لقد كان لي الشرف والأمتنان بالعمل كسفير للولايات المتحدة الأمريكية في العراق خلال العامين والنصف الماضيين، وأيضا لعملنا على تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية والثقافية بين دولتينا. إن الولايات المتحدة وبعثاتنا الدبلوماسية العاملة في بغداد وأربيل تدعم بقوة وحدة العراق وسيادته وديمقراطيته وإزدهاره، وأقليم كردستان مستقر وفعال كجزء من الدولة العراقية.
سأغادر العراق اخِذا ً بِجُعبتي ذكريات جميلة للعديد من المناطق التي زرتها في العراق، بحيث استلهمنا أنا وزوجتي كاثرين في كل مكان ذهبنا إليه من تنوع هذه البلاد وتأثرنا بدفء شعبها وسخاءه، ومشينا بين بساتين التمر في البصرة وسِرنا بين بقايا بيت إبراهيم في مدينة أور في الناصرية. كما وشهدنا عودة الحياة للأهوار الجنوبية الجميلة في الجبايش ووقفنا عند أقدام أسد بابل. قمتُ بزيارة مستشفى الفلوجة التعليمي والذي جرى ترميمه بمساعدة أمريكية وتحدثت مع المقاتلين الشجعان من جهاز مكافحة الإرهاب في مركز علاج وإعادة تأهيل المحاربين المصابين في بغداد. تذوقت الكباب في أسواق أربيل وألقيتُ كلمة في الجامعة الأميركية في العراق – السليمانية وزرتُ ضريح ناحوم في القوش، وسوف أعتز دائماً بالتجارب والصداقات التي نشأت عن التعرف على هذا البلد الشاسع والجميل.
أحرز العراق تقدما على مدى العامين والنصف الماضيين بالرغم من صعوبة رؤية ذلك التقدم في خضم ضجيج السياسة.
عندما وصلت إلى العراق بصفتي سفيرا ً في نهاية صيف عام 2016 كان داعش يُشكلُ تهديداً وجودياً للعراق والمنطقة بأكملها، في الوقت الذي كانت فيه قوات الأمن العراقية على إستعداد لبذل جهودها البطولية لاستعادة الموصل. فبعد عدد من المعارك الشرسة وخسارة العديد من العراقيين الشجعان، قامت القوات العراقية وبالشراكة مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بتحرير الموصل وطرد عناصر داعش منها. بيدَ أن القتال لم ينتهي بعد فبناءً على طلب الحكومة العراقية وبالتعاون الكامل مع بغداد ما زال هناك أكثر من 5000 جندي أمريكي يواصلون العمل بالشراكة مع قوات الأمن العراقية في قواعدهم لتقديم المشورة وتدريبهم وتجهيزهم لضمان الهزيمة الدائمة لداعش والدفاع عن حدود العراق. قام التحالف الذي يضم 74 دولة وخمس منظمات دولية بتدريب أكثر من 190,000 من ضباط الشرطة والجنود العراقيين.
ومع تراجع داعش تحَسن الوضع الأمني في بغداد ومناطق أخرى من العراق تحسناً ملحوظا ً. ومن خلال جهود الحكومة العراقية والولايات المتحدة وشركاء دوليين آخرين عاد أكثر من أربعة ملايين نازح عراقي إلى ديارهم بأمان وكرامة. لقد بدأت المجتمعات العرقية والدينية من الأقليات بالتعافي بعد أن استهدفتها داعش بالإبادة الجماعية.
إن علاقاتنا الاقتصادية في نموٍ مستمرونعمل بجد لتعزيز التجارة والاستثمار بين العراق والولايات المتحدة، ففي الشهر الماضي تعاونت السفارة مع الحكومة العراقية وغرفة التجارة الأمريكية على جلب أكثر من 50 شركة أمريكية إلى العراق لإقامة شراكات تجارية واستثمارية جديدة.
في ظل كل هذا التقدم أرى فرصاً لا حدود لها للعراق في المستقبل. فالعراق بلدٌ غني ولديه وفرة من النفط والغاز والمياه والأراضي الصالحة للزراعة. ويمتلك العراق شرائح من المتعلمين الأذكياء الذين يعملون بجد، وأيضا يحظى العراق بدعم الولايات المتحدة وعشرات الدول الأخرى التي ترغب في رؤيته يتحول إلى بلد مستقل وديمقراطي ومزدهر وذو سيادة.
بيدَ ثمة تحديات هائلة يواجهها العراق. فبحلول عام 2025 سيدخل مليون شاب عراقي سوق العمل كل عام في الوقت الذي لم تعد فيه الحكومة قادرة على توفير فرص العمل لكل من يحتاج إليها، فضلاً عن أن فصائل مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة قد فرضت سيطرتها على العديد من مناطق البلاد مما أدى إلى إثارة الخوف وإحباط الكثير من النازحين العراقيين وحالت دون عودتهم إلى ديارهم. ما زال داعش يسعى إلى زرع الخوف بين العراقيين من خلال الهجمات الإرهابية. وايضاً، فإن البيروقراطية والفساد وعدم الوضوح بالاجراءات يعيق سعي رجال الأعمال من توسيع مشاريعهم في العراق وخلق وظائف جديدة.
نتمنى، أنا شخصيا ً والولايات المتحدة النجاح للعراق، وأريد أن أعرض وبكل تواضع وجهات نظري حول أفضل السبل لتحقيق نجاح.
أولا ً، يجب على العراق أن يحمي سيادته من خلال تأمين حدوده وبناء قوات أمنية تأتمر بأمر الحكومة لوحدها.
ثانيا، يجب على العراق العمل على تحرير إقتصاده من الفساد والمعوقات البيروقراطية التي تعيق رجال الأعمال من توسيع مشاريعهم وخلق فرص عمل جديدة.
ثالثاً، على ابواب العراق ان تبقى مُشرعة للعالم وان يزيد من تأثيره في العالم.
البعض يريد أن يكون لدى العراق صديق واحد فقط. ولكن الولايات المتحدة تريد أن يكون للعراق مائة من الأصدقاء وأن يختار الأفكار والممارسات التي تصبُ في مصلحةِ أمن العراق ومجتمعه واقتصاده.
سيكون أمام العراقيين في الفترة القادمة خيارات مهمة. أتمنى أن تختاروا العراق في كل مرة.