وتقديم الفاسدين للعدالة.
وعلى مجلس النواب القادم ان يتعاطى بجدية مع جميع الخطوات الاصلاحية ويقرّ القوانين اللازمة لذلك.
وان تنصلت الحكومة عن العمل بما تتعهد به أو تعطل الامر في مجلس النواب أو لدى السلطة القضائية فلا يبقى أمام الشعب الا تطوير اساليبه الاحتجاجية السلمية لفرض ارادته على المسؤولين مدعوماً في ذلك من قبل كل القوى الخيّرة في البلد.
وعندئذ سيكون للمشهد وجهٌ آخر مختلفٌ عما هو اليوم عليه.
ولكن نتمنى أن لا تدعو الحاجة الى ذلك ويغلب العقل والمنطق ومصلحة البلد عند من هم في مواقع المسؤولية وبيدهم القرار ليتداركوا الامر قبل فوات الاوان، والله المسدد للصواب.
حيدر عدنان