26-9-202
فرهاد علاء الدين
وصف دبلوماسي رفيع، الوضع الراهن بالعراق بأنه “يشبه سفينة التايتانيك بعد اصطدامها بالجليد لتبدأ المياه بالتدفق الى جوفها، ونرى الزعماء العراقيون يتنافسون في إعادة ترتيب الكراسي متناسين بأن السفينة كلها ستغرق”. وجاء هذا الوصف لان الدبلوماسي الرفيع لا يعتقد ان قادة العراق يعملون بشكل جدي لإنقاذ العراق من الازمات الخانقة. و أحد هذه الازمات هو ما جاء في المكالمة المفاجئة بين وزير الخارجية الامريكية مايك بومبيو و رئيس الجمهورية برهم صالح، حيث أبلغ الوزير رئيس الجمهورية بأن الإدارة الامريكية على وشك اتخاذ قرار بغلق سفارتها في بغداد وانسحاب قواتها من العراق بسبب ما تتعرض له مصالحها الدبلوماسية والعسكرية من عمليات استهداف بصواريخ كاتيوشا وقذائف الهاون، فضلا عن استهداف قوافل إمدادات التحالف الدولي بعبوات ناسفة على مختلف طرق تنقلها.
هذه المكالمة عكست تغييرا دراماتيكيا في موقف الادارة الأمريكية، وأثارت القلق على اكثر من صعيد، ولدى معظم المراقبين، والباحثين في السياسية الأمريكية في المنطقة عموما والعراق بشكل خاص. ومرد هذا القلق يعود لتوقيتها غير المتوقع، الى جانب كونها تأتي بعد بضعة أسابيع قليلة من عودة رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي من زيارة واشنطن والمباحثات الاستراتيجية التي وصفت من كلا الطرفين الأمريكي والعراقي بالناجحة.
ما الذي تغير ؟!
شهد شهر أيلول الجاري وقبل أن ينتهي تعرض المنطقة الخضراء التي تضم مقر السفارة الأمريكية الى نحو ١٩ هجوما بصواريخ الكاتيوشا وقذائف الهاون، وبعضها بلغ أهدافه داخل محيط السفارة، مما عرض ارواح العاملين الى مخاطر جدية. بالإضافة الى ٢٥ هجوما بالعبوات الناسفة تعرضت له قوافل الدعم اللوجستي لقوات التحالف الدولي، فضلا عن تعرض موكب البعثة الدبلوماسية البريطانية في بغداد لهجوم مباشر من دون وقوع خسائر بشرية. والخبير في السياسة الأمريكية يعلم أن اي رئيس لا يمكنه المجازفة بمقتل او اصابة أي مواطن امريكي بنيران معادية وهو على أعتاب الانتخابات الرئاسية. كذلك فأن استمرار تعرض مصالح الولايات المتحدة الأمريكية لهجمات متتالية من دون رد، وهذا يزعج الكثيرين في واشنطن باعتبارها تمتلك القوة العسكرية الأكبر بالعالم.
تفيد مصادر موثوقة، بان الجانب الأمريكي حصل على معلومات استخباراتية حول الجماعات المسلحة التي تستهدف المصالح الأمريكية بشكل متكرر وباتت تمتلك أسلحة متطورة بإمكانها إصابة الهدف بدقة اكبر، متوقعين بذلك تصعيدا في الهجمات الصاروخية في غضون الأيام والأسابيع القليلة القادمة بالتزامن مع موعد الانتخابات الامريكية.
ويتهم المصدر أيران بأنها وراء تسليح تلك الجماعات، بالرغم من نفي الجانب الإيراني بشكل معلن لأي دور لها بهذا الصدد، مكررا دعمه المطلق لحكومة الكاظمي وأنها أي أيران لن تعطي الجانب الأمريكي فرصة ضرب المصالح الإيرانية تحت هذه الذريعة.
وليس معلوما اذا كانت المعلومات الاستخباراتية ام تكرار الهجمات هي الدافع الأساسي في تغير الموقف الأمريكي بهذا الشكل اللافت ولكن ما يتم التأكيد عليه انه موقف خطير وله مردود سلبي على أمريكا والعراق في آن واحد، فالطرفان سيخسران الكثير من جراء القرار المفاجئ بالانسحاب.
مخاطر وتداعيات الانسحاب المحتملة على العراق
لا يمكننا التقليل من خطورة إقدام الإدارة الامريكية على تنفيذ تهديداتها بغلق السفارة وسحب القوات الامريكية، ومن ثم استهداف الجماعات المسلحة وقادتها، كون تداعياتها أخطر وأعمق من كل ما يجول في الأذهان. والتي يمكن تخمين او توقع بعضها على النحو الآتي:
- غلق السفارة سيعني بشكل مباشر قطع العلاقة الدبلوماسية ولو من جانب واحد، بكل ما يترتب عليه من وقف كل اوجه التعاون السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي مع العراق.
- سحب القوات العسكرية يعني انسحاب كافة قوات التحالف الدولي، ووقف برامج الدعم والتسليح والتدريب والاستشارة، والأخطر من كل ذلك وقف الحرب على بقايا تنظيم داعش. علما ان الموازنة الامريكية المخصصة في المجال العسكري والأمني تبلغ ما يقارب ٥ مليار دولار.
- انسحاب المنظمات الخيرية المرتبطة بأمريكا بشكل مباشر او غير مباشر وهذا يعني إيقاف المساعدات الإنسانية والمالية بما يتعلق بمشاريع حملات إعادة البناء والاعمار وإعادة النازحين الى ديارهم و إيقاف برامج عودة الإستقرار الى المناطق المحررة.
