قانون النفط الوطنية وقرار المحكمة الإتحادية

0 140

د إبراهيم بحر العلوم

بتاريخ 23 كانون الثاني 2019 نقضت المحكمة الإتحادية بعض بنود قانون شركة النفط الوطنية رقم 4 لعام 2018 الذي تم تشريعه بتأريخ 5 آذار 2018 ونشر بالجريدة الرسمية بتأريخ 9 نيسان 2018، وجاء نقض المحكمة الإتحادية بناءً على الطعون التي تقدمت بها وزارة المالية والبنك المركزي العراقي ومجلس محافظة ميسان إضافة الى نقض آخر من قبل جمع من الخبراء.
وقد جاء النقض لبعض تلك المواد إستناداً على إعتبارين هما:
أولهما: إن القانون الذي تم تشريعه من قبل مجلس النواب تبنى فلسفة التكامل بين القطاع الإستخراجي والتسويقي، فضم اليها الشركات الإستخراجية وشركة تسويق النفط الوطنية إضافة الى الشركات المساندة. فجاء قرار المحكمة الإتحادية قاضياً بأن عملية تسويق النفط من مهام وزارة النفط والشركة المرتبطة بها وأن ضم شركة التسويق لشركة النفط الوطنية يتعارض مع المادة 112/ الفقرة الثانية من الدستور التي تنص على أن رسم السياسات الاستراتيجية من صلاحية الحكومة الإتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معاً. وبناءً على ذلك فأينما يرد ذكر للتسويق تصبح تلك الفقرة أو المادة بحاجة الى تعديل.
وثانيهما: ما يتعلق بالمادة 12 من القانون التي تشير الى أن جزءً من الأرباح المتأتية من بيع النفط الخام ومشتقاته بما لا يزيد عن 10% تخصص الى صناديق أربعة ومنها صندوق المواطن، ويتم تثبيت ذلك في قانون الموازنة، بعد التنسيق بين الحكومة الاتحادية ومجلس النواب، وترى المحكمة الإتحادية ان ذلك يتعارض مع المادة 87 من الدستور التي أناطت برئيس الوزراء مسؤولية التنفيذ المباشر للسياسة العامة للدولة والمادة 80 من الدستور التي أناطت بمجلس الوزراء صلاحية تنفيذ السياسة والخطط العامة للدولة.
والمحكمة الاتحادية قراراتها ملزمة وباتة وهي الجهة المعنية بتفسير الدستور ومدى مطابقة التشريعات له، وستكون أمام وزارة النفط الفرصة في تقديم مشروع تعديل للقانون الى مجلس النواب، وهناك خيار آخر أمام لجنة النفط والطاقة النيابية أن تقدم مقترح تعديل للقانون على ضوء قرار المحكمة الإتحادية. فنقض المحكمة الإتحادية لبعض فقرات القانون لا يقلل من شأن الجهود التي بذلتها لجنة النفط والطاقة النيابية للمضي بالإجراءات التشريعية، والتي من الضرورة إستعراضها لغرض التذكير:
1- فمنذ ان تم القبول مبدأياً بالمضي في الإجراءات التشريعية للقانون، وبدأت لجنة النفط والطاقة النيابية منذ نيسان 2017 في إستضافة قيادة القطاع النفطي وإستطلاع الرأي حول الأسباب الموجبة لتشريع القانون والتعديلات المقترحة لبعض بنوده، وخاطبت اللجنة الشركات النفطية العراقية وحكومة إقليم كردستان، وتواصلت مع وزراء النفط السابقين والخبراء النفطيين والإقتصاديين وأستمعت إلى ملاحظاتهم، وضيّفت اللجنة المديرين العامّين للشركات الإستخراجية والمساندة والدوائر المتخصصة لإجراء مزيد من النقاش حول القانون للتوصل إلى رؤية متكاملة، وضيّفت كذلك الكادر المتقدم في الوزارة بوصفها الجهة المستفيدة من تشريع القانون لاستطلاع الرأي حول فلسفة القانون، وتمت القراءة الثانية في اب 2017 في مجلس النواب مع تقديم تقرير درجت فيه اهم القضايا التي تفكر اللجنة بمعالجتها، وتم الإستماع الى جملة مداخلات من السادة النواب، ويمكن للمهتمين بهذا الشأن مراجعة الأرشيف في مقر اللجنة بمجلس النواب. حيث لا تبدو صفة العجالة على عملية إعداد وتنضيج القانون كما إدعى البعض فقد إستغرق ذلك ما يربو على عامٍ كاملٍ، بل دأبت على مراجعة الآراء والمقترحات وناقشت الكثير من الخبراء في النفط والقانون والمال والإقتصاد للخروج بصيغتها النهائية التي صوّت عليها مجلس النواب بتأريخ 5 اذار 2018.
2- تُعد المهام التشريعية الصفة الرئيسة لوظيفة مجلس النواب، وقامت اللجنة المكلفة بإجراءات تشريع القانون بمهمتها بكل مهنية واضعةً في حسابها التعديلات التشريعية التي لا تتناقض ومواد الدستور، وقد جاءت معظم التعديلات مقاربة لما أقترحته المواد في الصيغة التي تقدمت بها وزارة النفط الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء في تشرين الأول 2016 ولكن لم تؤخذ بها لدواعِ غير معروفة، وآثرت الأمانة العامة تجاهل صيغة الوزارة وتقديم صيغة أخرى لمشروع القانون لم تطلع عليه الوزارة كما إتضح للجنة أثناء إستضافة القيادات النفطية ولمرات عدّة، ما ينبغي التأكيد عليه أنّ الضوابط التشريعية التي إلتزمها القانون كانت أقرب الى ما جاء في وجهة نظر وزارة النفط عمّا خرجت به الأمانة العامّة، فالوزارة أعرف بشؤونها، وقد عانت طوال عقود بعد عام 1987 من الضرر الكبير الذي لحق بها جرّاء قرار النظام السابق بدمج الشركة في الوزارة، مما يُحمّل المشرّع المسؤولية القانونية والأخلاقية لتلافي اضرار عقود من غياب الشركة الوطنية عن ساحة الصناعة النفطية، ومشاعر الأسى لدى العاملين في القطاع من التراجع الذي حصل بعد تقدم حققته شركات وطنية عملاقة في الجوار الإقليمي، وبقية الدول المنتجة للنفط في أنحاء المعمورة. لهذا وضع المشرّع في حسابه مسالة مواجهة تداعيات عقود من التراجع والسير قدماً لتحسين الأداء وتذليل الصعاب.
