د. علي المؤمن
يعني مصطلح “حاشية” المرجع؛ فريقه ومستشاروه والحلقة الخاصة الملازمة له، وهو يشابه توصيف حاشية الرئيس وحاشية الزعيم وحاشية أي متصد بارز لشأن مهم من شؤون الحياة. ويشكل أعضاء حاشية المرجع بمجموعهم فريق العمل المرجعي، وبينهم مستشارون في المجال الفقهي والعلمي، وآخرون في الشأن المالي، أو في شؤون الوكلاء والمعتمدين أو في شؤون الحوزة العلمية، أو الشأن العام.
ووجود هذا الفريق ملازم للمرجعية الدينية منذ نشاتها؛ فهو أمر طبيعي وضروري. إلّا أن تبلور عمل الحاشية واختصاصاتها بدأ مع ثورة المشروطة في ايران وارتداداتها في العراق. لذلك برزت الحواشي شبه المنظمة مع مرجعية السيد كاظم اليزدي ومرجعية الشيخ الآخوند كاظم الخراساني وقيادة السيد عبد الله البهبهاني الغريفي. ثم شهدت تطوراً ملحوظاً في زمان مرجعيتي السيد حسين البروجردي والسيد محسن الحكيم ثم الإمام الخميني.
وكانت حاشية السيد محسن الحكيم وحاشية الإمام الخميني؛ أكثر الحواشي تنظيماً وفاعلية وحجماً في وقتيهما، وهما أول من أدخل الإختصاصيين من غير علماء الدين ضمن حاشيتهما؛ بل أن شؤون الثورة والدولة؛ كرست حضور غير علماء الدين في حاشية الإمام الخميني بعد العام 1979.
و تعد محاولة السيد الشهيد محمد باقر الصدر لمأسسة عمل الحاشية رائدة في مجالها؛ فقد نظّر لتحويلها الى لجان مؤسسية أو مديريات متخصصة ترتبط بها دوائر وفروع، وترتبط بلجنة عليا يترأسها أو يشرف عليها المرجع نفسه. وتقوم هذه اللجان بضبط عمل المرجعية على كل الصعد، سواء العلمي أو الإداري أو المالي أو الإجتماعي والسياسي؛ للحيلولة دون استفحال قوة جماعات الضغط والمصالح. وهذه المحاولة الرائدة كانت جزءاً من نظريته “المرجعية الرشيدة” التي طرحها بعد العام 1975، و أعلن عنها في العام 1979، وبدأ العمل بها بشكل مبدئي.
و قد تطور شكل الحاشية أيضاً بمرور الزمن، وباتت فيها مراتب؛ على أسس البعد والقرب من المرجع، والمستوى العلمي، والإختصاص:
1- أسرة المرجع: وهم عادة أولاده وأصهاره وإخوته من علماء الدين. ويكون الفاعل الأساس بينهم الإبن الأكبر للمرجع، أو الإبن الأكثر فاعلية وتدبيراً وثقة عند أبية، والذي يكون في الوقت نفسه مسؤولاً عن الشؤون الخاصة بالمرجع، وعن المكتب ( بيت المرجعية أو ماكان يعرف بالبراني)، والرابط بين المرجع والحاشية والوكلاء ومسؤولي الدولة. وهو موضوع يتصل بالثقة التي يحظى بها الإبن، والخصوصيات المتصلة ببعض مفاصل العمل المرجعي. وهذا التقليد في المنظومة الدينية الإجتماعية الشيعية ظل متوارثاً منذ بداية غيبة الإمام المهدي، أي منذ عهد السفراء الأربعة قبل 1250 عاماً تقريباً؛ فقد كان الشيخ محمد ابن الشيخ عثمان العمري الأقرب الى أبيه السفير الأول، ثم أصبح السفير الثاني من بعده. وهكذا الشيخ حسن ابن الشيخ ابو جعفر الطوسي، والذي كان يسمى “المفيد الثاني”، ولايزال التقليد متبعاً حتى الآن.
2- حاشية المرجع الخاصة: وهم فريقه الخاص الذي يتكون غالباً من عدد محدود من كبار تلاميذه الثقاة المقربين، ويُطلق عليهم أيضاً “الخواص”، وهم عادة مجتهدون وأساتذة بحث خارج وعلماء دين مرموقون. وهؤلاء يتواصلون مع المرجع بشكل مباشر ويحضرون مجلسه التداولي الخاص. ويكون أولاد المرجع وأصهاره وإخوته من علماء الدين المرموقين ضمن الحاشية الخاصة عادة. وليس من الضروري أن يعمل جميع أعضاء هذا الفريق الخاص في مكتب المرجع؛ بل يكون لبعضهم كياناتهم الخاصة. أما من يعمل منهم في المكتب فهم عادة المسؤولون عن لجان الإستفتاءات والأموال الشرعية وشؤون الحوزة والوكلاء وقضايا الشأن العام. وهي مسؤوليات ليست وظيفية؛ بل ترتبط بالجانب العلمي والإستشاري والتدبيري.
3- حاشية المرجع العامة: وهم الفريق العام الذي يضم عدداً أكبر من الفريق الخاص، ويتكون من أبرز مسؤولي مكتب المرجع وأعضاء اللجان، وكذلك تلاميذ المرجع الأدنى في المستوى العلمي؛ اي أساتذة السطوح العالية (المكاسب والكفاية)، و يسمون “الفضلاء”، وهؤلاء يحضرون مجلسه العام. وهم الأقل تأثيراً في قرار المرجعية؛ لكنهم الأكثر فاعلية في صناعة الرأي العام الحوزوي.
4- حاشية الحاشية: وهم حاشية إبن المرجع (المسؤول عن المكتب) وفريقه، أو حواشي خواص المرجع (الحاشية الخاصة)، وهؤلاء هم الأعلى صوتاً في الأوساط الإجتماعية الحوزوية، ويساهمون في صناعة الرأي العام الحوزوي؛ برغم انعدام تأثيرهم في القرار المرجعي.
وبين طيات الحواشي؛ تعمل جماعات الضغط والمصالح على مد نفوذها للتأثير في الرأي العام الحوزوي. وهي جماعات ينطلق بعضها مما تعتقده فهماً عميقاً لمصالح الحوزة والمرجعية والواقع الشيعي، وتعتقد أنها تقوم بواجبها الشرعي حفاظاً على مصالح المذهب، أي أن منطلقاتها ليست لمصالح ذاتية خاصة بالفعل، بينما تعمل أخرى لمصالحها الخاصة، وإن غلًفتها بمسوغات ترتبط بالمصلحة العامة.
جدير بالإشارة أن تطور عمل المرجعية وكثرة عدد المقلدين واتساع مساحة الشأن العام؛ تسببت أيضاً في تطور عمل مكاتب المراجع، وبلوغها مستويات نسبية من المأسسة. فقد كان مكتب المرجع يسمى “البراني”، مقابل “الدخلاني” الخاص بالعائلة. والبراني هو الجزء الخارجي من بيت المرجع، ويمارس المرجع من خلاله عمله المرجعي ويستقبل ضيوفه. ويدل البراني على معنيين، الأول دلالة على المكان، والثاني دلالة على الإختصاص، أي أنه بمثابة المكتب المركزي للمرجع. ولايزال البراني يستخدم كمصطلح يدل على المكان، بينما بات أغلب المراجع يستخدمون مصطلح المكتب للدلالة على الاختصاص. كما بات مصطلح “البيت” متداولاً في الوسط الحوزوي للدلالة على مكتب المرجع أيضاً.
(المقال القادم: مجلس أهل الخبرة لترشيح المرجع الأعلى)