- وقف التعاون الاقتصادي سيعني وقف تعاون كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مع العراق، لأن للولايات المتحدة الأمريكية اليد الطولى في توجيه سياساتهما في مختلف دول العالم.
- وقف الاستثمارات الأجنبية في العراق سيفضي الى إحداث شلل كبير في معظم القطاعات الحيوية وفي مقدمتها قطاعات الطاقة، وكذلك إيقاف الدعم المالي البالغ نحو خمسة مليار دولار من قبل مصرف الصادرات الامريكية.
- الغاء إستثناء العراق من العقوبات الأمريكية المفروضة على أيران، لشراء واستيراد الغاز والكهرباء، مما يعني وضع العراق تحت طائلة تلك العقوبات، علما بأن الأموال العراقية من مبيعات النفط والاحتياط المصرفي مودعة في حساب المصرف الفيدرالي الأمريكي.
- لجوء واشنطن الى تقليل تدفق السيولة النقدية من الدولار للعراق، والذي سيفاقم الأزمة الاقتصادية الراهنة ، كما أنه قد يدفع الى تعويم الدينار وبالتالي فقدان قوته الشرائية كما حصل خلال سنوات فرض الحصار الإقتصادي على العراق في تسعينيات القرن الماضي.
- تزايد الاطماع والتدخلات الإقليمية في العراق، كونه غير قادر على حماية حدوده ولا يملك غطاء دوليا يدرء عنه مثل هذه الأطماع والتدخلات.
- تراجع الدعم الأممي للعراق، ممثلا بتواجد ونشاط بعثة الأمم المتحدة العاملة في العراق يونامي ويونيتاد، والدعم السنوي الكبير الذي تتلقاه الأمم المتحدة من الادارة الأمريكية لتنفيذ برامجها في العراق.
- الانسحاب الأمريكي سيشجع دولا اوربية وعالمية على الانسحاب خشية فقدانها لغطاء الحماية والدعم اللوجستي على الصعيد الامني لبعثاتها العاملة في بغداد، والذي يوفره عادة التواجد الأمريكي.
- مغادرة شركات الدعم اللوجستي المتواجدة لإسناد قوات التحالف الدولي والتي تقدر تعاقداتها سنويا بمليارات الدولارات.
- الغاء البرنامج الأمريكي لمساعدة العراق والذي تبلغ ميزانيته خمسة مليار دولار، ويشمل عدة قطاعات من بينها المساعدات العسكرية وعقود توريد الاسلحة والمعدات.
- توقف برنامج إدامة وصيانة طائرات الأف ١٦ والدبابات الامريكية مما يفقد العراق قدرته الجوية ويشل من حركة سلاحه المدرع.
- وقف برامج التدريب والدعم الفني لقوات حلف شمالي الأطلسي ( الناتو ) بمختلف صنوفه واسلحته وانسحاب البعثة الممثلة لهم.
مخاطر وتداعيات الانسحاب المحتملة على أمريكا
اذا قررت أمريكا الانسحاب من العراق دبلوماسيا وعسكريا كما هدد وزير الخارجية الامريكي، فان تداعيات مثل هذا القرار لن تكون سهلة على أمريكا في المدى القريب والبعيد وفيما يلي بعض الخسائر المحتملة لها:
- الخروج من العراق معناه الاعتراف المباشر بفشل السياسة الامريكية في العراق بعد ١٧ عاما من التواجد
- احتمال عودة داعش وبقوة مرة أخرى وهذا يعني فشل الحرب الدولية على داعش بالرغم من الانتصارات التي حصلت في الماضي القريب.
- ايران ستملأ الفراغ الأمني بسرعة كبيرة وتصبح مهيمنة بقوة في جميع مناطق العراق من الشمال الى الجنوب وسيكون بإمكانها تهديد المصالح الامريكية بشكل اقوى من ذي قبل في المنطقة.
- ستفقد أمريكا سمعتها كدولة عظمى لأنها ستخرج مهزومة من العراق وسيعمل الجانب الإيراني على اعلان الفوز الساحق .
- يجب على أمريكا إعادة تخطيط تواجدها في الشرق الأوسط برمته لان انسحابهم سوف يؤثر على الخطط العسكرية والاستراتيجية التي رسموها للسنوات القادمة وكانت تضم تواجدهم في العراق.
- انسحاب القوات الامريكية من سوريا تماما، حيث لن يكون بإمكان أمريكا إبقاء هذه القوات من دون تواجدهم في قاعدة عين الأسد العراقية، وعليه يجب ان تختار أمريكا بين البقاء في عين الأسد بعد انسحابهم الرسمي وبالتالي خرق القانون الدولي وبين الانسحاب من سوريا وهذا يعني الاعتراف بفشل السياسة الامريكية في سوريا أيضا
- ترك دولتين حيويتين مثل العراق وسوريا ستخلق شرخا كبيرا في التواجد الجيو-سياسي الأمريكي في المنطقة والذي سيطول سنينا عديدة لاستعادة الهيمنة فيها اذا فكروا في المستقبل الدخول مرة ثانية لهذه المناطق في حين دول أخرى مثل تركيا وروسيا وايران سوف تعمل على ملئ الفراغ.
- سيلجأ العراق الى الصين وغيرها من دول لإعادة ترتيب اقتصاده وطلب الدعم من تلك الدول المنافسة لأمريكا وهذا بحد ذاته سيضعف الموقف الأمريكي في المنطقة وفي صراعها القادم مع الصين.
- ستكون البوابة الشرقية السعودية والخليجية تحت التأثير الإيراني المباشر ولن يكون بإمكان أمريكا إيقاف هذ التأثير الا اذا كانت متواجدة في المنطقة، وعليه فان السعودية والخليج ستكون محاصرة من اليمن والعراق.
تتبع…