لهذا جاءت تعديلات القانون من قبل اللجنة والتصويت عليه في المجلس بناء على الركائز التالية:
1- إن الشركة مملوكة بالكامل للدولة وهي الذراع التنفيذية للسياسة النفطية، وجاءت الفقرة الأولى من المادة العاشرة من القانون لتؤكد إلتزام الشركة بالسياسة النفطية للدولة، وهذا النص واضح وصريح فمهامها تنفيذ ما ترسمه وزارة النفط من سياسات في الجانب الاستخراجي والتسويقي، وأكد القانون ان مرجعية الشركة هي مجلس الوزراء، وأنّ إلتزامات الشركة وحقوقها ونظمها وقراراتها وتعيين مجلس إدارتها وماليتها وكل ما له صلة بذلك لا يتسق قانونياً إلا بموافقة مجلس الوزراء ومصادقته.
2- إن الشركة محاطة من جهاتها الأربع بوزارة النفط ووزارات الدولة المهمة كوزارة المالية والتخطيط والبنك المركزي ومجلس الوزراء في تسيير شؤونها وتمويلها وإدارة الثروة النفطية في شقيها الاستخراجي والتسويقي. والآخر هناك رؤية موضوعية متوازنة تمنح الشركة إستقلاليتها من جهة وتضعها في الجانب الآخر في حالة تنسيقية مع أجهزة الدولة التنفيذية وأن الدولة تُشرف على القرارات، وتراقب النشاطات.
3- ان علاقة وزارة النفط بالشركة تكاملية، فلكل منهما المهام والمسؤوليات المناطة، فوزارة النفط جهة تنظيمية، مسؤوليتها رسم السياسات للصناعة النفطية والغازية للقطاعات كافة منها الإستكشاف والإستخراج والإنتاج والتصفية والتصدير، ومهامها تنظيمية ورقابية وإشرافية، أما شركة النفط الوطنية فهي جهة تنفيذية لسياسة الدولة النفطية، إن الفصل في المهام والصلاحيات مهم جداً لضمان الاستغلال الأفضل للثروة النفطية، فالشركة تتولى الجوانب الفنية والعمليات التشغيلية والتعاقدية والتجارية، والنماذج الناجحة من الشركات النفطية الوطنية في الدول المنتجة للنفط كافة تعتمد سياسة الفصل بين المهام والصلاحيات، فلا غرابة في ذلك.
4- ذهبت إرادة المشرع بإتجاه تجسيد ملكية الشعب لثرواته كما أكدتها المادة 110 من الدستور، فجاءت المادة 12 من القانون المتعلقة بتوزيع جزء من الأرباح المتأتية من بيع النفط الخام لصناديق أربعة: صندوق المواطن، وصندوق الأجيال، وصندوق الإعمار وصندوق الشركة، ويتم ذلك بتنسيق مجلسي الوزراء ومجلس النواب وينعكس ذلك في الموازنة السنوية، إيماناً من المشرعين بأن هذه الفقرة تشكل نقلة نوعية في المسار الاقتصادي للبلد، وتقف خلفها مفاهيم ومدلولات دستورية وقانونية، مع التأكيد الواضح الذي لا يقبل اللبس أن الشركة ّغير معنية بإدارة الصناديق.
وليس أمام وزارة النفط ومجلس النواب غير إستكمال المشوار التشريعي باتجاه إصلاح القطاع النفطي عبر تعديل القانون، وإعادة الأمور الى طبيعتها التي تتوافق مع ما يجري في الصناعة النفطية في كل دول العالم، وإيقاف مسلسل التداعيات التي أقدم النظام السابق عليها عام 1987 بحلِّ الشركة ودمجها مع وزارة النفط، وتمت قيادة القطاع بشكل مركزي أدى الى تلكؤ خططه الإنتاجية وبعثرة طاقاته الفنية وإضعاف قدراته البشرية، فضلا عمّا خلفته الحروب والحصار الإقتصادي من دمار البنى التحتية للقطاع وهجرة العقول العراقية وعزلة الصناعة النفطية عن اللحاق بالتقنيات والتكنولوجيا، كل ذلك أدى الى شبه إنهيار في صناعة النفط بالعراق، وتعثّر القطاع النفطي في الأداء وتخلف طال أكثر من ثلاثة عقود، فلا زالت من أولى المهمات العمل على إحياء (النفط الوطنية) لتأخذ على عاتقها عملية بناء القطاع وتحفيز الإستثمار الوطني لزيادة الإنتاج على أسس إقتصادية سليمة.
ومما يحز في النفس حجم الهجمة التي طالت أشخاصاً وبرلمانيين (ومنهم صاحب كاتب الاسطر) عملوا بجد غير مسبوق لتدارك الوضع الحالي في القطاع الذي أفرزهُ واقع عشوائية سياسة يُراد لها أن تستمر، كما يُشاء فيها للعراق أن لا يلحق بالركب ليقف في مصاف دول تجاوزته عقوداً. وذلك من خلال نشرات ومقالات يُعد بعضها إفتراءً وقذفاً بوطنية من ثبت أنهم لا يساومون على حقوق فقراء الشعب العراقي عندما نحوا أعز المناصب جانباً للوقوف مع طبقاتهم التي يشرفهم تمثيلها، بل أنهم أصروا على تضمين القانون ما ينصفهم ويجلب لهم ولو اليسير مما يسد عجزهم المالي عبر صناديق سيادية لا تعد فكرتها أمراً غير مسبوق، إنما هي سمة الدول الريعية التي تماثل العراق في واقع حال الركون الى الثروة النفطية والغازية مصدراً أوحداً للعوائد.

