خليجي ( ٢٥ ) .. ازدواجية الفكر او خشية الزعل ..

0 228

 

بقلم : محمد صادق الغريفي ..

في بلدٍ عريقٍ كالعراق العظيم الذي تغنّى به الشعراءُ .. وكتب عنه الأدباءُ .. وتمنى زيارته السوّاح .. وتعلّم من حضارته العالم .. ونهل من علومه المفكّرون .. واخترع ابناؤه اساسيات العلم والمعرفة من كتابة ونقش ورسم .. ونقل حضارتَه المترجمون عبر ثقافات السنين الطوال ..
في بلد عُرِفَ تاريخياً بالأصالةِ والعراقةِ والقِدَمِ والكرمِ والبسالة والإباء والاعتدال ..
في بلد تناهشت عليه ايدي الطامعين .. وتكالبت عليه مخالب المستعمرين .. وولغت من خيراته ألسنُ الخائنين .. حتى نالوا منه ما نالوا وقرضوا منه بأنيابهم ما قرضوا .. حتى بات أكبرُ همٍّ لهم تغييرَ هويةِ شعبه .. ومسخَ واقعِ أبناءِه وإضاعةِ تاريخٍ سطّر بالزهور أوراقَه ووقّعَ بدماءِ الأبطالِ صفحاتِه ..
أرادوا من أبناءه أن يَنسونَ أو يَتناسَون تاريخهم المجيد ومواقفَ اباءهم السامية .. ومواقف أجيالهم الواعدة .. عبر حروب متتالية ..
شنّوا على هذا البلد حروباً باردةً ناعمةً نحو تغيير الهوية والثقافة الاصيلة وكلُّ هدفهم من هذا نزعُ اصالةِ الفرد وانتماءه عن هذا البلد وجانب وجهه المُشرِق ..
هذا البلد كما كان موطناً للطغاة عبر التاريخ اذ استولوا عليه واغتصبوه وحكموه وعاثوا فيه فساداً .. كذلك – وفي الوقت ذاته – إنّه بلدُ التضحية والاباء .. واستمرار الحب والخير والسلام .. عبر رجالٍ لم يلد التاريخُ لهم مثيلاً ..
هذا البلدُ لقد اختاره علي ابن ابي طالب ( عليه السلام ) والذي هو رمزُ الانسانيةِ والعلمِ والاستقامةِ والشجاعةِ والبلاغةِ وكلّ الكمالات .. اتّخذهُ عاصمةً له ..
واختاره الحسينُ ( عليه السلام ) الذي هو رمزُ التضحية والإباءِ والشهامةِ والشهادةِ .. مدفناً له ..
وسيختارُهُ في آخرِ الازمانِ صاحبُ العصر والزمانِ ( عجّل الله فرجه الشريف ) موطناً ومسكناً وعاصمةً لحكومةِ العدل الالهي الذي وعدنا به اللهُ تعالى ..
– في افتتاحية بطولة خليجي (٢٥) المُقامة في البصرة الفيحاء .. كنّا نأمل الانصاف وإعطاء جزءٍ من تاريخ الحقيقةِ حقَّه ..
لقد كان حرياً بمن نظّم المهرجانَ أن يتطرّق إلى تاريخ العلامةِ البيضاءِ في هذا البلد .. وليس الاقتصارَ على العلامات الاخرى كالحمراء والخضراء والسوداء فقط ..
فعليٌّ والحسينُ وجعفرٌ الصادقُ وتلامذته وصاحب العصر (عج) اهم حقٌّ على هذا البلد وأبناءِه فهم – بحقٍّ وصدقٍ – من مثّلوا تاريخَ العلامة البيضاء ..
فلماذا الانتقائية ؟! والاقتصار على ذكر جلجامش ونبوخذنصر واسد بابل وعشتار وآشور والاهوار ..
صحيح كلها من تراثيات هذا البلد لكن ليس كلها مما يفتخر به ..
فأين إبراهيمُ الخليلُ وأين آدم وأين نوح واين ادريس واين علي وابنه الحسين واين موسى وابوه جعفر واين واين واين أليسوا كلهم ممن وضعوا بصمةً للتاريخ في هذا البلد الحر ؟!
هل صرنا ووصلنا الى مرحلةٍ لا نتغنّى بها سوى بالغناء والطرب ؟!
نعم ؛ الفرحُ والابتهاجُ والاطلاقاتُ النارية كلها مطلوبةٌ .. وكلُّها من مظاهر الفرح ومن اللازم إتقانُها من أجل مواكبة العصر الحديث .. في كرنڤال شعبي ومهرجان تاريخيٍّ كهذا …
لكن أين ذكر الله في بلد المقدسات ؟!
هل شحّ علينا ذكر ولو آية واحدة من كتاب الله المجيد كما فعلت قطر في مونديال ٢٠٢٢ ؟ وليس ذلك من باب التقليد .. بل من باب الإنصاف ..
نحن في بلد الاسلام لا في تاريخ الاشوريين ولا في زمن السلاجقة وأضرابهما !!
نحن في بلد أناره علَمُ الهداية .. ولهذا الانتماء حقٌّ على القائمين والمنظّمين للاحتفال !!
لسنا مضطرين لنتغنّى بعشتار والقيثارة وأسد باب وآلهة الحب والشمس .. ونهمل الحضارة النورانية الحقيقية التي أنقذت بلادَ الرافدينِ وأبناءَهُ إلى حيث النور والهدى الذي هم عليه الآن ..
أليستْ بركاتُ الحسين هي التي يتغنّى بها العراقيون كل عام في اربعينية شهادته ؟! ويطعمون الطعام على حبّه كل ضيوف العالم ؟!
أليس من حضر الافتتاحية ونظمها وفرح بها أغلبهم من أبناء عليّ والحسين عليهما السلام ؟!
لماذا هذا التنكّرُ لهؤلاء العظماء ؟!
هل أصبحنا نداري الناسَ إلى حد الخجل من إظهارِ ما نحن عليه من ثقافة ؟! خشيةَ سخطِ بعض اللجانِ الدبلوماسية والبعثات الرئآسية ؟!
الأسف كلُّ الأسف عندما ترتفع حضارة أكد وطوق كسرى ومسلة حمورابي وصحف الاشوريين وتراث بابل وأسدها .. والناس تسمتع بمشاهدة العرض الخيالي الجميل .. وليس لقبة علي ( صانع مجد الانسانية والسلام ) من مكان بين كل ذلك !!
سيقول البعض ؛
إنّك مندفع .. وتتكلم من منطلق ديني مذهبي أو طائفي !!
فأقول : لا وألف لا ..
فعلي ( عليه السلام )
ابو الأحرار وابو الأيتام وابو المستضعفين وابو العلماء وابو الحكماء وملهم الاجيال ومحرك عجلة التاريخ نحو العدالة الانسانية .. وهل جانبه الديني يجعلنا نخجل من ذكر اسمه الشريف !!
فهاهم المسيح والصابئة والايزيدية وابناء السنة والجماعة كلهم يفتخرون به ويتغنون به .. انه ابو الانسان وليس ابا الشيعة فحسب !!
كيف وهو القائل :
الناس صنفان ؛ اما اخٌ لك في الدين او نظيرٌ لك في الخلق ..
لا نقول ؛ اقيموا المآتم في الملعب او استضيفوا باسم الكربلائي .. فهذا مكانه الحسينية لا الالعاب الاولمبية .. ولكن نقول ؛ ضعوا قيمة لتراثكم الحقيقي ولو بقليل من الاشارة !!
كم هو جميل ان تعتزّ بهويتك وان لا تنسلخ منها مهما حصل ولا تخشى ولا تهاب احداً مهما بلغ ؟!
كونك على جادة السلام والاستقامة يجب ان تكون صلباً بما فيه الكفاية ، لا منكسرَ الشخصية ومنهزمَ الباطن .. فتحاول أن تُرضي هذا وذاك بحجة خشية زعلهم !!
فمهما فعلتَ .. هناك من يفرح لك وهناك من يحاول أن ينغّص عليك فرحتَك .. ويحاولُ إفشالَك ..

كم جميل هو قولُ الشاعر ::

سـلامٌ على دجلةٍ والفراتِ
على الصامدينَ بوجهِ الغُزاةِ
سلامٌ على النسوةِ الصابراتِ
على البائسينَ الجياعَ الحُفات
لـقـد هُدَ عرشُ الطُغاةِ البغاةِ
بعزمِ رجالٍ نسورٍ كُفاةِ
اُنـاجـيـكَ يا طلعةَ المشرقينِ
عِراقَ عليٍ عِراقَ الحسينِ

فسلامٌ على العراقِ وعلى من أحبّ العراقَ وعلى من وفى للعراق ومن أخلص له ..

ليلة الأحد
٨/ ٧/ ٢٠٢٣م
النجف الأشرف

اترك رد