كما لا تفوتنا الإشارة، مع كل الإحترام للدستور الذي ساهمنا في إعدادهِ، الى أنّ القانون الأخير لم يجيء من فراغ، بل هو ثمرة نضالات الشعب العراقي منذ عقود تتوجت بقوانين الستينات وما لحق بها من تعديلات لمسايرة هيمنة الدولة العراقية وشعبها على مصادر ثروتها الطبيعية.
كما أنّ الشركة من حيث الأساس القانوني ليست بالطارئة في منظومة قوانين البلد، إذ هي سبقت حتى دستورنا الدائم الحالي، وقد رُسمت مواد قانونها من خلال التشكيل المستمر بما يتسق ومتغيرات الصناعة النفطية العالمية لولا القرار المتعسف الذي صدر عام 1987 من قبل النظام البائد.
إنّ كل مانتمناه أن لا يُقبر الوليد نزولاً عند رغبات من لم يعانوا من تداعيات فشل عدم وجود الذراع التشغيلية والتنفيذية في الصناعة النفطية، أو من يفكرون بجعل الشركة مجرد تشكيل إضافي يربط بوزارة النفط ليضيف عبئاً آخراً على كاهلها المثقل.
ولعل كل ما نرجوه من أخوتنا في مجلس النواب الحالي مراجعة جهود سابقيهم من النواب الذين أسهموا في إصدار القانون، ووعيهم بما بُذل من أجل إنجاح المشروع. وأن يبدأوا حملتهم للمراجعة الموضوعية لغرض التعديل المطلوب وفي اسرع وقت دون تسويف، وأن لا يلحق توأمه (قانون النفط والغاز) الذي بقي مسودة دون إقرار بسبب الخلاف حول دور السلطات الإتحادية والمحلية الذي غلفته محاصصة باتت شأناً مزمناً يبدو أن لا فكاك منه، ذلك الخلاف الذي عاد لينعكس على القانون هذه المرة ولكن بمباركة المحكمة الإتحادية التي لا بد لها من أجل أمانة الحكم إلتزام بنود الدستور مهما كانت وجهة نظر أي منّا بشأن تلك المواد والبنود التي تسمح بتعدد السلطات التي صارت تحد من الصلاحيات المركزية للدولة والتي هي دولة كل الشعب بمقتضى الدستور.
وختاماً، ينبغي على المتطاولين أن يلتزموا الجوانب القانونية كي يدلوا بدلوهم، دون المساس بالناس وأدوارهم الوطنية، وأن يدركوا أن القذف بالآخرين عواقبه القانونية ليست بالهينة.

اترك رد